حامة بوزيان تودّع هديل في أجواء حزينة شيّعت ظهر أمس في جو مهيب، الطفلة هديل شداح، ذات الست سنوات، إلى مثواها الأخير بمقبرة حي زويتنة ببلدية حامة بوزيان في ولاية قسنطينة، وسط حضور جماهيري كبير، لتنضم إلى القائمة الطويلة لضحايا إرهاب الطرقات ببلادنا . يذكر أن الطفلة قضت أمس الأول بعد أن دهستها حافلة لنقل المسافرين أمام مدرستها. أسماء بوقرن النصر تنقلت إلى منزل الصغيرة هديل و تحدثت إلى والدتها و أختها و معلمتها و بعض قريباتها، و نقلت تفاصيل الفاجعة، و آخر ما قالته لذويها قبل الرحيل . وسط جو جنائزي مهيب و جمع غفير من المواطنين، و بحضور السلطات المحلية، تم تشييع جنازة الطفلة البريئة، فعجت المقبرة بجموع المعزين الذين قدموا من كل حدب و صوب، لمواساة والدها المفجوع الذي لم يتوقف عن البكاء طيلة مراسيم الدفن . زرنا عائلة شداح المتكونة من الأب و الأم و ثلاث بنات هن سارة و مريم و هديل و ولد اسمه محمد، في شقتها المتواجد بالطابق الثاني في عمارة بحي الشاوي، حيث وجدنا جمعا غفيرا من النساء أمام العمارة ، لأن السلالم و الشقة مكتظة بجموع المعزين، فيما وجدنا أختها تطل من الشرفة و هي تبكي بحرقة على فراق أختها التي تصغرها سنا، مصوبة نظراتها إلى المسجد المجاور، أين تمت الصلاة على جثمان أختها ، كما برز الحزن في وجوه أقاربها و بنات خالاتها اللائي بكين أيضا بحرقة على فراق الصغيرة هديل ذات الست سنوات ، التلميذة بالسنة أولى ابتدائي، فتحدثن عن الفاجعة التي ألمت بالعائلة و سردن تفاصيل الحادث. والدة الطفلة هديل ابنتي أطعمتني من لمجتها قبيل وفاتها و هذا آخر ما قالته لي.. أم هديل تلقت خبر دهس ابنتها عندما كانت بصدد حضور جنازة عمها القاطن بالقرب من مستوصف حامة بوزيان الذي نقلت إليه الطفلة هديل، قبيل مفارقتها للحياة، وجدناها في حالة يرثى لها ، كانت عيناها منتفختان و محمرتان من شدة البكاء و تحرك رأسها يمينا و شمالا، فروت للنصر الساعات الأخيرة التي قضتها رفقة ابنتها هديل « ابنتي استيقظت باكرا يوم الحادث لتتم حفظ سورة الفلق، و كانت منهكة ، بعد ذلك ارتدت ملابسها و صففت شعرها، لأنها تحب القيام بذلك بمفردها، ثم اصطحبها والدها إلى المدرسة، بينما قمت أنا بمرافقة ابني الصغير إلى الروضة، ثم ذهبت إلى عملي بمكتب البريد . جاءت هديل إلى المكتب في الساعة الحادية عشرة صباحا و أخرجت لمجتها و هي عبارة عن بيضة ، قمت بقشرها بنفسي و إعطائها لها ، غير أنها رفضت تناولها كاملة و وضعت جزءا منها في فمي، ثم رافقتها هي و صديقتها رنيم إلى المدرسة، و بعد أن دخلت المدرسة استدارت نحوي و قالت « باي باي ماما» ، ثم ذهبت إلى جنازة عمي، و هناك بلغني تعرضها لحادث مرور». " باي باي ماما " آخر ما سمعته من ابنتي هديل الوالدة المفجوعة عادت بذاكرتها إلى اليومين اللذين سبقا وفاة هديل ، و قالت بأن ابنتها طرحت عليها مجموعة من الأسئلة حول الموت ، حيث سألتها في البداية» ماما كيف يموتون؟» ، فأجابتها « لا أعلم» ، و واصلت الصغيرة « والدك كيف توفي؟» فأجابتها « توفي بعد نقله إلى المستشفى» فردت « لا نموت حتى نذهب إلى المستشفى ؟» ، بعدها طرحت سؤال آخر « أمي هل تعذبت عندما كنت في بطنك؟» فأجابتها «لا لم تعذبينني بتاتا». و ذكرت الأم للنصر خصال هديل «ابنتي هادئة جدا و مهذبة تحب القيام بواجباتها بنفسها ، و تعتمد على نفسها في ارتداء ملابسها و تصفيف شعرها»، و أجهشت بالبكاء .. و قالت سارة ، أخت هديل ، التي تدرس بالسنة أولى متوسط ، و التي وجدناها تبكي بشرفة المنزل، بأن الفقيدة هادئة جدا و تحب اللعب و الدراسة، مؤكدة بأنها لا تكاد تصدق بأن أختها فارقت الحياة ، و غلبتها دموعها ، فصمتت. حاولت حمايتها...لكن رنيم هي الصديقة المقربة للطفلة هديل كانت ترافقها أينما حلت، كما كانت جارتها، روت للنصر تفاصيل الفاجعة و آثار الصدمة بادية على محياها ، « خرجنا من المدرسة عند الساعة الثانية و النصف بعد الظهر، كنت رفقة هديل ممسكة بيدها كالعادة، و كنا متجهتين صوب مكتب البريد الذي يقع قبالة المدرسة، لأن أمي تعمل هناك، كما أن والد و والدة هديل يعملان هناك، شاهدت الحافلة قادمة، فطلبت من هديل التريث لحين مرورها، غير أنها كانت مصرة على قطع الطريق.. حاولت منعها مرارا بجذبها من يدها، إلا أنها أبعدت يدي بقوة ، فسقطت على الأرض، فيما تعثر قدم هديل، ما تسبب في ارتطامها بالحافلة، و لم أشاهدها بعد ذلك، لأنها كانت تحت الحافلة، أجهشت بالبكاء و ركضت صوب مكتب البريد و أنا أصرخ و أنادي أمي لتنقذ صديقتي ، لا أدري ماذا حدث بالضبط بعد ذلك، لأن الفوضى عمت المكان و صراخ والدتي هز أرجاء الحي عندما رأت صديقتي العزيزة هديل و ابنة صديقة أمي المقربة، تحت الحافلة و هي تسبح في بركة من الدماء». و أكدت بأنها تعتبر الفقيدة بمثابة أخت لها و بأنها كانت خلوقة و مجتهدة و تحب الدراسة . رأيت هديل تحت الحافلة و هي تنزف دما صديقة أم هديل المقربة و والدة رنيم، التي وجدناها تواسي صديقتها إثر هذا المصاب الجلل و تحاول أن تهدئ من روعها و تمسح الدموع المنهمرة على خديها، تحدثت أيضا للنصر عن يوم الفاجعة، كونها كانت تعمل بمكتب البريد المقابل لابتدائية عميور محمد، فقالت بأنها كانت منهمكة في العمل، عندما سمعت صوت ابنتها رنيم و هي تصرخ و تنادي أمها قبل أن تصل إليها، مضيفة» شعرت بصدمة كبيرة و ظننت أن مكروها ما أصابها و قمت من مكاني مسرعة لأجد ابنتي قادمة نحوي و هي تبكي و جذبتني من يدي و هي تكرر هديل دهستها حافلة ، و عندما وصلت إلى مكان الحادث وجدت هديل تحت الحافلة و جمع غفير من المارة ملتفين حولها ، فلم أتمالك نفسي و صرخت بأعلى صوتي، و لم أتمكن حتى من النظر إليها، الفاجعة ألمت بنا جميعا، و لحد الساعة لا أصدق بأن الملاك هديل الهادئة الذكية، قد فارقتنا «. معلمة الراحلة هديل الأولى بالصف و هذا آخر ما قامت به في القسم.. معلمة الطفلة هديل، نجاة بالليف التي بدت جد متأثرة بما حدث، و لم تتوقف عن ذرف الدموع طيلة مدة تواجدها ببيت عائلة شداح، روت لنا اللحظات الأخيرة التي قضتها هديل في القسم « إنها الأولى التي انتهت من كتابة الدرس و كانت تنتظر الجرس ليدق لتغادر المدرسة، فطلبت منها أن تساعد أحد زملائها في كتابة ما تبقى له من الدرس، لكونها تلميذة سريعة الكتابة و خطها جميل جدا و مفهوم . بعد ذلك غادرت المدرسة رفقة زميلتها ، بينما كنت أنا منهمكة في الحديث مع زميلاتي، و وصلني بعد دقائق خبر دهسها ، فلم أتمالك نفسي و ركضت صوب مكان الحادث و لم أجد هديل، ليتم إخباري بأنها تحت الحافلة.. رأيتها و هي ممددة وسط بركة من الدماء، فأصبت بصدمة كبيرة «. عن خصالها أكدت المتحدثة « كانت تلميذة ذكية جدا و ممتازة ، فهي الأولى في القسم و أعتبر كراريسها نموذجا يحتذى به، كانت تكتب بخط جيد و منظمة، كما كانت نشيطة و تضفى جوا خاصا على القسم بالمشاركة الدائمة و خفة دمها « و أضافت « صورتها و هي تحت الحافلة، لا تزال في مخيلتي و ابتسامتها الجميلة مرسومة بين عيني ، هي بنت لا تُنسى».