ما هو دور مخابر ومراكز ومؤسسات البحث العلمي على مستوى الجامعات في الجزائر، هل من دور محدد ومسطر يجب عليها القيام به؟، أيضا كيف هو واقع وحال وأداء هذه المخابر؟، وهل بالموازاة مع تزايد عددها الملحوظ كلّ عام، هناك تطور وجودة وإجادة في نوعية ما تقوم به وما تقدمه للحياة البحثية والعلمية والإنسانية والثقافية وغيرها من مجالات الحياة والعِلم والعلوم؟. ماذا أيضا عن سياسة البحث العلمي في هذه المخابر، هل واكبت وتيرة سياسات مخابر البحث المنتشرة في مختلف جامعات العالم، ووتيرة انتاجاتها المعرفيّة، أم ظلت أسيرة حيزها المحدود الّذي لا يذهب بعيدا في تطوير القطاع الخاص بالبحث العلمي والإنتاج المعرفي؟ حول هذا الشأن العلمي، وحول واقع ومشاكل المخابر البحثية في المؤسسات الجامعية وإشكالية الاستثمار في الرأسمال البشري والمعرفي، كان ملف عدد اليوم من "كراس الثقافة" مع مجموعة من الباحثين الأكاديميين. لطفي دهينة أستاذ وباحث في العلوم السياسية -جامعة الصالح بوبنيدر-قسنطينة03 تحتاج إلى انفتاح على المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية إنّ أي تقدم مجتمعي لابدّ أن يُصاحبه تطور معرفي وازدهار في البحث العلمي وحركة الاختراع والاكتشاف، ذلك ما يُحتم تطور الدور المنوط بالجامعة كونها القاطرة التي تقود البحث العلمي ولتنتقل من مجرّد البحث عن المعرفة والتدريس إلى الاسهام الحضاري في المجالات العلمية والتكنولوجية. إنّ الجزائر اليوم تحاول تطوير البحث العلمي من خلال وضع إطار هيكلي وقانوني يسهل إنشاء مراكز البحوث ويساعد على تطوير أدائها بما يساهم في تطوير البحث العلمي ولكن المتأمل لوضعيتها اليوم يلاحظ أنّها تعاني من تراجع كبير وهذا ما يتضح من خلال بعض المؤشرات التي أهمها عدم وجود استراتيجية واضحة للبحث العلمي، وكذلك ضعف العلاقة بين الجامعة وباقي قطاعات التنمية الأخرى، كما أنّ مؤشرات الإنفاق على البحث العلمي لاتزال بعيدة عن المعدلات العالمية التي تتصدرها الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، وحتى عن المعدلات العربية، إضافة إلى أنّ معدلات الأبحاث العلمية التي تنتجها الجامعات الجزائرية ومراكز البحث وعدد مرات الاستشهاد بها ضعيفة جدا مقارنة بدول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تحتل المرتبة الأولى أو دول عربية مثل مصر والأردن وغيرها. هذا إضافة إلى مؤشر لا يقل أهمية عن سابقيه ألا وهو عدد الباحثين الّذي لا يزال ضئيلا جدا رغم ارتفاع وتيرة إنشاء الهياكل العلمية -على غرار الجامعات ومراكز ومخابر البحث العلمي- إلاّ أنّ عدد الباحثين لم يرتفع بنفس الوتيرة وبقي دون المأمول، دون إهمال الحديث عن براءات الاختراع التي تعتبر مؤشرا هامًا على مدى تطور البحث العلمي والتي لاتزال بمعدلات منخفضة رغم وجود عديد الباحثين القادرين على الإبداع متى ما توفر لهم المناخ المُلائم لذلك. إنّ تحسين هذا الواقع لا يكون إلاّ بوجود إرادة سياسية جادة تمتلك مشروعًا حقيقيًا واستراتيجية واضحة المعالم تسعى إلى النهوض بهذا القطاع الهام وجعله يتبوأ مكانته الصحيحة التي يساهم من خلالها في دفع عجلة التنمية، ولابدّ أيضا من وضع الثقة في الخبرات الجزائرية وعدم الاكتفاء باستيراد التجارب الجاهزة من الخارج دون تكييفها مع واقع البحث العلمي في الجزائر، إضافة إلى ضرورة وضع العلماء والباحثين في المكانة التي يستحقونها وإعلاء شأنهم بما يُعزز ثقتهم وقدرتهم على الإبداع العلمي والتكنولوجي المطلوب، فالمعلوم أنّ الإنسان لا يبدع إلاّ إذا وجد المناخ المُناسب لذلك وتوفرت لديه الظروف الملائمة للتفكير المُبدع.إنّ مراكز البحث اليوم تعتبر جزءا لا يتجزأ من المجتمع، لذلك لابدّ أن يكون هناك الكثير من التفاعل الكبير والضروري معه، حيث أنّها تبحث في ما يعترضه من مشكلات وتحاول إيجاد الحلول الملائمة لها، كما أنّ المجتمع يفترض فيه تبني نتائج البحث العلمي والاستفادة من بحوثه، وبالتالي احتواء النوابغ والمبدعين وعدم التفريط فيهم وفقدانهم بهجرتهم للدول التي تولي اهتمامًا بالغًا للأدمغة المُبدعة وتستفيد منهم استفادة قصوى بِمَا يخدم العِلم والإنسانية عمومًا ومصالحها بشكلٍ خاص وهو ما يعتبر خسارة لبلدانهم الأصلية التي لم تستثمر فيهم وتولهم العناية اللازمة. إضافة إلى ذلك فإنّ الانفتاح على المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية سيساعد لا محالة على تشجيع الباحثين والمخترعين وتبني اختراعاتهم ويساعدهم على الابتكار والابداع وما يصاحب ذلك من عائد إيجابي على الطرفين، فالمطلوب هو توجيه النشاط البحثي بما يخدم متطلبات التنمية بمختلف أبعادها وتحديد المواضيع ذات الأهمية التي تتطلب المبادرة بها، إلاّ أنّ الأمر يستوجب توفير التمويل اللازم والمناخ الاقتصادي المناسب لذلك. محمد بن ساعو أستاذ وباحث أكاديمي، جامعة سطيف2 المخابر البحثية غائبة عن المشهد العلمي تتأتى أهمية مخابر البحث العلمي من كونها البيئة الحاضنة للمجهود البحثي الّذي يسعى للوصول إلى النتائج العلمية التي من شأنها الإسهام في معالجة الإشكاليات المُرتبطة أساسًا بالهدف الّذي وجدت لأجله، لذلك فإنّه يفترض أنّ مخابر ومراكز البحث يتم رسم سياستها وفقًا لرؤية مدروسة وبعيدة المدى، مع ضمان شروط نجاحها في القيام بالأدوار المنوطة بها. إنّ الحديث عن مخابر ومراكز البحث هو حديث عن فضاء يمكّن من جمع الكفاءات العلمية في أعمال بحثية مشتركة، بعيدا عن العمل الفردي الّذي قد لا يصل إلى معالجة دقيقة للمشكلات البحثية، فالعمل الجماعي يسهم في مقاربة مواضيع الدراسة من زوايا متعدّدة. ومن هذا المنظور لا يمكن إلاّ أن نؤكد على أهمية المخابر في تجسيد المعنى الحقيقي للبحث العلمي. في الجزائر التي تحصي عددا كبيرا من الجامعات ومراكز البحث المنتشرة في كلّ جهات البلاد، هناك شبه إجماع على أنّ المخابر البحثية التي تحتضنها هذه المؤسسات غائبة عن المشهد العلمي أو مغيبة عن صناعة البحث العلمي الرصين، وقد توالت في الأشهر الأخيرة تهديدات الوزارة بغلق المخابر التي دخلت في سبات عميق، ومع ذلك أطلت علينا –الوزارة- في بداية شهر أكتوبر 2018 بقائمة تضم 88 مخبر بحث جديد تمّ اعتمادها، ولنا أن نتخيل أنّ جامعة من بين الجامعات اعتمدت فيها سبعة مخابر جديدة في حين جامعات أخرى لم يعتمد فيها أي مخبر جديد، هذه المسألة تطرح العديد من التساؤلات حول المعايير التي يتم وفقها اعتماد المخابر، طبعًا لسنا نعترض على العدد بقدر ما نتساءل عن معايير منح الاعتمادات. ثمّ هل اعتماد هذا العدد الكبير من المخابر والّذي يُضاف إلى مئات المخابر (المسجلة) منذ سنوات رافقته سياسة علمية مُسطّرة تتوافق والوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد؟ وهل رصدت لأجل تسيير هذه المخابر ميزانيات محترمة؟. إنّ التمويل المادي للمخابر يحدد بنسبة كبيرة مستوى النشاط وقيمة الإنتاج أيضا، فلا يمكن انتظار نتائج مهمة من شأنها إحداث طفرة في مجال البحث العلمي بالجزائري بمخابر لا تملك إلاّ الاسم والختم، ثمّ كيف لمخبر أن يُطالب بحصيلة عمل وهو لا يملك «مقرا» يجتمع فيه أعضاؤه ولا حتى مجلة ينشر فيها حصيلة أنشطته العلمية؟ لا يمكن أن ننتظر الكثير من مراكز ومخابر البحث العلمي في ظل الوضع الراهن وفي ظل السياسة العرجاء التي يسير وفقها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، فالأستاذ الباحث اليوم يكتفي في الغالب بتقديم الحصص المُسندة له مع الطلبة مستقيلا من مهمته البحثية، والباحث الدائم يعتبر نفسه موظفًا إداريًا مُلزمًا بالدخول إلى مركز البحث والخروج منه في الوقت المُحّدد بغض النظر عن العمل المقدّم. هذه كلّها نتائج حتمية للسياسة الترقيعية التي عجزت عن رسم سياسة بحثية تخرج بالبحث العلمي من الرداءة. ثمّ إنّ المحيط الاقتصادي والاجتماعي بدوره أثّر سلبا على مردودية المخابر والمراكز العلمية، إذ أنّ نتائج الأبحاث موجهة بالأساس إلى التجسيد على أرض الواقع وليس البقاء حبيسة أدراج المكتبات، وعندما يكون الجو الاقتصادي غير محفّز ينعكس ذلك على جدوى البحث العلمي. لا يمكن تبرئة المخابر العلمية من تهمة الإفلاس العلمي، لكن في المقابل لا نحمّلها المسؤولية بمفردها، فهي إلى جانب معاناتها بسبب الظروف المادية والمشاكل التنظيمية، فإنّ محيطها الّذي تعتبر رقمًا مُهمًا في معادلته مثبط. وبالتالي فإنّ إعادة الاعتبار لها يحتاج إرادة حقيقية ومرافقة ناجعة، ولا بدّ من الانفتاح على المخابر العالمية والدخول معها في علاقات تعاون وتبادل تعود بالفائدة على مختلف الأطراف، ذلك أنّ الانغلاق الّذي تعيشه الجامعة الجزائرية ومراكز البحث ويعيشه الأستاذ الباحث ينذر بمستقبل غير مشرق. موسى بن قصير أستاذ وباحث أكاديمي -قسم العلوم السياسية، جامعةقسنطينة03 هناك حالة قطيعة بينها وبين المؤسسات الحاضنة و صانع القرار لقد شكل المُستقبل القريب والبعيد حجر الأساس في سياسات ونقاشات الكثير من حُكومات ونُخب العالم، المُتقدم والمُتخلف منها لما لهذه المسألة من أهمية بالغة على حاضر وتطور المجتمع والدولة في المستقبل، غير أنّ القليل منها من تستشرف أحداث ومجريات هذا الواقع بطريقة علمية وأكاديمية مبنية على البحث والتقصي بأسلوب علمي. إذ بقيت الدول المُتخلفة تعتمد على الطُرق التقليدية في صنع القرار ورسم السياسات الداخلية والخارجية، دون مرجعية علمية أو فلسفة أكاديمية تحليلية على غرار ما تفعله الدول المُتقدمة،التي جعلت من البحث العلمي حجر الأساس في رسم السياسات المستقبلية بما يمكن من تحقيق الصالح العام ويُمكن من ترشيد القرار ومخرجاته وتمكين مؤسسات الدولة من زيادة فاعليتها وهذا بالاعتماد على ما يُقدم من طرف الباحثين في مُختلف الجامعات التي يُفترض أن تكون المُحرك الأساسي والعصب الحيوي للمعرفة عبر ربط النُخب السياسية بالنُخب الأكاديمية عبر مخابر ومراكز البحث الجامعية، ولا يخفى علينا هنا مثال الدول العشر الأولى في العالم -النموذج الأمريكي 1828 مركزا بحثيا والصين 426 وبريطانيا ب287، الهند ب 268 وألمانيا ب 194 وفرنسا ب 177، الأرجنتين ب137 وروسيا ب 122 واليابان ب 108 وكندا ب 96 مركزا بحثيا معظمها يقع داخل الجامعات،وهو ما يُبين أهمية هذه المؤسسات في صناعة السياسات الداخلية والخارجية ومدى الاستثمار الجاد فيها نتيجة قيمتها العلمية والعملية في التفكير المستقبلي. تحوز الجزائر على عددٍ مُعتبر من الجامعات والمؤسسات التعليمية وكوادر أكاديمية مُهمة، وضمن هذه الجامعات تُوجد أُطر بحثية عديدة يصطلح عليها مخابر البحث تبدو من خلال شكلها وتسميتها أنّها عاكفة على إنتاج المعرفة وتقديم بحوث ودراسات في مُختلف التخصصات، العلمية، الاجتماعية والإنسانية يشرف عليها كِبار الأساتذة من ذوي الرُتب العالية. غيرأنّ المُتخصص ومن له دراية بعملها وتشكيلها سوف يقف موقف المُتأمل تارة والحائر تارة أخرى لِمَا يُقدم في إطارها، ولحالة القطيعة التي توجد بينها وبين المؤسسات الحاضنة لها،وبينها وبين مؤسسات الدولة في مختلف القطاعات، مِمَا يجعلنا نتساءل عن جدوى هذه المخابر والمؤسسات البحثية التي تُخصص لها أموال طائلة على حساب قطاعات أخرى، وما هو الدور الّذي تقوم به إذا لم تساهم في توجيه صانع القرار لرسم سياسات مستقبلية من خلال ما يقدمه المشتغلون بها من بحوث ودراسات؟. باستقراء الواقع العلمي والبحثي لهذه المخابر على مستوى الجامعات نجد بأنّ الكثير منها يستهلك ميزانيات مُعتبرة باسم البحث، لكن تغيب النتائج التي أُسست من أجلها هذه المخابر وذلك حسب تصوري الخاص مرده: أولا: أنّ هذه المخابر أُوجدت نظريًا وليس عمليًا،حتى وإن قدمت أبحاثا فغالبيتها هي بحوث نظرية وليست إبداعية لذلك لا تساهم بفعالية في إضافة شيء جديد لمنظومة المعارف المحلية والعالمية،ضِف إلى ذلك الأُطر القانونية المُعتمدة في تكوينها والتي تعتبر مُعرقلة أكثر من كونها مُحفزة،فهي غالبا ما تُركز على من يرأسها ويتولى إدارتها بمنطق فردي وليس جماعي، إذ أنّ الهرمية تطغى على العمل بدل روح الجماعة هذه الأخيرة التي تعتبر عنصر دافعية للباحثين الذين من المفترض أن يقدموا مساهماتهم العلمية ضمن إطار من الحرية يُعبر عن الرّوح العلمية. ثانيا: إنّ إدراك النُخب الحاكمة على اختلاف توجهاتها الفكرية والمعرفية والاجتماعية لمسائل البحث العلمي يقترب من اللامبالاة وعدم إيلاء أي أهمية لمخرجاته، إذ أنّ الغالبية من صُناع القرار تُركز على الكم مُقابل الكيف وتُعتبر الجامعة مجرّد مرحلة تعليمية يجب اجتيازها وكأنّهاسياسة سد الفراغ الاجتماعي وفقط لأنّ صُناع القرار لا يعتمدون على مراكز البحث والمخابر التي تؤسس سنويا تحت عنوان البحث العلمي من أجل الحصول على الاستشارة، وتقديم أبحاث علمية منتظمة من شأنها المساهمة في فهم الواقع وتقديم نتائج من شأنها استقراء المستقبل أكاديميًا وعلميًا وليس حسب الأهواء والميول الشخصية،ولهذا بقيت مخابر البحث تقوم في غالب الأحيان عندما تلزم بأبحاث روتينية لا تلقى أي اهتمام لا من الوسط الجامعي ذاته،ولا من طرف صُناع القرار في مختلف القطاعات،وإن وُجِد اهتمام فهو في غالبه شكلي يفتقد لأي إرادة عُليا، يعتمد على التسويق الإعلامي وتقديم صورة ناصعة عن سير هذه المؤسسات لكن الحقيقية تقول عكس ذلك. ثالثا:عدم الاهتمام بفكرة الاستشراف والتخطيط المستقبلي لدى جميع فواعل المجتمع، إذ أنّ منطق الاعتباطية والحلول الظرفية هو سيد المواقف في كلّ ما يعترض صُناع القرار من خلال التفكير في تقديم حلول للمشاكل المُستمرة أو إيجاد وضع جديد على حسب تصوراتهم الآنية،حيث تغيب النطرة المتوازنة والعقلانية في التعامل مع ما يعترض المجتمع من مشاكل وقضايا مستقبلية خاصة التي هي حساسة بالنسبة للدولة والأفراد على حد سواء،وهو ما تبرزه المستويات المتدنية من التقدم في قطاع البحث العلمي ذاته وفي القطاع الاقتصادي الّذي يعرف ضيقا في الأفق لأنّه من القطاعات التي تتطلب تخطيطا مستقبليا عالي المستوى والدقة إلى جانب قطاع التربية الّذي لن ترسو سفينة النهضة والتقدم في الدولة إلاّ بالتخطيط البنّاء والفعّال في المستقبل في ما يهم بناء الأجيال وطاقات المجتمع ككل.وكذلك ما يُعانيه القطاع التكنولوجي من غياب النظرة المستقبلية القائمة على دعامة البحث العلمي في مخابر الجامعات لأنّ المُلاحظ يدرك جيدا أنّنا مازالنا بعيدين عن عصر الثورة الرقمية، وما هو أخطر من ذلك أنّ قطاع التعليم العالي والبحث العلمي يسير بمنطق اعتباطي حيث يغيب الاهتمام بالتخطيط حوله، وإلاّ كيف نُفسر بقاء هذا القطاع يتخبط في مشاكله القديمة في ظل توفر كلّ الكفاءات العلمية التي من المفترض أن تقدم صورة مُعاكسة تمامًا لِمَا هو سائد، ومنه ليس من الحكمة أن ننتظر أن تسهم مخابر البحث في مختلف الجامعات بالشكل المطلوب الّذي يسمح بالتفكير حول المستقبل والتخطيط لبناء مجتمع متطور ونُخب واعية بأهمية البحث العلمي،ودولة قوية بفضل ما تُنتجه مخابر البحث التي أُوجدت لهذا الغرض ومنه القضاء على ذهنية التفكير في مشاكل المجتمع بأبحاث أُنتجت في جامعات أخرى لا علاقة لنا بها. فؤاد جدو باحث وأستاذ أكاديمي -جامعة بسكرة– قسم العلوم السياسية لا بدّ من تحفيز المخابر لتفعيل نشاطها وتغيير سياستها البحثية ومتابعة نتائجها تعتبر المؤسسة الجامعية من بين أهم المؤسسات التي تقوم عليها الدول بحكم الدور الّذي تلعبه في بناء المجتمع من عديد النواحي وعلى رأسها التعليم والتكوين والاستثمار في الرأسمال الاجتماعي والمعرفي الّذي يُعد المُحرك الأساسي في أي عملية تنموية، فالجزائر تمتلك مؤسسات جامعية على مستويات مختلفة في كافة ربوع الوطن فلا تخلو ولاية من جامعة أو مركز جامعي وهذا يدل على حركية التطوير العملي البحثي والتكوين في المستوى العالي كما تقوم الجامعة أيضا بدور لا يقل أهمية ألا وهو البحث العلمي الّذي يُعد الاطار الأنسب لإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في محيطها ككل وهنا تكمن الإشكالية الرئيسية في ماهية العلاقة ما بين المراكز البحثية في الجامعات والمشاكل الموجودة في المحيط الاقتصادي والاجتماعي؟ بمعني هل لهذه المخابر ومراكز البحث دور في الحركة التنموية ككل أم أنّ العلاقة ثابتة من حيث مخرجات المخابر في حدود جدرانها؟ فالمخابر في الجزائر تنقسم إلى نوعين منها ما هو يتبع الأقسام العلمية والرياضية والتكنولوجية ومنها ما يتبع العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتختلف هنا أهداف المخابر البحثية من حيث العمل المنوط بها وهنا تتباين الخُطط، لكن المُلاحظ في الجامعات الجزائرية أنّ عدد المخابر لا يعكس العلاقة الفعلية ما بين الجامعة والمحيط الاجتماعي والاقتصادي في ظل المشكلات التي تطرأ على المجتمع ككل بشكل مستمر فيمكن تشخيص هذه العلاقة في النقاط التالية: أولا: من حيث النشاط العلمي فالمخابر ترتبط ببرنامج عملي وعلمي يقوم على تنظيم ندوات وأيّام علمية وملتقيات تُعالج المشكلات المجتمعية والاقتصادية وحسب اختصاص المخبر أيضا وغالبا ما تنتهي مخرجات هذه الأيّام الدراسية والملتقيات العلمية بتوصيات تبقى في إطار هذه المخابر رغم محاولات هذه المخابر ربط دورها من خلال دعوة الأطراف الأخرى مثل المؤسسات الأمنية للمشاركة برأيها والاستفادة بدورها من تجربة هذه المؤسسات وأنّ العلاقة يمكن اعتبارها تعدت علاقة توصيات إلى المشاركة إلاّ أنّها غير كافية اتجاه المشاكل العديدة التي يعيشها المجتمع وهذا طبعا يدخل في إطار تكوين الرأسمال المعرفي. ثانيا: تقوم المخابر بعملية تكوين داخلي خاصة طلبة الدكتوراه والتخصصات الأخرى من خلال عقد دورات تكوينية لفائدة هذه الشريحة والتي تدخل في عملية تكوين الرأسمال البشري الّذي يُعد قيمة فعّالة في العملية البحثية والتكوينية ككل إلى جانب إصدار المجلات العلمية. ثالثا: من الجانب الآخر نجد أنّ هذه المخابر ذات طابع علمي واقتصادي لا يستثمر فيها القطاع الخاص من خلال الاستعانة به لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والمجتمعية التي يتخبط فيها المجتمع ككل سواء تعلق الأمر بمشاكل تسويق أو تحسين الإنتاج أو إيجاد حلول ابتكارية والتي تبقى دائما داخل هذه المخابر. ويمكنأن نُلخص أنّ التعاون بين المخابر والمحيط الاقتصادي والاجتماعي يجب أن يكون بشكلٍ محتوم وإلزامي في ظل غياب هيكل قانوني ينظم العلاقة ما بين المخابر والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية حتى تتمكن من تعزيز التعاون المتبادل الّذي يجب أن يدخل في الحتمية. لا بدّ من تحفيز هذه المخابر لتفعيل نشاطها وتغيير سياستها البحثية حتى تنفتح وتبادر إلى مختلف المؤسسات واستثنائها من أي سياسة تقشف وإعادة هيكلة أسسها التي تقوم عليها لتصبح أكثر إنتاجية من خلال خلق آليات تنسيق ومتابعة النتائج البحثية لهذه المخابر.