الخلع... كابوس أصبح يهدد تماسك العائلات الجزائرية في الآونة الاخيرة، بدليل تزايد عدد حالاته من سنة لأخرى، وهو ما جعل قاعات المحاكم تعج بطالبيه للتخلص من الرابطة الزوجية والولوج إلى عالم الحرية والتخلص من كل قيد. هن نسوة تتفاوت أعمارهن وتتعدد وتختلف أسبابهن لكنهن اجتمعن على طلب واحد وهو الطلاق بالخلع، حيث سجلت المحاكم الجزائرية تزايدا مخيفا في عدد حالات الخلع بالجزائر في السنوات الأخيرة. وتشير إحصائيات وزارة العدل الجزائرية إلى أن هناك نحو 20000 حالة خلع في سنة 2013، بينما كان العدد لا يتعدى خلال سنوات التسعينيات وما قبلها العشر، إحصائيات تنذر بوجود خطر داهم يفكك العائلات الجزائرية بعد تماسكها، فيتحول هنا الخلع من النعمة التي أقرها الإسلام كوسيلة ومخرجا لتحرر الزوجة من زوجها الظالم، العنيف، الخائن، العاجز، السكير، المقصر في حق عائلته وزوجته.... إلى نقمة وأحيانا الى وسيلة للابتزاز من طرف الزوجة اتجاه زوجها. قانون الأسرة سنة 2005 أسقط شرط موافقة الرجل على الخلع يأتي هذا خاصة بعد تعديل قانون الأسرة سنة 2005 الذي أسقط فيه شرط موافقة الرجل على الخلع، وأن المرأة تستطيع أن تخلع نفسها بنفسها، وهو القانون الذي يسر على المرأة فك الرابطة الزوجية متى شاءت مقابل مبلغ مالي معين، خاصة وأن هذه الأخيرة ليست مضطرة لاثبات ضررا بدليل ملموس، على عكس التطليق الذي يجب أن تثبت فيه الزوجة الضرر بدليل واضح وملموس، لذا تجد مجموع النساء الراغبات في الطلاق واللاتي يجدن فيه تعنت الرجل ورفضه لفك الرابطة الزوجية، يذهبن مباشرة للخلع لسهولة إجراءاته. فالبرغم من سعي القاضي الجزائري دائما لإقامة الصلح بين الزوجين في العديد من الجلسات المتوالية والتي يوفق في بعضها ويخفق في بعضها الآخر، وبالرغم من المجهودات المبذولة للصلح، إلا أن استحالة العيشة الزوجية الناتجة عن العديد من الأسباب تحول دون تحقيق المبتغى فيرى المشرع في هذه الحالة أن فك الرابطة الزوجية عن طريق الطلاق بالخلع بطلب من الزوجة نتيجة للضرر التي وصلت إليه مقابل مبلغ مالي تتفق عليه الزوجة والزوج وترجع السلطة التقديرية فيه للقاضي هو من أحسن الحلول، وبهذا تستطيع الزوجة أن تخلع زوجها. حسب رجال القانون... أغلب أسباب الخلع، العجز عن المعاشرة الزوجية لقد شرع الله سبحانه وتعالى الخلع للمرأة لكي تستطيع ان تفك الرابطة الزوجية كون العصمة بيد الرجل، إذا استحالت الحياة الزوجية لسبب من الأسباب التي تحول دون استمرار العلاقة الزوجية، على غرار المشاكل الزوجية العائلية التي تكون بصفة يومية والتي تؤدي بإلحاق الضرر المعنوي والجسدي في بعض الأحيان بالزوجة، الأمر الذي يدفعها لطلب الطلاق من الزوج، فعندما يرفض هذا الأخير الطلاق، يحق للزوجة رفع قضية خلع في المحكمة، باحثة بذلك عن الاستقرار والهروب من المشاكل العائلية التي قد تعرضها إلى بعض الأمراض المزمنة وغيرها. كما أن خوف المرأة من أن لا تقيم حدود الله مع زوجها لسبب معين يجعل من الزوجة تستطيع أن تخالع زوجها حفاظا عليه من الضرر الذي يلحق به في حالة عدم موافقته على الطلاق، بالمقابل يعتبر مشكل العجز الجنسي عند كثير من الرجال من الأسباب المباشرة للخلع، ضف إلى ذلك الشذوذ الجنسي، الذي طالما خلعت من اجله العديد من الزوجات، ناهيك عن الهجر في المضاجع وعدم إعطاء الزوجة حقها الشرعي في المعاشرة الزوجية. وهذا ما أكدته المحامية نجلاء بلحاج التي اتصلت بها آخر ساعة لتسليط الضوء أكثر على الموضوع حيث أوضحت أن أغلب أسباب الخلع، العجز عن المعاشرة الزوجية بالإضافة إلى عدم اعتناء الزوج بمصاريف المنزل وما تحتاجه العائلة من مأكل ومشرب ولباس...أي بمعنى آخر عدم قيام الزوج بواجباته اتجاه عائلته وأبنائه، مما يجعل من الزوجة تضيق ذرعا وتريد التخلص منه بأي طريقة خاصة إذا طلبت الطلاق ورفض، فإنها تلجأ مباشرة للخلع كحل بديل متحملة المبلغ المالي المتفق عليه مسبقا أو الذي تحدده المحكمة. وفي ذات السياق قالت ذات المتحدثة أن المشاكل الزوجية سواء بين الزوجين أو بين الزوجة وعائلة الزوج والعكس، تعتبر كذلك سببا مباشر في قضايا الخلع التي تنامت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة مقارنة بسنوات التسعينات والثمانينات والتي قبلها كانت بها عدد حالات الخلع قليلة جدا تكاد تنعدم. الاستقلالية المالية للزوجة داعم قوي للخلع من جهة أخرى يرى الأستاذ “ن، ز« محامي لدى مجلس قضاء عنابة ان الخلع يحدث إذا استحالت الحياة الزوجية بين الطرفين نتيجة لمجموعة من الأسباب التي ذكر منها الخيانة الزوجية، فإذا أثبتت الزوجة أن زوجها يخونها مع أخرى أو أخريات، وأصبح التفاهم بينهما مستحيل، مع رفض الزوج الطلاق، فإن الزوجة تتجه مباشرة إلى الخلع من اجل فك الرابطة الزوجية مقابل مبلغ من المال. هذا بالإضافة أن بعض الزوجات يرون أن أزواجهن يقفون حاجزا منيعا أمام طموحهن، حيث يرونهم يعرقلون مسيرتهن في العمل أوفي انجاز المشاريع و غيرها، فعندما لا يتحصلن على حريتهن بالطلاق يلجأن إلى الخلع لإنهاء العلاقة الزوجية، كما تعتبر الاستقلالية المالية للزوجة داعما قويا للخلع، لأنها تجعل الزوجة في موضع قوة، فهي ترى نفسها ليست في حاجة مادية لزوجها، بالإضافة إلى بعض الأسباب الأخرى كالسكر، والمبيت خارج المنزل، والتصرفات اللاأخلاقية والسب والشتم والضرب المبرح، وغيرها. الزوجات المطالبات بالخلع من جميع المستويات التعليمية أعمارهن من 20 الى 30 سنة لقد اجمع عدد من المختصين في القانون على ان للخلع نفس الآثار الناتجة عن الطلاق، حيث ينفق الرجل على أبنائه ويستأجر لهم منزل وغيرها من المصاريف الأخرى. أما الأكاديميون من العلوم الاجتماعية فيدقون ناقوس الخطر، اذ يقول الدكتور فريحة محمد كريم رئيس قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة باجي مختار والمختص في علم الاجتماع أن الخلع أسلوب تستعمله المرأة على وجه الخصوص كطريق أسهل للتخلص من العلاقة الزوجية ووضع حد للارتباط مع الزوج لسبب أو لآخر، وخاصة إذا ما شعرت باستحالة مواصلة حياتها الزوجية، وتوترت علاقتها بالطرف الآخر، حيث أصبح الخلع بشهادة أهل الاختصاص من محامين وقضاة وعلماء الدين، يعرف مؤخرا ارتفاعا ملحوظا، ليتحول إلى ظاهرة اجتماعية كحل وحيد وسهل تلجأ إليه المرأة في حال فشل مطالبتها بالتطليق، أو لتهديد الزوج والانتقام منه. واستخلص محللنا الى ان الخلع يؤثر على شكل وطبيعة العلاقة بين طرفي الأسرة بوجه خاص الى أن تصل المرأة إلى حد التنازل عن حقوقها المالية الشرعية لتفتدي نفسها من الزوج وفي ذات السياق يقول الدكتور فريحة أن الآثار الايجابية للخلع أكثر من السلبية على الأسرة، ذلك لأن الزوجات يطالبن بالخلع في جميع المستويات التعليمية وان كان يزيد نسبيا بين الحاصلات على الشهادات الجامعية، اذ أوضحت بعض الدراسات التي قام بها أن غالبية الأزواج يقعن فى الفئة العمرية من (20 لأقل من 30 سنة) وأزواجهن فى الفئة العمرية من (30 لأقل من 40سنة. وتجدر الاشارة الى ان وسائل الإعلام المرئية تعتبر من أهم مصادر المعرفة بقانون الأسرة على مختلف المستويات التعليمية والثقافية. كما أكدت الدراسة التي قام بها الدكتور فريحة على وجود خلافات زوجية مستمرة ومتكررة بين طالبات الخلع وأزواجهن والتي تحدث في مختلف المستويات التعليمية والاقتصادية وفى جميع المراحل العمرية وترجع الغالبية العظمى من طالبات الخلع أسباب الخلافات الزوجية إلى الزوج وذلك بسبب فساد أخلاقه وسوء معاملته للزوجة يليها الأسباب الاقتصادية المتمثلة في بطالة الزوج وعدم وجود عمل ثابت .وان كان من أكثر الأسباب التي تدفع الزوجات إلى طلب الخلع والإصرار عليه تتمثل في فساد أخلاق الزوج وسوء معاملته فان كراهية الزوجة لزوجها، ثم عدم قدرة الزوج على القيام بواجباته الأسرية من رعاية وإنفاق تقضيان على العلاقة الأسرية الصحية السليمة، حينها تشعر الزوجة أن حياتها الزوجية لا تحقق لها أي نوع من الفائدة المادية أو المعنوية وخاصة المعنوية بعدم وجود التفاعل في الأسرة وتسعى إلى الطلاق الذي يرفضه الزوج في أغلب الأحيان مما يضطرها لطلب الخلع.هذا ويرى الدكتور “فريحة “أن الخلع في صالح الزوج من الناحية المادية حيث انه يخفف عنه الأعباء والالتزامات المادية كما أنه في صالح الزوجة خاصة من الناحية المعنوية، حيث أرجعت الزوجات أسباب ذلك إلى كراهيتها للزوج بصفة أساسية، وتعتبر الزوجات الحضريات الاكثر طلبا للخلع من الزوجات الريفيات، ويرجع ذلك الى العادات والتقاليد، بالإضافة الى تعرض الغالبية من طالبات الخلع للإيذاء المادي والمعنوي من خلال السب والضرب والإهانة والذي يسبب سوء في العلاقة الزوجية والتفاعل الأسري وفي ذات السياق قال محدثنا أن دراسته أكدت أن الخلع في صالح الأسرة لأن البنيان الداخلي محطم وهو الأهم ولا يمكن إصلاحه أو إعادة بناءه مما يجعل الخلع هو الحل الأفضل.