ليس معول هدم بل بقدر ما يتجه المجتمع من خلال مؤسساته الاجتماعية ومنظومته التشريعية إلى الارتقاء بمكانة المرأة وحفظ الأسرة تحقيقا للعدالة والاستقرار، والتعاون و العيش المشترك بين الزوجين في كنف المودة والرحمة، بقدر ما يكشف الواقع عن الاجتماعي عن ظواهر سلبية قد تصل حد المآسي تهدد استقرار الأسرة في مداها المتوسط والبعيد. إعداد: د .عبد الرحمان خلفة وتنسف عراها التي يتشكل منها المجتمع، وبدل أن تغدو الحقوق المكتسبة للزوج أو الزوجة عامل رقي وتمتين للروابط الأسرية، تتحول إلى معاول هدم ينخر بنيان الأسرة من أساسه، حين يظهر التعسف في استعمالها أو يغفل هذا الطرف أو ذاك عن النظرة الكلية بعيدة المدى لمكوناته البشرية و ابعادها الاجتماعية و التربوية ؛ لأن تفكك الأسرة لا يعني فقط فك ارتباط بين شخصين استحالت العشرة بينهما؛ بل يعني بالأساس تدمير مؤسسة كبيرة تشمل الزوجين والأبناء والآباء، والأصهار، الأمر الذي ينعكس سلبا بعدئذ على الواقع الاجتماعي الذي تتفشى فيه مظاهر التشرد والبؤس والتسرب المدرسي والرذيلة، ما يستدعي تشخيص عوامل هذه الظواهر المتنامية و وصف العلاج لها قبل استفحالها، لاسيما وأن وزيرة التضامن كشفت عن تسجيل أكثر من 65 ألف حالة طلاق بالجزائر خلال سنة واحدة، 48.6 % بإرادة منفردة، و15 % بالتراضي، و19.8 % (13 ألفا) بالخلع، و16 % تطليقا، الجزائر العاشرة عربيا و78 دوليا، وفي هذه الصفحة عرض لآراء بعض الفقهاء حول الظاهرة وبعض أسبابها وبعض سبل معالجتها. ع/خ الخلع إنصاف للمرأة أم إعصار يهزّ الأسر؟ شرع الزواج لإنشاء أسرة تقوم على المحبة والمودة والرحمة، وحسن العشرة وأداء كل واحد من الزوجين ما عليه من حقوق، فإن حصل تقصير من أحدهما فالإسلام يوصي بالصبر وشرع من الوسائل الحكيمة ما تعالج بها المشاكل الأسرية، وما يدفع الفرقة، لكن إذا اشتد الشقاق بين الزوجين وتعذر الإصلاح بينهما، فمن حكمة الإسلام ورحمته أن رخّص في الفراق بينهما دفعاً للضرر، فإن كانت الكراهية من جهة الزوج فبيده الطلاق وهو حق من حقوقه له أن يستعمله في حدود ما شرع الله له، وإن كانت الكراهية من جهة الزوجة فلها أن تطلب الخلع، وهو حق من حقوقها لها أن تطلبه في حدود ما شرع الله لها، فقد أحل الله الطلاق والخلع لتحقيق التوازن بين الزوجين فلم يحرم أيا منهما الحق في إنهاء الحياة الزوجية غير المتوافقة، بالطلاق أو الخلع فكلاهما شرع لعلاج مشكلات يتعذر معها التوافق بين الزوجين وكلاهما نظام عادل في إطار الهدف من الزواج. وقد أباح الله للمرأة حق طلب الخلع والالتزام بتبعاته كاملة، فللزوجة الحق في مخالعة زوجها وافتداء نفسها مقابل الطلاق وقد ورد به النص القرآني الكريم: ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) .ثم جاءت السنة النبوية الكريمة لتنزيل الحكم القرآني منزلته العملية، وذلك في حديث امرأة ثابت ابن قيس، وهو أصل الخلع في السنة والذي أجمع عليه جمهور الفقهاء، وإن جعل الشرع للزوجة في الخلع طوق نجاة من زواجها الذي ترى أنّه لم يؤدِ الغرض المطلوب منه، والقصد المشروع له، إذ من غير المعقول ولا المقبول أن تشعر المرأة بالنفور والكراهية اتجاه زوجها، ثم تجبَر على الاستمرار معه، وهي حياةٌ لا خير فيها لا للزوجين ولا للمجتمع من حولهما، إلا أنه مع ذلك اشترط لإباحة طلب المرأة للخلع أن تتوفّر إحدى موجباته، منها: إذا كرهت المرأة زوجها لسببٍ ما، كسوء عشرته، أو سوء خلقه، أو خشيت إن بقيت معه أن لا تستطيع القيام بحقوقه الشرعية المطلوبة منها، مما يؤدي إلى ترتب الإثم والذنب عليها، أو لسوء دينه ، أو لنقص عفّته وتركه لزوجته، فإذا لم تستطع المرأة تقويم زوجها بطريقةٍ ما، فإنّ عليها أن تسعى لمفارقته، كما يشترط التراضي والقبول بين الزوجين،و أن يكون الخلع على مالٍ يصحّ فيه التملك، .أمّا إذا لم يكن هناك أسباب داعية لذلك فلا يجب عليها أن تختلع، فالأصل عدم جواز طلب المرأة للانفصال إلا لعذر يقتضي ذلك، نساء يتجرأن على الخلع لأن حق السكن والحضانة مكفولان ولكن ما يلاحظ على الساحة اليوم، أن الخلع عرف مؤخرا ارتفاعا ملموسا ليتحول بذلك من قضية إلى ظاهرة خطيرة، فبعد أن كان استثناء لا يعمل به إلا نادرا، أصبح اليوم وسيلة تتخذها المرأة للانتقام وتهديد الزوج المتسلط أكثر منه كثمن لحريتها. وقد جاء القانون ليزيد تفاقم هذه الظاهرة، وذلك عندما أخذ المشرع الجزائري بالتعديل الأخير لقانون الأسرة من خلال الامر05/02 حيث جاء في م54 منه بأن الخلع عقد معاوضة بين الزوجين شرع لمصلحة الزوجة لغرض إنهاء الحياة الزوجية وبإرادتها المنفردة ودون موافقة الزوج مقابل عوض أو مبلغ من المال تقدمه لزوجها. وهو بهذا تأرجح في تكييف الخلع بين الرخصة والحق، وذلك أنه بعدما نص على أنه يأخذ حكم الرخصة الممنوحة للزوجة والتي لا يمكن لها اللجوء إليها إلا في حال موافقة الزوج، تحول بعد ذلك إلى اعتباره حقا أصيلا للزوجة، لها اللجوء إليه في أي وقت شاءت دون قيد أو شرط، فالقانون المعدل أطلق يد المرأة في الخلع حيث أصبح الخلع قرارا تتخذه الزوجة دون موافقة الزوج، وهو ما ينافي ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الذين يعتبرون رضا الزوج شرطا من شروط الخلع، كما أن الامتيازات التي أعطتها للمرأة بعد الطلاق مثل الحصول على النفقة الشهرية، ودفع إيجار السكن من قبل الزوج المخلوع، ومن ذلك تعديل المادة التي تنص على السكن، إذ جعلت من سكن الحاضنة حقا مطلقا لا شروط ولا قيود له،كلها أمور شجعت النساء على طلب الخلع والتمادي في استعماله، مع أنه يبقى علاجا وحلا لا يجب الرجوع إليه دائما، وكان على هذا القانون أن يزيل الغموض عن المادة بتحديد شروط الخلع سواء تلك الشروط المتعلقة بالزوج أو الزوجة، وكذا نوع العوض ومقداره و ما يصح أن يكون عوضا وما لا يصح، وبيان الآثار المترتبة عن الخلع، وغيرها من التفاصيل. وهنا يمكننا أن نتساءل هل استطاع القانون حقيقة بهكذا خلع إنصاف المرأة أم أنه جعل الحياة الأسرية ضحية لهذا الحق، وبذلك يتحول الخلع إلى إعصار يفتك بالحياة الزوجية؟ ولهذا فإنه من المحزن أن نرى اليوم المحاكم الجزائرية وهي تعج بقضايا الخلع لأسباب كثيرة منها التافهة ومنها الوجيهة، والضحية هم الأبناء، الأمر الذي يستدعي الإسراع في مراجعة هذا القانون وتعديله لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، لما ينتج عنها من تفكك آلاف الأسر. من مظاهر التكريم الإلهي للمرأة لقد أكرم الله تعالى المرأة كما أكرم الرجل بكل أنواع التكريم، وحفظ حقوقها كإنسان له مشاعره، واحترامه. قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىكَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)). فالله خالق المرأة كرمها جنينا، ومولودة ، ورضيعة، وبنتا، واختا، و زوجة، و عمة، و خالة، وجدة. ولكن للأسف الشديد -نقولها امتعاضا- : تبقى المرأة بالنسبة لبعض من ينتسبون إلى هذا الدين اسما متهمة إلى أن تثبت براءتها. ويوعز أعداء المرأة من أنصار الذكورية في المجتمعات العربية والإسلامية كل مشكل، ومنكر إلى المرأة جزافا حتى الجنين لم يسلم من نكايتهم؛ فلو تعسرت ولادة امرأة يتهمون الجنين بأنه أنثى. وإن لم يوفق زواج بين رجل، وامرأته، يتهمونها – والتهمة جاهزة - بأنها السبب؛ فقد كانت شؤما على بيت العائلة، وفجرته تفجيرا. ونسبوا إليها كل ما يحصل من كوارث، ومصائب سواء كانت آدمية، أو بيئية، أو مناخية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادي. قد فسّر العلماء حكمة زواج الرجل، وتمتعه بالمرأة لإنجاب الطفل، وحفظ النسل، ومن ثمّ ضمان استمرار السلالة فوجبت عليها الطاعة، ولم تجب عليها الخدمة. وبناءً عليه أجازوا لها ما لم تُجزهُ أية شريعةٍ أخرى في العالم سماوية إلهية كانت أو وضعيةً بشرية أن تشترط لنفسها في عقد الزواج ثلاثة شروط، وهي: توفير السكن الشرعي المستقل، وتوفير الدابة بمسمياتها كالسيارة، والمركبة. ومن ثمّ توفير الخادمة لتقوم بخدمة الزوجين: كتربية الأطفال، وتجهيز الطعام، وأعمال النظافة، وترتيب، وتنظيم، وإدارة شؤون المنزل... إلخ. ولكن وبالنظر إلى الواقع المعيشي – والواقع شرطٌ من شروط الفتوى – أجاز العلماء بل أوجبوا على الزوجة أحيانًا التنازل عن بعض شروطها لضمان زواجها؛ عملاً بقواعد شرعية منها: قاعدة عدم إنكار تغير الأحكام بتغير الأزمان. وقاعدة: درء المفسدةُ أوْلى من جلب المنفعة. بمعنى درءُ مفسدة عنوستها أوْلى من منفعةِ التمسّك بشرطها. هذه أسباب تنامي الظاهرة ولابد من وجود وسيط قضائي تعاني الأسرة الجزائرية من عدة مشاكل وخاصة مشكلة الطلاق، التي سجلت في السنوات الأخيرة معدلات جد مرتفعة، جعلت الجزائر تحتل المراتب المتقدمة عربيا ودوليا وهذا يعود لعدة أسباب منها: 1 / عدم نضج الشباب المقبل على الزواج 2/الذهنيات الخاطئة للزوجين عن الأسرة والزواج بتماديهم في الأحلام الوردية وتقليدهم للأفلام العاطفية فيسقطون عند أول مشكل اسري . 3_الاستقلالية المادية للمرأة التي باتت تعتقد أنها قادرة على تسيير حياتها ورعاية أبنائها دون الحاجة إلى الرجل 4/معظم جلسات الصلح بالمحاكم شكلية لتسريع الطلاق 5/عدم التوافق الجنسي بين الزوجين وانعدام الحوار بينهما 6/افتقار الأسرة الجزائرية لأساليب الحوار وأدوات الاتصال السليمة 7/ العشرية السوداء أدت إلى تفكك الأسرة، فأخرجت لنا جيلا لم يتربى في أحضان العائلة، وهو جيل اليوم الذي يتزوج ويطلق بسرعة 8/غياب المسؤولية الأسرية لدى بعض الأزواج لهذه الأسباب وغيرها أصبح من الضروري البحث عن وسائل أخرى ناجحة في حل النزاعات الأسرية وتطوير مسألة الصلح، لما يحققه هذا الأخير من توازن مادي ومعنوي للمرأة والأطفال ويضمن المحافظة على استقرار الأسرة وتماسكها وعدم تفككها، وهذا لا يتم إلا بالوساطة الأسرية التي تعتبر إحدى الطرق البديلة لفض المنازعات المتعلقة بالأسرة و من أجل الحصول على حل ودي يحسم النزاع الأسري، والوساطة التي نقصدها؛ هي التي تمارس بإشراف من القضاء وتوجيه منه، وتتطلب بالضرورة وجود نزاع معروض أمام هذا الأخير، وفي هذا الإطار نميز بين حالتين أو نوعين من الوساطة الأسرية القضائية، فهي إما أن تباشر من طرف قاض من القضاة المكلفين بقضايا الوساطة وهو القاضي الوسيط، وإما أن يقوم بها وسيط محترف تعينه المحكمة المعروض عليها النزاع من ضمن قائمة الوسطاء المعتمدين لديها، والذي يكون في غالب الأمر من ذوي الخبرة في الميدان القانوني كإمام متقاعد أو قاض متقاعد أو محام أو خبير ويمكن أن يكون الوسيط مؤسسة مختصة في الوساطة كمكتب للدراسات والاستشارات القانونية أو جمعية مهنية أو شركات متخصصة في الوساطة الأسرية، كما هو جاري به العمل في كثير من الدول.