أحيت أمس ولاية تبسة الذّكرى 64 لمعركة الجرف الشهيرة، التي اشتبك فيها مجاهدو ثورة التحرير المظفرة مع عساكر الاحتلال الفرنسي. معركة الجرف، اندلعت يوم 22 سبتمبر1955 بمشاركة 400 مجاهد بجبل الجرف ببلدية سطح قنتيس على بعد 100 كلم جنوب غرب تبسة، حيث دامت أزيد من أسبوع كامل دون انقطاع، تحت قيادة الشهيد شيحاني بشير ومساعديه لزهر شريط وعباس لغرور وعجال عجول، و ألحقت بجيش الاحتلال الفرنسي خسائر بشرية فادحة، رغم أنه جند لها عشرات الآلاف من الجنود، المدججين بالسلاح و الذخيرة وعتاد عسكري ضخم، وطائرات مقنبلة. وكان من أسباب وقوع هذه المعركة، التقاء المجموعات الأولى للمجاهدين بإقليم المنطقة الأولى أوراس النمامشة، و ذلك من أجل إعطاء بعد إضافي للكفاح من أجل تحرير البلاد بهذه الجهة بأقصى شرق البلاد. واستنادا لأساتذة في التاريخ، فإن الواقعة التي دامت أسبوعين، تعد كذلك من بين أهم المعارك، التي خاضها أبطال جيش التحرير الوطني في العام الأول من الثورة و جاءت يومين بعد هجمات الشمال القسنطيني "20 أوت 1955"، و أصبحت تمثل ثالث أهم العمليات العسكرية بالمنطقة الأولى أوراس النمامشة، و قد أطلق قادة جيش التحرير الوطني على تلك المعركة اسم "استراتيجية الانقضاض الجبلي" من خلال استغلال الكهوف والصخور واستدراج العدو إليها، حيث يصعب الاستخدام الأمثل للقوات الجوية الفرنسية في تحقيق أهدافها وذلك بشهادة عدد من قادة القوات الجوية الفرنسية، و منهم بيار كلوستيرمان صاحب كتاب " إنزال ناري على وادي هلال"، و قد تم الاعتماد في تلك المعركة على استراتيجية استغلال الظروف الطبيعية والمناخية الملائمة واعتماد أسلوب الكر والفر و تقسيم الأفواج إلى مجموعات صغيرة و الاستغلال الأمثل للذخيرة الحربية و المؤونة. وتزامنت معركة الجرف مع وصول قافلة تموين بالسلاح والذخيرة الحربية قادمة من تونس، وهو ما أعطى "دفعا و تحولا كبيرا في سيرها"، استنادا للأساتذة الذين أشاروا إلى أنه بالتوازي مع ذلك كان الجيش الفرنسي ينفذ عملية عسكرية كبرى بتيمقاد "انطلاقا من واد العرب بخنشلة إلى سفوح جبال النمامشة على الحدود الجزائرية-التونسية"، على غرار معركتي "الزرقاء" و"أم الكماكم"، وقد شارك في تلك المعركة معظم قادة المنطقة الأولى، على غرار شيحاني بشير، وعباس لغرور، وعجول عجول، والوردي قتال، وفرحي ساعي المعروف باسم " بابانا ساعي" ، وشريط لزهر، ووقعت تلك المعركة بسبب عقد جيش التحرير الوطني لقاءات للتعريف بالثورة بمنطقة "رأس الطرفة"، بالقرب من جبل الجرف وهي اللقاءات التي سمحت بتوثيق الثورة للحصول على دعم سكان و أعيان المنطقة قبل أن يتصدى الشهيد محمد عجرود للعدو الفرنسي في أول اشتباك بتاريخ 21 سبتمبر 1955 وبالضبط بمنطقة "فرطوطة ." و ذكر المتحدثون أيضا أن في صبيحة اليوم الموالي "22 سبتمبر 1955"، وصلت القوات الفرنسية إلى منطقة الجرف، فيما وصلت يومها رسالة من القائد شريط لزهر المتواجد وقتها بالجبل الأبيض بالقرب من بئر العاتر، يدعو فيها القيادة إلى الانسحاب لأن حشودا عسكرية للجيش الفرنسي كانت قادمة من الحدود التونسية و بئر العاتر والشريعة. كما أرسل من جهته باش آغا خنشلة رسالة إلى شيحاني بشير، يحثه فيها على ضرورة الانسحاب من الجرف، و قد جاءت المعركة في ظل "معطيات إلقاء القبض على قائد المنطقة الأولى مصطفى بن بوالعيد في تونس بتاريخ 12 فيفري 1955 وتحول القيادة إلى بشير شيحاني، حيث حدث تغيير هيكلي في التنظيم الإداري والعسكري للمنطقة الأولى، كما أكد المتحدثون، وخاض معركة الجرف قرابة 300 جندي، حسب شهادات عدد من المجاهدين ، على غرار علي بولعراس والوردي قتال والمجاهد إبراهيم بوغرارة وهي شهادات مسجلة بملحقة متحف المجاهد محمود قنز بعاصمة الولاية. و أفاد أساتذة التاريخ بأن القوات الاستعمارية كعادتها طوقت جبل الجرف، مسخرة أكثر من 40 ألف عسكري من المشاة والمدفعية والطيران، وعلى الرغم من عدم التكافؤ في العدة والعتاد، إلا أن المجاهدين استبسلوا في القتال و فرضوا إستراتيجيتهم العسكرية لمدة 4 أيام واستطاعوا فك الحصار المضروب عليهم في اليوم الخامس، و سقط في تلك المعركة أكثر من 120 شهيدا، ليحول العدو انتقامه إلى المدنيين العزل في الأرياف والقرى والمداشر المجاورة.