«هناك دور سلبي مشترك بين السياسيين والباحثين، من جهة نتائج البحوث العلمية المنتجة بمراكز البحث تهمش من طرف صناع القرار، ومن جهة أخرى المشكل يكمن في الباحثين لأن الكثير منهم ينجزون بحوثا لا ترتبط أساسا بمشاكل واقعية المجتمع بحاجة إلى حلها، وفي أغلب الأحيان تكون نتائج هذه البحوث ضعيفة. هذا الواقع لا يجب التهرب منه، لأنه رغم الأموال الموجهة لمشاريع البحث العلمي إلا أن الأساتذة القائمين على هذه البحوث لا يتقيدون بمعايير الجودة ولا يتابعون هذه النشاطات البحثية بشكل جاد. من هذا المنطلق يمكن القول أن مشكلة البحث العلمي في الجزائر يشترك فيها السياسي والباحث على حد السواء، والملاحظ أن الاتجاه الغالب هو تغليب الكم على حساب النوع، بمعنى أننا نسجل أكبر عدد من العناوين البحثية لكن أغلبها لا يمكن الاستفادة منه، وبالتالي فإن مصير هذه البحوث غالبا هو ملء رفوف المكتبات لا غير". « أولا لابد من التأكيد أنه ينبغي لكل جامعة الاهتمام بالمشاكل المحلية المطروحة في المجتمع، لكن ما نسجله هو أن الكثير من المشاكل الاجتماعية في الدول العربية لا يبالي بها الباحث، وهذا ما يعني أن البحث يقتصر على الشك النظري المجرد من الواقع، ما يجعلنا أمام حالة انفصال بين البحث العلمي الأكاديمي والمجتمع الذي أصبح لا يثق في الجامعة العاجزة عن تقديم حلول واقعية ملموسة، عكس ما هو مسجل في الدول الغربية التي تتنافس فيها الجامعات على تقديم حلول للمشاكل المطروحة، إلى جانب اهتمام السلطات بهذه البحوث، ولعل هذا ما يفسر استمرار ظاهرة هجرة الأدمغة. لذا ينبغي علينا تحسيس الباحثين والمؤسسات الممثلة للدولة، كالبلديات والشركات الخاصة، بضرورة الاستعانة بالباحثين لحل المشاكل المطروحة، لنعيد بذلك للبحث العلي قيمته في المجتمع". «أنا شخصيا لا أرى أن مشكلة البحث العلمي في الجزائر ترتبط بالجانب المادي، لأن الدولة تعمل على توفير الإطار المناسب للباحث وتشجيع الباحثين، وأكبر دليل على ذلك هو العدد الكبير لمخابر البحث بجميع المؤسسات الجامعية المقدرة بألف مخبر على المستوى الوطني، وترصد لهذه المخابر ميزانيات وامكانيات كبيرة دون نسيان البرنامج الوطني للبحث الذي يضم عددا كبيرا من مشاريع البحث. ولكن ما ينقص الإجراءات التي ينبغي تفعيلها وتطبيقها للارتقاء بالبحث العلمي وجعله يعالج المشاكل المطروحة في الواقع المعيشي، ونحاول من خلال هذا الملتقى التركيز على مدى مساهمة البحث العلمي في حل مشكلات المجتمع التي نريد تحديدها، قصد معالجتها وفقا لمنهج علمي يسمح بإيجاد حلول واقعية". نحن أمام متطلب البحث عن مشاكل البحث العلمي في الجامعة الجزائرية، وتوسعها من حيث المؤسسات والهياكل والتخصصات، لكن يبقى إشكال أن هناك انفصالا بين ما تقدمه الجامعة كمنتوج للبحث العلمي، وبين ما تستفيد منه المؤسسات في المجتمع، خاصة في العلوم الاجتماعية. نحن كمختصين في العلوم الاجتماعية درسنا جميع الظواهر الاجتماعية، وحتى المواضيع التي تصنف كطابوهات في المجتمع، والتي تشير إلى اختلال منظومة القيم في المجتمع، لكن ما نتوصل إليه من نتائج في جهة والتطبيق في جهة أخرى.. لأن مسؤولية القرار ليس بأيدينا، إذ هي من مهام مراكز البحث وأصحاب القرار، لكن إذا كان هناك تعاون فيمكننا أن نخفف من هذا الإشكال المطروح. وبالنسبة للمشاكل فهناك من يتكلم عن التموين والجانب السياسي والإداري، لكن في الحقيقة هناك إشكال آخر هو البحث في حد ذاته، كموضوعية الباحث وجديته والتكوين العلمي له. الملتقى يعالج مسألة مهمة في واقعنا جديرة أن نولي لها اهتماما كبيرا، مرده تلك المفارقة الموجودة بين ما يعيشه العالم الغربي بربط واقعه العلمي البحثي، لأن النخبة هي التي تقود المجتمع، بينما في بلدان العالم المتخلف مثلنا المجتمع هو من يقود النخبة، وهذه مفارقة عجيبة. النخبة لا ينبغي أن لا تقصى من مجال تسيير وترشيد وإصلاح ما هو عليه المجتمع، نحن نطالب جميع الذين بإمكانهم أن يصححوا هذا المسار الخاطئ. البحث العلمي اليوم ينبغي أن يلعب دوره في ترشيد الوعي الاجتماعي الذي خرج عن مساره في جميع القطاعات، وينبغي أيضا أن ننظر إلى ما وصلت إليه المجتمعات الراقية في هذا المجال، كاليابان الذي يوجد عندهم 5500 باحث لكل مليون ساكن، وفرنسا والولايات المتحدة لديهم 4200 باحث، وتونس لديها 2200 باحث لكل مليون ساكن، أما عندنا نحن فيوجد 600 باحث لكل مليون، وهذا ضعيف جدا، رغم ما تملك الدولة وما تموله، إلا انه هناك عقبات كثيرة يجب إصلاحها وحلقات مفقودة بين النسق السياسي والنسق المعرفي العلمي في بلادنا.