تحولت ساحة أودان بالعاصمة على غرار مواسم الصيف الماضية الى فضاء ينبض بروح الماضي وتفاصيله البسيطة لباس، أوانى، وحلي متنوعة قاسمها المشترك هو البصمات التقليدية التي يتفنن الحرفيون في تشكيلها على ذوق أيام زمان...ففي هذه الساحة بالضبط يجد العديد من المتسوقين ضالتهم من الهدايا التي يفرضها موسم الأفراح ، وما أكثرها من القطع النحاسية التي تستقطب المواطنين والأجانب على حد سواء. تعد صناعة الأواني النحاسية في المهن التراثية المهددة بالإنقراض بعد أن سادت منذ أكثر من قرن في مدن العاصمة، تلمسان، وقسنطينة بصفة خاصة لتشهد على زمن الأتراك الذين خلفوها في الجزائر. واليوم تحولت الأواني النحاسية من أدوات للإستعمال الى تحف للذكرى..هذه الأخيرة يتذكرها الكثيرون مع إطلالة هذا الموسم بالتحديد، حيث تسطع فكرة إهداء بعض القطع النحاسية لأصحاب الأفراح والولائم، وهي فكرة يستوحيها بعض المارة من معرض الفنون التقليدية الذي أشرفت بلدية الجزائر الوسطى على تنظيمه خلال هذه الصائفة. وعن هذا حدثنا بساحة أودان الحرفي "عزالدين" الذي درس الفنون التقليدية بقسنطينة ويزاول مهنة الزخرفة منذ 1982، فأشار الى أن الأواني والقطع النحاسية تستقطب غالبا إهتمام الأشخاص المتقدمين في السن، ممن لديهم ولع بهذا الفن الأصيل الذي يبعث لديهم الحنين الى الماضي، حيث كانت الأواني النحاسية تصنع بغرض الإستعمال اليومي. لكن الأكيد هو أن نوع القطع النحاسية التي يقبل عليها الزبائن تختلف بإختلاف القدرة الشرائية إذ يقدر سعر الفانوس النحاسي ب 2400دج، في حين يفوق سعر لوحة نحاسية بحجم مترين 60 ألف دج. أشخاص عدة يكنون حبا للنحاس ويقبلون على إقتناء بعض الأواني بغرض الإستعمال مثل"المحبس" الذي تصطحبه العروش معها الى بيت الزوجية يوم الزفاف، بحيث يكون مملوء "بالمقروط" كما تفرضه العادات والتقاليد، وإضافة الى ذلك ماتزال الفوانيس، الصينيات، وأباريق الشاي والقهوة مطلوبة جدا، غير أنه في هذه الفترة بالضبط يكثر تهافت النساء على بعض القطع النحاسية التي تستعمل لأغراض الزينة لتقديمها كهدايا لأصحاب الأعراس. والمسجل أيضا هو أن البعض ممن يحزمون أمتعة السفر في هذا الفصل كثيرا مايقتنون بعضها لتقديمها كهدايا لأصدقائهم في الدول الأجنبية،..لس هذا فحسب بل وتستقطب القطع النحاسية أيضا أجانب من السلك الدبلوماسي يبحثون عن أصالة الماضي الجزائري. ولايزال الحديث عن النحاس متواصلا، إذ سألنا محدثنا الحرفي، عن مدى مساهمة هذه التظاهرة الفنية الموسمية في تشجيع الحرفيين فأجاب "بأنها فكرة موفقة يستحسن تكرارها في مواسم أخرى أو في نهايات الأسبوع، مع مراعاة نقلها الى مناطق أخرى من الوطن حتى لا تبقى محصورة في العاصمة، لبعث إهتمام المواطنين بمنتجات الفنون التقليدية وتشجيع الحرفيين على مواصلة الإنتاج والإبداع، لاسيما وأن كثيرين منهم يفتقرون الى محلات لبيع منتوجاتهم الفنية، كما أن بعضهم يخشون فكرة الإعتماد على القرض لخوض غمار تجربة تأسيس ورشة فنية خاصة". والجدير بالذكر، حسب نفس المتحدث، هو أن إستمرار مهنة صناعة القطع النحاسية ونقشها مرهون بتكوين الشباب الموهوب في مراكز التكوين المهني والإعتماد على خبرات ذوي الكفاءة للمحافظة على الفنون التقليدية ونقلها للأجيال القادمة.