يشكو سكان قرى ومدن دائرة عين مخلوف بسهل الجنوب الكبير بقالمة من أزمة مياه حادة تهدد نشاطهم الفلاحي وتربك حياتهم، خاصة بمنطقة آركو التي تنام على أكبر احتياطي جوفي بشرق البلاد، حيث بدأت الصحراء تزحف نحو أراض كانت تنتج أجود أنواع القمح، كما تعاني عدة عائلات من عزلة شبه تامة بعد تدهور مسالك ما يهدد ما تبقى من النشاط الفلاحي بالزوال. أثار سكان قرى و مدن دائرة عين مخلوف الواقعة بسهل الجنوب الكبير بقالمة، عدة انشغالات اقتصادية و اجتماعية خلال زيارة العمل و التفقد التي قادت والي قالمة الجديد، كمال عبله، إلى المنطقة يوم، الثلاثاء الماضي، في إطار برنامج عمل ينتظر أن يشمل كل دوائر الولاية للإطلاع على مشاكل التنمية المحلية و الاستماع إلى السكان، و إيجاد الحول الممكنة في إطار برامج المخططات البلدية للتنمية، و المشاريع القطاعية التي تحصل عليها الولاية في مختلف القطاعات ذات العلاقة المباشرة بالحياة اليومية للمواطنين. بدائرة عين مخلوف التي تضم 3 بلديات هي عين مخلوف، تاملوكة و عين العربي، كان السكان على موعد مع الهيئة التنفيذية التي تنقلت إلى المنطقة لمعاينة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي، و دافع هؤلاء السكان بقوة عن ما وصفوه بحقهم في التنمية و الحياة الكريمة، بواحدة من أهم الأحواض السكانية بولاية قالمة، مؤكدين على أنه و بالرغم من الإنجازات التي تحققت على مدى السنوات الماضية، فإن مشاكل كثيرة مازالت تنتظر الحل، و في مقدمتها نقص التغطية الصحية، و العزلة ببعض المناطق الريفية، و أزمة مياه الشرب، و مشاكل السقي التي طرحت بقوة من طرف الفلاحين، الذين قالوا بأنهم يمتلكون مساحات واسعة من الأراضي لكن الجفاف قد أطبق على السهل الكبير و حال دون تطوير قطاع الزراعة و الارتقاء بالسهل الشهير إلى مصاف الأقطاب الزراعية الكبرى بالجزائر.
احتياطات مائية هائلة يقابلها عطش بداية الزيارة كانت من سهل عين آركو الكبير على حدود ولايتي قسنطينة و أم البواقي، أين بدأت مؤشرات التصحر تلوح في الأفق، هنا تعمر أزمة العطش و الجفاف منذ سنوات طويلة، مزارع للمواشي و حقول زراعية بلا مياه، و مشاتي تنتظر نهاية الأزمة التي عمرت طويلا، كما قال أحد سكان عين آركو متحدثا لوالي الولاية، «أريد ماء لعائلتي و أغنامي التي توشك على الهلاك، نحن نشتري مياه الصهاريج لإنقاذ المواشي، هي مصدر حياتنا، لم نعد قادرين على التحمل سنوات أخرى، حقولنا الزراعية تصحرت، و مواشينا تواجه مصيرا غامضا، لا نريد إلا الماء، إننا نعاني و ننتظر منكم حلولا واقعية لازمة طال أمدها». كان الرجل يستغيث طالبا المساعدة له و لكل أهالي عين آركو و هو يقف فوق أكبر خزان للمياه الجوفية بشرق البلاد، حوض عين آركو الشهير الذي كان محل زيارة للوفد الولائي للإطلاع على مشاريع الآبار الارتوازية العميقة التي تضخ مياه الشرب باتجاه مدن و قرى سهل الجنوب الكبير، الممتد من تاملوكة و عين آركو جنوبا، إلى عين العربي و عين مخلوف شرقا، و وادي الزناتي، برج صباط و عين رقادة غربا. و يقول سكان سهل عن آركو، بأن الحقول الزراعية الواسعة لم تعد تنتج القمح كما كانت خلال العقود الماضية، و أصبحت مهددة بالتصحر بسبب نقص الأمطار و الحرث الجائر و الرعي المكثف الذي يكاد يقضي على الغطاء النباتي تماما، و يطالب سكان المنطقة بتوفير المياه لسقي الأراضي الواسعة، و ذلك ببناء مزيد من السدود و الحواجز المائية و تخصيص جزء من احتياطات الحوض الهيدروغرافي بعين آركو للزراعة. و ترى سلطات قالمة، بأن الأولوية في الوقت الحالي هي لتزويد السكان بمياه الشرب، في انتظار إيجاد الحلول الممكنة لمشاكل السقي، و ذلك بتأهيل سد مجاز بقر و حل المشاكل التي يعاني منها و وضعه في خدمة المزارعين الذين اشتكوا لوالي الولاية من الصعوبات التي واجهتهم خلال المواسم الماضية، بسبب قرارات منع السقي المباشر من حوض التخزين، و تعطل محطات الضخ و تخريب تجهيزات السقي. و قال مدير الموارد المائية، بأن بطاريات آبار عين آركو يمكنها الوصول إلى قوة تدفق تتجاوز 120 لترا من مياه الشرب في الثانية الواحدة، و هي كمية هائلة ستوجه لحاجيات الشرب ببلديات تاملوكة، وادي الزناتي، عين مخلوف، برج صباط و عين رقادة، حيث أعطى والي الولاية تعليمات لتحسين خدمة المياه و ضمان التزويد اليومي عندما تنتهي أشغال الربط بآبار عين آركو الجديدة. و من جهته أوضح مدير سد مجاز بقر، بأن عملية تهيئة السد جارية و أن محيط السقي المعطل سيعود إلى النشاط بعد انتهاء أشغال الصيانة، و تشغيل محطة الضخ، موضحا للفلاحين الذين حضروا إلى السد لطرح انشغالهم على مسؤولي الولاية، بأن القانون يمنع السقي المباشر من حوض التجميع، مضيفا بأنه يمكن للمزارعين استغلال حقولهم الزراعية الواقعة خلف حاجز السد، و الاستفادة من كميات المياه التي يتم إطلاقها في مجرى الوادي خلال موسم السقي. و ببلدية عين العربي، تفقد الوفد الولائي مشروع ربط قرية حمام بلحشاني السياحية بمياه الشرب، انطلاقا من آبار عين الدالية المجاورة. و يقول سكان بلحشاني، بأن الكميات التي تصلهم حاليا غير كافية، و أنهم يعانون من أزمة عطش قد تتفاقم أكثر عندما يبدأ المركب السياحي الكبير في العمل خلال السنوات القادمة، معبرين عن ارتياحهم بعد ربط قريتهم السياحية الجميلة بآبار قوية قد تنه المعاناة الطويلة و تعيد الأمل لواحدة من القرى الكبيرة بسهل الجنوب.
ضعف التغطية الصحية.. هاجس آخر تعاني بلديات سهل الجنوب الكبير بقالمة و خاصة بلديات دائرة عين مخلوف، من نقص في التغطية الصحية، حسب ما وقفنا عليه خلال الزيارة، حيث اشتكى السكان من تدني الخدمات، و نقص كبير في الأطباء المختصين بالعيادات المتعددة الاختصاصات، التي تعد الوجهة الأولى للسكان قبل التحول إلى مستشفيات وادي الزناتي و قالمة و عين العربي. و يطالب سكان دائرة عين مخلوف، ببناء مستشفى كبير يدعم التغطية الصحية بالمنطقة، و يخفف الضغط عن مستشفى وادي الزناتي و القطاع الصحي بمدينة عين العربي، مؤكدين على أن الهياكل المتواجدة حاليا لم تعد كافية لتلبية حاجيات نحو 50 ألف نسمة بواحدة من أكبر دوائر ولاية قالمة. و قد زار والي الولاية العيادة المتعددة الخدمات بتاملوكة و العيادة المتعددة الخدمات بعين مخلوف، و أمر المشرفين على قطاع الصحة بالولاية، بتحسين الخدمات المقدمة للسكان، و تهيئة المرافق الصحية و بذل المزيد من الجهد، و الاستغلال الجيد للإمكانات المتوفرة، في انتظار مشاريع صحية مستقبلية قد تغير الوضع الحالي و تنهي معاناة السكان. و تعد قرى دائرة عين مخلوف الأكثر تضررا من تدني مستوى الخدمات الصحية، حسب تصريحات السكان الذين طالبوا بدعم مراكز العلاج النائية بمزيد من التجهيزات و الكوادر الطبية، مؤكدين على أن هذه المراكز هي الأقرب إلى المرضى، في ظل الظروف الطبيعية الصعبة و العزلة التي تحول دون التنقل إلى المدن الكبرى لتلقي العلاج في الحالات الطارئة. عائلات معزولة وأخرى تتنقل بصعوبة مازالت الكثير من مشاتي دائرة عين مخلوف بقالمة تعاني من العزلة، و تردي المسالك الريفية القديمة التي انهار الكثير منها تحت تأثير عوامل الطبيعة و الزمن، حيث أصبحت المنازل الريفية معزولة تماما، في حين تعاني تجمعات أخرى من صعوبات في التنقل و خاصة في فصل الشتاء، عندما تتوحل المسالك الترابية و تطبق الثلوج على واحدة من أكثر الأقاليم برودة في فصل الشتاء. و شدد والي الولاية على ضرورة مواصلة مشاريع فك العزلة و تعبيد الطرقات الريفية لمساعدة السكان على الاستقرار بمناطقهم، و إنجاح مسعى التجديد الريفي لطي مرحلة المعاناة التي عرفتها المنطقة في السنوات الأخيرة. و تعد بلدية عين العربي من بين البلديات الرائدة في مجال فك العزلة بدائرة عين مخلوف، حيث أصبحت الكثير من مشاتيها و تجمعاتها الثانوية مربوطة بشبكة من الطرقات المعبدة، و هو ما وقفنا عليه خلال الزيارة، حيث تم تدشين طريق بلدي جديد يربط بين العربي و عين مخلوف ببلدية عين صندل، و الطرق الوطني 80 المؤدي إلى سوق أهراس، و أصبح بإمكان مستعملي الوطني 80 التحول إلى الطريق الجديد المختصر للمسافة و الوقت بين صدراتة و وادي الزناتي و قسنطينة، مقارنة بمسار الطريق الوطني 20 الذي أصبح غير قادر على تحمل الكثافة المرورية الكبيرة. و قد تلقت مديرية الأشغال العمومية تعليمات من والي الولاية، لدعم الطريق الجديد بإشارات المرور، و إشارات توجيه السائقين، حتى يستعملوا هذا المحور الهام الذي سمح بفك العزلة عن مشاتي و قرى المنطقة التي ودعت معاناة استمرت عقودا طويلة. و كانت قطاعات الشباب و الرياضة، و التعليم و السكن و التهيئة العمرانية، ضمن اهتمام الوفد الولائي الذي اطلع على مشاريع بناء ملاعب بالعشب الاصطناعي و مدارس ابتدائية و تهيئة الأحياء السكنية لتحسين إطار الحياة العامة. و صرح والي الولاية للصحافيين في نهاية الزيارة، بأنه يمكن التغلب على مشاكل المنطقة في المستقبل، مضيفا بأنه يسعى إلى حصر الأوليات في كل القطاعات و حسب خصوصية كل منطقة، و استغلال الإمكانات المالية المتاحة بعقلانية و تبصر، لتحقيق أهداف التنمية المحلية، و تلبية مطلب السكان التي وصفها بالمشروعة، لكن تحقيقها يحتاج إلى صبر و مزيد من الوقت و الجهد.