أصبحت قضية "الطلاق" من بين أبرز القضايا التي تعجّ بها المحاكم الجزائرية، وهي ليست ظاهرة جديدة على مجتمعنا، لكنّ الغريب فيها هو أنّ انفصال الزوجين بعد فترة وجيزة من الزفاف. وبات الميثاق الغليظ عند البعض ارتباط هش يمكن أن يفك في أي لحظة بعد فترة وجيزة من الزواج، فقد سمعنا عن طلاق في الأسبوع الأوّل من الزواج بسبب إخفاء الزوجة بعض الأسرار المتعلّقة بحياتها قبل الزواج، وآخر بسبب ارتداء الحجاب أو النقاب أو بسبب اكتشاف الرجل عدم عذرية المرأة، ومع اكتشاف أحدهما عدم قدرة الآخر على الإنجاب، فالطلاق لم يعد ذلك الأمر النادر والغريب في مجتمعنا، فقد انتشر بشكل كبير جداً، كما أنّ هناك الكثير من حالات الطلاق لشابات في مقتبل العمر. أسماء زبار ازدادت نسبة الطلاق ارتفاعا في السنوات الأخيرة حتى أصبح ظاهرة اجتماعية تستدعي التحليل والدّراسة للأسباب والعوامل التي تقف وراء تفاقمها بهذا الشكل الرهيب. ومن الطبيعي أن تكون هناك علاقة بين ارتفاع نسبة الطلاق وبين التغييرات الاجتماعية التي تتسارع في المجتمع، غير أنّ ما يستدعي الانتباه أكثر هو حدوث الطلاق لأسباب بسيطة وتافهة في كثير من الأحيان، وعدم الاكتراث لظاهرة الطلاق في المجتمع سواء عند الرجل أو عند المرأة. .. الظروف المعيشية سبب انهيار زواجي تقول (مسعودة.م) معلّمة أنا مطلقة غيابيا وبدون علمي وأصابتني الدهشة عندما طلقت غيابيا واعترف أنني كنت أحب زوجي وكنت حريصة على استمرار العيشة معه والحفاظ على الأسرة والمنزل حتى لا أتكبد ما أتكبده الآن علماً بأنّ زوجي كان يعاني من اللامبالاة في كلّ شيء وعدم تحمل المسؤولية، وضعف الحالة المادية وترك المسؤولية لي في أيّ عبء مادي أو مشكلة وكان معتمد الشكوى لأهلي وأهله، ولكن ما عانيته بعد الطلاق أكثر بكثير ممّا عانيته قبل الطلاق نظرة المجتمع والخلافات والضرر الذي لحق بابنتي وحرمانها من أن تحيا حياة طبيعية، وأن قوانين المرأة لم تكفيها حقها فهي تعطي للرجل حق تركه المسؤولية . .. الخيانة دمّرت حياتي وتروي (ن. م .ح) قصّتها فتقول كنت زائرة يومية للمحكمة نظراً لظروف عملي ولم أكن أنوي أن أكون صاحبة قضية أسرة هناك وإني الآن مطلقة وأم لولد مريض، رغم ما قدمته من تنازلات حتى لا يتم الطلاق ويرجع السّبب الأساسي هو خيانة زوجي لي ثم زواجه بأخرى وتركه للمسؤولية، وأيضاً طلّقت وأنا حامل ومنذ 4 سنوات وأنا أعاني من تعثر تنفيذ القوانين وأعاني من عدم قدرتي على تحمل أعباء الحياة والمسؤولية المعنوية والمادية والنفسية هو من قفز من المركب وتركها كي تغرق ويرجع السّبب الرئيس في التنشئة والأهل فمن شاب على شيء شاب عليه. .... "طليقي ليس رجلا ولم يعاملني كزوجة أبدا" تروي (ف.ح) 22 سنة، ذات مستوى تعليمي متوسط وزوجها يكبرها بسنة، قالت أنّ السّبب الأول للطلاق هو عجزه الجنسي ثم عصبيته الشديدة وضربه المبرح لي فطلقني حينما صارحت أهلي بأنّني ما زلت عذراء وأنّه لا يعاملني بطريقة آدامية فحدث مشاكل كثيرة بين العائلتين وطلّقت بعد الزواج بسنة وشهرين وقرّرت بأن لا أتزوّج أبدا، ولأنّني أعمل في مصنع وهو زميلي فيه، فالطلاق كان حلّ غير مرضي له. .. زنا المحارم سبب طلاقي تروي (ن.ر) ربّة منزل 25 سنة، أنّ ما دفعها لطلب الطلاق وبكامل رغبتها وبدون ندم منها هو تحرّش ومضايقة والد زوجها لها وأنّها لفتت نظر زوجها لهذا الموضوع أكثر من مرّة بمشاكل وبدون مشاكل ولكن لا حياة لمن تنادي كان دائما يقدّم المبرّرات ويتّهمها بالافتراء على والده . فوالد زوجها هو القائم على المنزل وصاحب الكلمة وهو من يصرف عليهم لأنّ زوجها عاطل منذ أوّل زواجها ونظرا لتيسّر والد زوجها المادي فهو من يعولهم فانفجر الكيل بها وطالبت شقة بعيدة عن مسكن والده خوفا على نفسها وعلى بناتها فرفض زوجها حتى أن يواجه والده فطالبته بالطلاق فطلقها بكلّ سهولة فهو غير متضرّر ولا متحمل للمسؤولية وذهبت هي وبناتها لمسكن والدها وعانت هناك الأمرين. أولادها مرتبطون بوالدهم وجدّهم وهي رافضة كلّ الرفض ذهابهم هناك وتعرّضت لمضايقات أكثر وأكثر حينما نزلت إلى حقل العمل فحينها صدّقت أن كلمة مطلقة هي وصمة على الجبين ومن الجائز أن يتدخل أي شخص في خصوصياتها بطريقة مستفزة فتركت العمل واتجهت للقضاء وما هو إلّا مضيعة للوقت والمال دون جني أي ثمار، غير العند من المطلق والكره والتشبث بالرأي ولم تعد تتحمّل نظرات لوم بناتها لها وكأنها هي من خرّبت المنزل فهم لا يعلمون أنها كانت تحميهم. .. ضعف الثقافة الأسرية.. المستوى التعليمي والقوانين الجديدة وسّعت الظاهرة قال الأستاذ الاجتماعي محمد طويل بخصوص الطلاق أنّه مظهر من مظاهر التفكك الأسري الكلي وانهيار الوحدة الأسرية وكذا انحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها والذي بموجبه تتصدّع الأسرة بشكل نهائي فينفصل الزوجين ويربى الطفل من قبل أحد الوالدين أي الطرف المتبقي معه ويحدث هذا نتيجة لتعاظم الخلافات بين الزوجين إلى درجة لا يمكن إدراكها، وأكّد أنّ الطلاق كظاهرة زاد انتشارها في السنوات الأخيرة في المجتمع الجزائري بسبب العديد من العوامل منها الأسباب الخاصة التي تكون متعلقة إما بالزوج أو الزوجية، الأسباب المتعلقة بالزوج، ترجع أسباب الطلاق من جانب الرجال إلى أمور كثيرة أهمها "الكراهية وتعدّد الزوجات وسوء معاملة الزوجة أوعدم تحمل الزوج لنفقات الأسرة وكذلك الفرق بينه وبين الزوجة في السن إضافة إلى المرض الذي يقعده عن العمل وعن واجباته الأسرية وانحطاطه الأخلاقي وسوء سيرته. أما الأسباب المتعلقة بالزوجة، ترجع أسباب الطلاق من جانب المرأة أي الزوجة إلى أمور عديدة أهمّها كراهيتها للرجل خاصة إذا كان أهلها قد قاموا بتزويجها بشخص لا ترغب به وهذا ما قد يؤدّي بها إلى التوتر منه وكذلك العقم أوسوء أخلاقه ورعونة تصرفاته إضافة إلى المرض بحيث تتعذّر العلاقات الجنسية بينها وبين الرجل، إضافة إلى ذلك خيانة الأمانة الزوجية وارتكابها الفاحشة وإهمالها لشؤون المنزل وكبر سنها وعدم دخولها في طاعة زوجها وخاصة الاستماع إلى أهلها. كما أشار الأستاذ إلى أسباب أخرى هامة وهي العلاقات قبل الزواج، فنظرا لضيق الحاجة والبطالة وغيرها من المشاكل الاقتصادية يلجأ الزوجين خاصة الرجل إلى الكذب على المرأة بتصريحات خاطئة ومزيفة ووعدها بالعيشة الكريمة والرفاهية لكن بعد الزواج تصطدم المرأة بتلك الأقوال المفخخة بأنّ هناك سكن وأموال وو... وهذا ما يترتب عنه مشاكل كبيرة توصل إلى الطلاق. وأضاف المختص في حديثه أنّ من أسباب الطلاق نقص التهيئة والتكوين الثقافي للمقبلين على الزواج أي ضعف الثقافة الأسرية بسبب إهمال هذا الجانب المهم، وكذا أسباب تتعلّق بأزمة السكن والبطالة والسكن مع الوالدين الذي يدخل الزوجة في صراع دائم مع الحماة وضعف الدخل وعدم التجانس في المستوى الثقافي بين الزوجين الذي يولّد صراعات دائمة ونقاشات حادة تؤدّي إلى الطلاق. وأكّد المختص الاجتماعي أنّ المرأة أصبحت تنظر إلى الطلاق على أنّه الحل الأنجع للمشاكل الزوجية والخلافات المتكرّرة وهذا بسبب بعض السنن القانونية التي فتحت المجال لظاهرة الخلع وهي نمط من أنماط الطلاق تقوم به المرأة، كما أنّ تغير نظرة النساء للحياة خاصة منهن المتعلمات حيث أصبحت ترى في الطلاق حلّ للمشكل الزوجي الذي تعيشه. لكن بعد الطلاق تصطدم المرأة بالمجتمع الذي لا يرحم فتصبح في نظرته تلك المرأة المطلقة الناقصة التي تلاحقها الشبهات وأكّد المتحدث من خلال الدراسة التي قام بها في الموضوع أنّ 99 بالمائة من المطلقات ندمن على طلاقهن بالرغم من تلك المرارة التي عاشوها في الزواج وأجمعت الكثير منهن على مقولة "الحياة الزوجية بمرّها ومشاكلها أرحم بكثير من الطلاق ونظرة المجتمع لنا"، فالمجتمع الجزائري دائما يلبس وصمة العار والشبهة للمطلقة. .. الطفل الضحية الوحيدة : اضطرابات نفسية .. تشرد ..انحراف والجريمة أكّد المختص النفسي بولقرع مخلوف في اتصال بالحياة العربية أنّ ظاهرة الطلاق ظاهرة منتشرة جدا في مجتمعاتنا والطلاق هو انفصال الزوجين لعدّة أسباب منها، الخيانة الزوجية الملل الزوجي وإيجاد زوجة بديلة أخرى لزوجته، عدم التوافق بين الزوجين من ناحية الثقافة والتعليم، واكتشاف أحد الزوجين بوجود مرض معين في أحدهما مثل عدم القدرة على الإنجاب، وكذا عدم المصداقية، وإجبار الأهل الفتاة على الزواج من شخص لا ترغب به. وأكّد المختص النفسي أنّ الطلاق تترتب عليه العديد من المشكلات والآثار السلبية على الأسرة والمجتمع وتنعكس تلك الآثار على المطلقين في حدّ ذاتهم وعلى الأطفال أيضا من الناحية النفسية والاجتماعية والتربوية، بدءا من الاضطرابات النفسية إلى التشرد والانحراف والجريمة وغير ذلك. والطلاق له أثره الكبير على شخصية ونفسية المرأة حتى وإن هي من طلبت الطلاق لكنها من بعد تصبح ترى نفسها ناقصة ومحلا للشبهة بالخصوص إذا كان لديها إخوة فيصبوا يراقبون تصرفاتها وربما تمنع من الخروج وغيرها من المشاكل التي تسبب لها أزمات نفسية فتصاب بالإحباط والكآبة، كما أنّ الأطفال أيضا هم أكثر الفئات تأثرا وقت الأزمات بسبب عدم اكتمال تطورهم النفسي والاجتماعي والإدراكي والجسدي وأن تلك الأزمات والظروف تشكّل عبئا يفوق مقدرة الطفل على التحمل فتظهر عليه معالم المعاناة النفسية. ... تحوّل العصمة إلى يد المرأة "الخلع" نتج عنه آلاف المطلّقات قال الإمام أحمد قواسم في الموضوع أنّ الطلاق جعله الله تعالى كمخروج عند استحالة العشرة بين الزوجين وهذا الحلّ الإسلامي الشرعي له أحكام وحالات مبينة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. لكن هناك طرق إصلاح وصلح يجب تتبعها قبل الذهاب للطلاق لقوله تعالى"والصلح خير"، وقوله تعالى"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" وقوله تعالى "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، فطرق الصلح مبينة في القران يجب تتبعها لأن الطلاق يكون في حالة استحالة العشرة وليس أيّ خلاف بسيط ومشكل يلجأ فيه إلى الطلاق وتهديم البيت الزوجي. وأكّد الإمام أنّ المرأة التي ترى في الطلاق حل للمشاكل الزوجية فهذا خاطئ تماما فعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال"أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة". هذا جزاء من تطلب الطلاق تحرم عليها رائحة الجنة تماما ناهيك عن نظرة المجتمع إليها بعد طلاقها، ومن أسباب ارتفاع نسبة الطلاق هو تحوّل العصمة من يد الرجل إلى المرأة "الخلع" ما نتج عنه آلاف المطلقات فالله سبحانه وتعالى له حكمة في منح العصمة للرجل. وأكّد الإمام أنه يجب على المرأة أن تتمسك ببيتها وبزوجها حتى وإن كانت مشاكل لكن لابد أن تفرج من عند الله تبارك وتعالى فقال عز وجل"إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، وعلى الوالدين عدم تشجيع بناتهم على الغضب والخروج من البيت الزوجية بل عليهم حثهن على الصبر والتمسك بالزوج حتى لا يقع الطلاق وتخرج المرأة من مشاكل في البيت إلى جحيم أخطر هوالمجتمع ووصمة العار التي تلاحق المطلقة. وننصح من هذا المنبر جميع النساء بالصبر والاستعانة بالله عزّ وجل لأنّ كلّ مشكل له حل لقوله تعالى "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ". .... الطلاق له مبّرراته الشرعية وما غيره فهو تعسّف قال المحامي بوجدبة إبراهيم في حديث ل"الحياة العربية"، إنهاء عقد الزّواج الصحيح في الحال أوفي المآل بالصيغة الدالّة عليه". وقد عرّفه قانون الأسرة الجزائري في المادّة 48 المعدّلة بأنّه "يُحلّ عقد الزواج بالطلاق". كما تضمّن قانون الأسرة الجزائري في المادة 48 ثلاث طرق لوقوع الطلاق وهي الطلاق بإرادة الزوج، والطلاق بتراضي الزوجين والطلاق بطلب من الزوجة إذا تضرّرت الزوجة من سلوك زوجها فإنّها لا تطلّق نفسها بنفسها، وإنّما لها أن تطلب الطلاق من القاضي بناءً على جملة من المبرّرات نصّت عليها المادة 53 المتعلّقة بالتطليق والمادة 54 المتعلقة بالخلع. وأكّد الأستاذ أنّ حل عقد الزواج يتم بالطلاق وهوحق مشروع للزوج أقرّه له الشرع والقانون، إلّا أنّه لا يمكنه أن يستعمله إلا لمبررات شرعية حتى لا يكون متعسفا في استعمال هذا الحق، وله إمكانية العدول عن فكرة الانفصال عن زوجته إذا كان طلاقه رجعيا وذلك بمراجعة زوجته أثناء محاولات الصلح والتحكيم بينهما. كما يمكن أن يتم الطلاق بتراضي الزوجين واتفاقهما على الانفصال وإنهاء الرابطة الزوجية بينهما إذا تبين لهما استحالة استمرار الحياة الزوجية. ويثبت الطلاق بحكم قضائي ويسجّل هذا الحكم في الحالة المدنية.