"الصيّافة" قوم يفرون من الجنوب، الى عين عبيد تعرف ظاهرة تأجير المساكن من طرف الصيافة القادمين من ولايات الجنوب، تزايدا ملفتا هذه الأيام، أين وصلت نسبة الحجز مئة بالمئة لكل المنازل الفارغة وقيد الانجاز وغير المكتملة في بلدية عين عبيد المعروفة بصرواتها (أعاليها) المنعش هواؤها خاصة ليلا حسب هؤلاء الفارين من لهيب الصحراء. الجديد هذه السنة أن الكثير منهم فضل أن تكون بداية رحلة الصيف مع الأيام التي تسبق شهر رمضان المعظم حتى يتمكنوا من قضاء الشهر الكريم في أجواء حرارتها بالنسبة اليهم ملائمة مقارنة بقيض الصحراء وقد تحصلوا على وعد بالكراء ودفعوا ثمنه وآخرين أحضروا شيوخم وأطفالهم ريثما تلحق بهم بقية العائلة. وعن نوعية المساكن التي يفضلون كراءها قالت بعض العائلات التي وجدناها نهار أول أمس بالكحالشة أنهم يستحسنون الفردية مهما كانت حالتها وفي التجمعات السكانية الثانوية، كبرج مهريس والقرية فيما يفضل ميسورو الحال الفيلات أو طوابق بها لتوفرها على الفضاءات الواسعة لأنهم عادة يستغلون الأفنية والمساحات القريبة المحيطة بها لجلسات السمر والسهر حول كؤوس الشاي الى مطلع الفجر أين يشبعون رغبتهم ببرودته الرطبة الى حد استعمال الأغطية وهؤلاء من سكان ورقلة خاصة. وأسر أحدهم أن الصيف في التل اضافة الى خصائص مناخه تنخفض فيه أسعار شتى أنواع الخضر والفواكه وتصبح في متناول الجميع بينما العكس في الصحراء أين يتضاعف ثمنها وتتدهور نوعيتها جراء رحلتها من التل على الرغم من استعمال غرف التبريد " نشتريها هنا مباشرة بعد جنيها في الكثير من الأحيان". وفي ذات الموضوع قال لنا عمي صالح قوجيل من أعيان طولقة الذين تعود علاقته بالمنطقة الى أجداده وقد جاء خلال الأيام السابقة باحثا عن بيت لكرائه على الرغم من أنه يفضل منذعشرات السنين أعلى منطقة بعين عبيد (فج الدرياس) المطل على ولاية أم البواقي في خيمته ولكن تغير الظروف حال دون ذلك فأحد معارفه السابقين منحه بيته قيد الانجاز ليقضي فيه شهر رمضان. قال عمي صالح أن رمضان في طولقة لا يطاق على الرغم من وجود البراد والمكيفات الهوائية وأن خوفه من الحر جعله يسارع الى البحث عن بيت في وكره الصيفي الذي لا يطيق صبرا على عدم الحج اليه منذ طفولته في الأربعينيات من القرن الماضي. كالطير المهاجر الذي تحثه ساعته البيولوجية على رحلة الصيف وأوبة الخريف نحو التل والصحراء حيث قرر عدم العودة الا بعد رمضان وقضاء عيد الفطر هنا في عين عبيد، التي تربطه بها علاقة وطيدة خاصة وأنها رفاة وقبر والده الذي توفي ودفن فيه سنة 1945. ولا تقتصر الرحلة على التصييف فقط وإنما لا تخلو من مظاهر تجارية بل أوجد هذا التباين بين الجنوب والشمال منطقا اقتصاديا كان يقوم سابقا على المقايضة سلعة بسلعة قمح أو شعير مقابل تمر أو غرس كيل بكيلين أو ثلاثة مكايل حسب نوعية التمر من العادي الى الدقلة اضافة الى العمل في الحقول وجمع الغلال وقلع بعضها كالحمص أو الجلبانة مقابل ثلث المحصول والتقاط السنابل في إثر آلات الحصاد مكان الكثير منهم يعود وهوة محمل بعولة العام اضافة الى حصولهم على زكاة الحبوب المعروفة بالعشور لكن هذه الفئة من الرحل تراجع عددها مع تطور الوضع الاقتصادي لهؤلاء الذين تحسنت وضعيتهم ابتداء من الثورة الزراعية وظهور المكننة والانفتاح الاقتصادي والامتياز الفلاحي والزراعة في البيوت البلاستيكية ولكن لم يمنع من الحصول الكثير من الفقراء على الاعانات من طرف العائلات التي تعودوا على التعامل معها ويتبادلون معها الزيارات. وللاشارة هناك صنف ثالث وهم الموالة وهم صنف خاص له نمط حياة مميز اين يقوم على منطق اقتصادي بحث في رحلتي الصيف والخريف بحثا عن الماء والكلأ وهم ما زالوا محافظين على خيمهم ويحتاج نمط حياتهم الىدراسة انتروبولوجية خاصة. فهم جد متحفظين ومجمتعهم مغلق. وللعلم أسعار الكراء تتراوح بين 3000دج و 10000 دج حسب نوعية السكن وموقعه وقد تكون دون مقابل لدى المعارف الذين ارتاحوا لهم بفضل التقارب الفكري المحافظ، ونمط الحياة الفلاحي.