قدّم المنتخب الوطني من خلال المباراة التي أدّاها سهرة أول أمس، في العاصمة البوتسوانية غابورون، أوراق الاعتماد لأقوى منتخب في القارة السمراء في الفترة الراهنة، وبرهن على أحقيته في التتويج باللقب الإفريقي قبل 4 أشهر بمصر، لأن حسن التعامل مع الظروف الاستثنائية في أدغال «إفريقيا السوداء»، يبقى من ميزات «الأبطال» الحقيقيين، وهذا بعد أقل من شهر من الظهور بمستوى «عالمي»، عند ملاقاة «العملاق» الكولومبي، في ودية جرت بالأراضي الفرنسية. خروج الخضر ظافرين بكامل الزاد من غابورون، يبقى بمثابة الإنجاز الذي يحتاج إلى تثمين، كون «كومندوس» بلماضي كشف عن مؤهلات كانت قد غابت عن التشكيلة الوطنية في العهدات الماضية، لأن التحجج بالظروف المناخية الصعبة، الناتجة عن الارتفاع والنسبة العالية من الرطوبة، فضلا عن درجة الحرارة، كانت من أبرز العوامل التي ظل غالبية من تعاقبوا على قيادة المنتخب الوطني، يعلقون عليها مشجب التعثرات، خاصة «نكسات» الكرة الجزائرية في نهائيات كأس أمم إفريقيا سنوات 2013، 2015 و2017، في كل من جنوب إفريقيا، غينيا الإستوائية والغابون على التوالي، لكن هذه الحجج سقطت من «القاموس»، منذ استلام بلماضي المشعل في أوت 2018. وحتى و إن لم تكن لمنتخب بوتسوانا مكانة في المشهد الكروي القاري، بعد اكتفائه بمشاركة وحيدة في العرس الإفريقي في دورة 2012، مع احتلاله المركز 146 في تصنيف الفيفا، فإن استقباله للجزائر في أول مواجهة تجمع المنتخبين، جعل لاعبيه أمام «مقابلة العمر»، بعدما دخلوا اللقاء مشحونين، فضلا عن سعيهم لتأكيد التعادل، الذي كانوا قد افتتحوا به التصفيات في زيمبابوي، مع العمل على نيل شرف الإطاحة ببطل القارة، وهي معطيات مجتمعة دفعت «الحمير الوحشية» إلى اعتماد الخشونة واللعب العنيف، في محاولة لترهيب العناصر الجزائرية، لكن فغولي وزملاءه برهنوا مرة أخرى بأن تعلقهم بالألوان الوطنية يفوق كل الاعتبارات، وأنهم لا ينظرون إلى مستقبلهم مع نواديهم على حساب مصلحة المنتخب، إذ أنهم تحدوا كل العقبات التي اصطدموا بها، وكانوا في ثوب «المحاربين» الحقيقيين، الذين قاتلوا من أجل الخروج من غابورون بالنقاط الثلاث، والتدخلات العنيفة للاعبين البوتسوانيين قابلها الحكم الأوغندي سابيلا بتطبيق نصف القوانين، من خلال الاعلان عن المخالفة التقنية، لكن دون اللجوء إلى العقوبة الإدارية المستحقة، وقد غض بصره عن البطاقة الحمراء في أكثر من مناسبة، وانتظر إلى غاية الدقائق الأخير ليقوم بطرد اللاعب غاوغانكوي، إثر اعتدائه على فغولي، رغم أن نفس اللاعب كان قد اعتدى على عطال في الشوط الأول، والحكم اكتفى بانذاره فقط. موقعة غابورون، وإن لم ترق إلى المستوى المطلوب من الناحية الفنية، بسبب الظروف الاستثنائية التي جرت فيها، خاصة الوضعية الكارثية لأرضية الميدان، فإنها كانت بمثابة المحك الميداني، الذي كشف عن الدرجة العالية من النضج الذي بلغته النخبة الجزائرية، وهذا ببصمة واضحة من بلماضي، لأن «الخضر» حطوا الرحال بالأراضي البوتسوانية في ثوب «بطل القارة»، وفي أول خرجة لهم في أدغال إفريقيا السوداء بعد معانقة التاج القاري، لكن «الأبطال» كانوا في مستوى الحدث، وأحسنوا التعامل مع معطيات هذه المباراة، فتسلحوا بروح قتالية «عالية»، وجابهوا كل العقبات، رغم أن المنافس كان محدودا من الناحية التقنية، إلا أن «شراسة» لاعبيه، ومبالغتهم في التدخلات العنيفة جعل هذه المواجهة عبارة عن امتحان جدي للوقوف على مدى قدرة عطال ورفاقه، على التعامل مع أجواء ليسوا متعودين عليها، لأنهم كانوا قبل أقل من شهر قد برهنوا على مستواهم «العالمي» عند الإطاحة بكولومبيا بثلاثية، غير أن ظروف «الأدغال» الإفريقية كانت دوما تثير مخاوف منتخبات شمال القارة، و»كومندوس» بلماضي أبطل مفعول هذا الطرح عند صموده في بوتسوانا. الفوز المحقق، وإن مكن المنتخب الوطني من قطع شوط معتبر على درب التأهل إلى النسخة 33 من «الكان»، فإنه بالموازاة مع ذلك أوصل كل المتتبعين إلى قناعة مشتركة، وهي أن «الخضر» أصبحوا قادرين على التعامل مع كل المباريات، على اختلاف الظروف التي تقام فيها، أو حتى المنافسين ودرجة قوتهم، وهذا كله بفضل صرامة بلماضي، الذي وفق في رابع ظهور له في أدغال إفريقيا كمدرب، بعدما كان قد استهل مشواره مع المنتخب بتعادل في غامبيا، ثم هزيمة في البنين، لكن «اللمسة» اتضحت بصورة جولة في نوفمبر 2018 بالعاصمة الطوغولية لومي، والتي كانت محطة ميلاد «نسخة جديدة» للمنتخب الوطني.