تتزايد الإحصائيات المتعلقة بالأطفال في الجزائر باعتبارهم ضحايا اعتداءات أو معتدين؛ ولئن يظل البعض يدعو كل مرة لتشديد العقوبات على المعتدين والذهاب بها إلى ذروتها القصوى حتى تكون رادعة ؛ فإنه ودون التقليل من أهمية العقوبات الردعية في محاصرة الجرائم عموما وجرائم الاعتداء على الأطفال خصوصا؛ فإن الأمر هنا يقتضي قبل ذلك وبعده ضرورة وضع تفسير علمي للظاهرة تراعى فيها الجوانب البدنية والنفسية والأسرية والاجتماعية؛ لحصر العوامل وتحديد المسؤوليات. لأن الدعوة للشدة دون دراسة مسبقة من شأنها هدر الأوقات والطاقات؛ هذا إن لم تزد في استفحال الظاهرة؛ ويبدو أن هذا المنحى قد بدأ يجد له صدى عند مصالح الأمن التي أكد أحد ضباطها بالمديرية المركزية منذ مدة لوسائل الإعلام أن هدف مصالح الأمن المرافقة النفسية للأطفال وليس الجانب الردعي، بحيث بلغ عدد المرافقين 10 آلاف و296 مرافقا، مع 940 مساهمة على المستوى الوطني و315 عملية تحسيسية خلال الثلاثي الأول ل 2018، وأكثر من 5 آلاف محاضرة، مع مرافقة الباحثين في إعداد مذكرات التخرج لنهاية السنة؛ واستحداث غرف خاصة بالأطفال الجانحين المسماة بغرف سماع المصور، وهذا تجسيدا لقانون حماية الطفل بالتوازي حسب الإحصائيات فقد سجل 3395 طفلا في حالة خطر، و 3661 حالة الضرب والجرح العمديين، و487 ضحية سوء المعاملة، 7 ضحايا الجنح والعنف المفضيين إلى الوفاة، 22 حالة القتل العمدي، و100 حالة خاصة بالإبعاد، أي بمجموع 3793 ضحية للجنسين؛ كما تم تسجيل إحصائيات تتعلق بالمتابعات القضائية ضد الأطفال الجانحين حسب فئة الجنس، حيث سجل 5423 حالة ما بين الحبس المؤقت، الاستدعاء المباشر أو تسليم إلى الأهل والإفراج والوضع في المراكز، بحيث بلغ عدد الأطفال الجانحين من الذكور 5205 و218 إناثا. بالمقابل، تم تسجيل 285 حالة استهلاك المخدرات والمؤثرات العقلية من طرف الأطفال، 279 المساس بالعائلة والآداب العامة، 108 تكوين جمعية أشرار، 181 تحطيم الأملاك، 1283 سرقة، 6 حالات الضرب والجرح العمديين المفضيين إلى وفاة، 1127 الضرب والجرح العمديان، 27 حالة الاعتداء على الأصول، 17 حالة محاولة القتل العمدي و12 حالة القتل العمدي، إضافة إلى 902 مخالفات أخرى و86606 مكالمات تبليغ، و1120 متعلقة بالهروب. وهذه الخطوة ينبغي أن تعزز لأن معالجة إشكاليات تتعلق بالطفولة تقتضي البحث في عمق الظاهرة واستبطان عواملها وتسطير إجراءات لاختراق النسيج الأسري والاجتماعي الذي قد تنمو فيه أول بذور الانحراف وأسباب الاعتداء والصدمات النفسية باكرا؛ لنعيد صياغة مفاهيم تتعلق بمعنى الطفولة والأسرة والمسؤولية والتربية والعنف وغيرها من المفاهيم التي تعتمت مفاهيمها وأضحى كل من هب ودب يعطي لها تفسيرا وبيانا . وذلك استهداء بأنوار الشريعة الإسلامية وأحكامها التي كان لها الفضل في صياغة منظومة تشريعية وأخلاقية خاصة بالطفولة ساهمت في بناء الإنسان والمجتمع مراعية في ذلك كل العوامل المتدخلة في بناء شخصية الطفل، ومحملة المسؤولية لكل الأطراف المحيطة به؛ في جانبي الوجود والحماية. وعندما نستقرأ ما تعلق بالطفل في شريعة الإسلام نلحظ أن الاهتمام به بدأ مبكرا قبل ميلاده؛ بل قبل تشكله بين نطفة وبويضة؛ ففي هذه اللحظة الابتدائية الأولى يبدأ التفكير في الطفل حين يوصي الإسلام الزوجين بالاختيار؛ اختيار العرق والأصل والدين؛ لأن لكل هذه العوامل تأثير في بنية الطفل ونفسيته ونمط تفكيره وسلوكه بعدئّذ؛ ثم تأتي مرحلة الجنين التي راعى فيها جملة حقوق نفسية وبدنية؛ وكذا حقوق مادية مثل الميراث والوصية والهبة وغيرها إسداء هذه الحقوق في هذه المرحلة يعد لفت انتباه للأسرة والمجتمع بخطورتها وخطورة ما يترتب عليها وبعد لحظة الميلاد تأتي جملة حقوق أخرى أخطر من سابقتها؛ من حق اختيار الاسم لأن للاسم إيحاءات إيجابية أو سلبية توجه بها شخصيته، ثم ما يتعلق بالرضاع والحضانة والنفقة وغيرها؛ وفي هذه المرحلة وما بعدها تظهر معالم التربية الوجودية والوقائية؛ ففي جانب الوجود يوصي الإسلام بتعليم الأبناء وتكوينهم على القوة النفسية والبدنية ومن معالمها بعض العادات الحسنة فيما يقتضه الاجتماع البشري في كل عصر حسب طبيعة الأدوار التي يريدها المجتمع لهذا الطفل مستقبلا؛ والتنشئة على بعض الآداب الحميدة في الأكل والشرب والقيام والجلوس، ثم التدرج به للولوج لعالم العبادة بما يعني ذلك تحضيره نفسيا وعقليا لتحمل المسؤولية على اعتبار أن العبادة مسؤولية وتكليف، مع تحاشي العنف في هذه المرحلة والسير معه بالرفق والمصاحبة؛ لأن التأديب بالشدة مضرة للطفل؛ بل ينبغي توفير فرص اللعب لهم والترويح لأن ذاك حقهم شرعا وسبب لنموه الطبيعي. الإسلام يوصي ببعض الآداب لحماية الطفولة من الصدمات الجنسية والمالية ومما يلاحظ أن الإسلام اهتم بأمرين خطيرين على شخصية الأطفال الآباء أو الأوصياء أو المجتمع برمته وهما صدمتا الجنس والمال؛ لأن تعريض الطفل لهما من شأنه أن يتسبب في اهتزاز شخصيته وإصابة نفسيته مستقبلا بأمراض تستبطن عواملها في السنوات الأولى لمراحل عمره؛ على غرار العصاب وازدواجية الشخصية والبخل والشح وغيرها؛ لذلك حث القرآن الكريم الآباء على الحيلولة دون أي صدمات جنسية قد تعتري الطفل قبل بلوغه، فأمرهم بتأديب الأبناء بأدب الاستئذان قبل دخول حجرات نوم الآباء لاسيما في أوقات محددة عادة ما يضع فيها الآباء أثوابهم، لأن أي منظر قد يقف عليه الطفل سيشكل له صدمة باطنية في أعماقه وستفعل فعلها بعدئذ سواء صرح بها أو أخفاها الطفل؛ وسواء وجد لها تفسيرا أو لم يجد؛ وتسبب له انحرافا سلوكيا ما لم يستدرك بعلاج نفسي واندماج اجتماعي؛ فقال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)))؛ ونجد هنا أن الخطاب للمؤمنين قاطبة مما يعني أن مسؤولية تربية الأبناء على آداب الاستئذان مسؤولية اجتماعية وليست مسؤولية فردية للأبوين فقط؛ لأن تبعاتها بعدئذ اجتماعية. أما صدمة المال فتتخذ لها شكل الحرمان أو شكل التبذير؛ وكلا الخصلتين لهما أثر سيء مستقبلا على نفسية الطفل وتفكيره، وله أثر في جنوح الطفل أو اعتداله، فحث الإسلام الأوصياء ومن خلالهم كل المسلمين على ضرورة تربية الطفل قبل البلوغ على التعامل مع الأموال والنقود أولا؛ وتعليمه حسن التعامل معها ثانيا؛ فقال الله تعالى: ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ))؛ ففي الآية أمر ب(الابتلاء) بمعنى الاختبار؛ وهو يتضمن صفتين تربويتين عظيمتين (أولهما) أن نعطي للأطفال قبل البلوغ الأموال وهذا يحول دون تربيتهم على الحرمان مما يترتب عليه مستقبلا بخل وشح وربما انحراف؛ و(ثانيهما) أن في هذا العطاء اختبارا لهم في كيفية التصرف في المال والإنفاق وفي ضوء الاختبار يكون التوجيه والإرشاد، ذلك قبل أن يصبحوا مسؤولين لهم الأهلية في التصرف في المال إنفاقا واكتسابا بعد البلوغ. أما حرمانهم ماليا أو تجويعهم وهم صغار فإنه مظنة كل الآفات مستقبلا؛ إن هذه وغيرها من الآداب التربوية ينبغي أن تتكرس على مستوى منظوماتها الأخلاقية والقانونية والاجتماعية بالتوازي مع الإجراءات الردعية للتصدي لظاهرة جنوح الأطفال أو الاعتداء عليهم؛ فالطفل السوي إنما تظهر وتتبلور أمارات استوائه في الأسرة ثم المجتمع بمؤسساته التربوية والإعلامية والدينية وبيئية. ع/خ هكذا تُطهر الزكاة المال لاحظ الرازي بعبقريته في آية: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ونزكيهم بها))، معنى جميلا، فقال: والتقدير: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ فكان اندفاعها جاريا مجرى التطهير، والله أعلم .وفيه إشارة للحديث الصحيح في مسلم : (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) فقد شرح النووي معنى ذلك أن الصدقة كغسالة الأوساخ، وليس في هذا المعنى ازدراء بالصدقة، إذ الجهاد مصرف من مصارفها وهو أعظم الأعمال، وإنما السر أن المال يأخذ صفته الشرعية حسب وضعه في يد صاحبه وحائزه، فهو طيب إذا كان حلالا، وخبيث إذا كان من كسب باطل، وسحت إذا تحصل بسبب محرم، و قيء إن كانت هبة رجع فيها صاحبها، وقد قال ابن العربي في القبس: فقد تكون العين الواحدة حلالا حراما في حاله واحدة في حق شخصين أو في حالين في حق شخص واحد ؛فالصدقة طهرة للمال في حق صاحب المال وقيء إن رجعت إليه ورزق حسن في يد المستحق إذا حصلت في يديه ولو بقيت في المال لغيرته وأخبثته فإذا خرجت عنه خرجت طاهرة في ذاتها فطهرته أي منعته أن يخبث ببقائها فيه فلا تقع في كف الرحمن إلا وهي طاهرة مطهرة ولا تبقى عند الغنى إلا وهي خبيثة مخبثة وضرب النبي صلى الله عليه وسلم كف السائل مثلا بكف الرحمن ترغيبا في العطاء وحثا على الصدقة لذا فملحظ الرازي أن الصدقة وهي الجزء المقطوع زكاة من المال الذي وجبت فيه هذه الزكاة هو وسخ خبيث إذا لم يعزله صاحبه و يفرزه استعدادا لإخراجه زكاة، بل بقي حائزا له منتفعا به غاضا الطرف عن حقوق الفقراء، لذا كان إخراجه كأنه طهرة حسية للمال منه و تزكية له. اشترى والدي عقارا، ودفع بعض ثمنه واتفق مع البائع على إتمام تسديد باقي المبلغ بعد سنتين، لكن بعد أربعة أشهر طالبه البائع بباقي المبلغ، فاشترط والدي تخفيض الثمن، فما الحكم في ذلك؟ الأصل أن يفي كل من البائع والمبتاع بما اتفقا عليه من شروط لقول النبي صلى الله عيه وسلم: « المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». وليس لهذا البائع أن يعود فيما رضي به ساعة إبرام العقد لقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود « المائدة/1.فإن رجع البائع فيما اتفقا عليه من شروط واشترط دفع باقي المبلغ حالا دون تأجيل، فللمشتري أن يشترط شرطا جديدا كتخفيض الثمن، فإن رضي البائع وخفض الثمن فهو عقد جديد يستلم بمقتضاه ثمن مبيعه حالا، أما إن رفض فيبطل شرطه الثاني وصح العقد مصداقا. هل يجوز أن يبتاع الشخص جهازا ما من البائع فيدفع الثالث المبلغ حالاً على أن يسدده له الشخص المبتاع بعد أشهر بفائدة تقدر ب 10 % ؟ إن ما ذكرته أيها الأخ الكريم في رسالتك عبارة عن قرض يقدمه الشخص الذي يدفع المبلغ حالاً على أن يسدده له المبتاع بعد أشهر بفائدة معينة، وهذا عين الربا الذي حرّمه الله عز وجل بقوله في كتابه العزيز:»وأحل الله البيع وحرم الربا»، وقد شدّد الوعيد للمتعامل بالربا إذ جاء ذلك في قوله تعالى:» الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس» وقد شرع القرض للرفق بالناس ومعاونتهم على شؤون العيش وتيسير وسائل الحياة، وليس وسيلة للكسب والإثراء. وزارة الشؤون الدينية