أعاد "شاشية السلطان" و"قبقاب الحمام" و"كبوس العصملي" يراهن فاروق فريوة على إحياء حرفة مهددة بالانقراض، لم يعد يزاولها غيره منذ سنوات طويلة بقسنطينة، فهو رسام واسكافي خطفه حب التراث بعيدا، فنقب عن اسرار أناقة وتميز طرابيش وأحذية "زمان" ليستحضرها بأحجام مصغرة للزينة والديكور، وبأحجام عادية، رغم أن هذه الأخيرة لم تعد تستهوي سوى أعضاء الفرق الموسيقية التقليدية وبعض المطربين والممثلين وفئة قليلة من راكبي موجة الحنين إلى أيام الزمن الجميل وعشاق الحفلات والأعراس التقليدية الأصلية. الحرفي الشاب يقضي يومياته بمحله الضيق الصغير بنهج سعيد تليلي، زنقة البرادعية سابقا، بالمدينة القديمة مطوعا جلود الخرفان لأفكار وأشكال مستوحاة من عمق التراث دون أن يستخدم آلات ووسائل عصرية... فهو يعتمد على أدوات يدوية بسيطة، والكثير من الصبر والحب والحماس في تصميم وصنع طرابيش وأحذية وأحزمة وحقائق تقليدية بمختلف الأحجام والأشكال على أمل المساهمة في إحياء حرفة كانت جد مزدهرة بقسنطينة قبل أن يرحل شيوخها أو يتخلوا عنها وينبذها الشباب لدقتها وصعوبتها. وليضمن ولو التفاتة اهتمام أو فضول قد تحرك الرغبة في الاقتناء لدى بعض الزبائن أو المارة، قرر – كما قال – أن يلعب على وترجاذبية الديكور والزينة والاكسسوارات والهدايا، وشرح: "أصمم علبا على شكل طرابيش رجالية تقليدية مصغرة أغلفها بالقطيفة لحفظ وتقديم الحلي وخواتم الخطوبة والزواج كهدايا مميزة في ليالي العمر، واستثمر نفس فكرة الطرابيش المصغرة من أجل صنع علب أنيقة مخصصة لتقديم الحلويات المختلفة للمدعوين لعرس أو حفل عائلي ثم الاحتفاظ بهذه العلب كتذكارات تتحدى النسيان، وفي الحالتين أحرص على تزيين الطرابيش المصغرة بالتهاني وأسماء المحتفى بهم من عرسان وعرائس أو أطفال تم ختانهم أو ناجحين في الامتحانات المصيرية، مكتوبة بالحروف الذهبية، تلقيت بعض الطلبيات بهذا الخصوص وأتمنى أن تحظى هذه الأفكار بانتشار أوسع". واضاف بأنه يصنع حاملات أقلام ومفاتيح وأحزمة وحقائب نقود وقطع ديكور متنوعة ذات أحجام صغيرة وجذابة، من أجل التعريف بجوانب من الحرفة التراثية وضمان القليل من مصروف الجيب على حد قوله.. لكن تخصصه الأصلي والأصيل هو صنع الطرابيش والأحذية التقليدية النسائية والرجالية، وهذا التخصص –حسبه- تطور طبيعي ومنطقي لمساره كحرفي يهوى الرسم والتراث ويتشبث بالعادات والتقاليد.. فقد كان يعمل منذ نعومة أظافره كإسكافي وينظر الى الجلد على أنه مادة يمكن تطويعها لأفكار كثيرة وهواية يجب دعمها بالخيال والممارسة والمثابرة. واهتم في البداية بإحياء الجهاز التقليدي القديم للعروس القسنطينية الذي كان يخصص حيزا كبيرا للأحذية بأنواعها.. وساعدته الموضة على إعادة القبقاب الى الواجهة بعدأن كان مرتبطا بالذهاب الى الحمام وكذا الخف التقليدي المطرز.. ثم ركز على أحذية الأفراح كجزء لايتجزأ من الاكسسوارات العريقة التي يجب أن تكون مناسبة تماما للفساتين و"القندورات" أو الجبب من حيث الأقمشة والألوان والأشكال ونوعية التطريز أو "الحرج" والرسومات ولاكمال الصور الهاربة من التراث، لم يكن أمامه خيار آخر سوى الالتفات للحقائب اليدوية.. وكانت له وقفة خاصة – كما قال- أمام اكسوار آخر غيّب لعشريات وهو الطربوش أو "الشاشية طاقية الرأس النسائية التقليدية.. فأعاد "شاشية السلطان" ذات القرن المائل التي تربط حول العنق بقطع نقدية ذهبية تعرف ب "لويز السلطانيات" وهي اكسسوار طالما لازم ارتداء القندورة القسنطينية التقليدية فزادها بهاءا ورونقا.. الى جانب أنواع أخرى من الشاشيات المختلفة الأحجام والأشكال.. ودفعه اقبال القسنطينيات على اقتناء القفطان المغربي الى تصميم أحزمة تلائمه تلقى رواجا كبيرا في موسم الصيف والأعراس.. ولا يخفى محدثنا عشقه اللامتناهي للطرابيش القسنطينية التقليدية التي طالما حافظ عليها الأجداد حتى لا تطمس خصائصها الطرابيش "العصمالية" العثمانية أو التونسية والمغربية.. ورهانه الأكبر هو اعادة الاعتبار لها ولو من خلال ترويج "نسخ" مصغرة لها كقطع ديكور أو حاملات حلويات أو علب حلي مغلفة بالقطيفة.. وعزاءه الوحيد أن أعضاء فرق موسيقية تقليدية مالوفية وعيساوية وبعض المطربين والممثلين لا يزالوا يشترونها من عنده لاتمام ديكور الحفلات التقليدية الى جانب بعض الولوعين بالتقاليد في حفلات الأعراس والختان..