اتخذت الحكومة في الأيام الأخيرة عدة تدابير لتطويق تداعيات تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 وما تبعها من تعليق للعديد من النشاطات بسبب إجراءات الحجر الصحي المتبع اليوم، والتخفيف منها، سواء على مستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، والاستعداد تبعا لذلك لاستئناف النمو وتجسيد البرامج المسطرة. كغيرها من دول العالم دخلت الجزائر في مواجهة مباشرة مع فيروس كورونا المستجد منذ تسجيل أول حالة في البلاد، وعملت على استباق الأمور لمحاصرة تفشي الوباء بالعديد من التدابير الاحترازية على غرار غلق المدارس والمؤسسات التعليمية بداية من 12 مارس الماضي، وغلق المجال الجوي والبري والبحري والعديد من المتاجر ومساحات البيع وتوقيف وسائل النقل أسبوعا بعد ذلك. ثم وصل الأمر إلى فرض الحجر الصحي الكلي على مدينة البليدة والحجر الجزئي على كل ولايات القطر الوطني منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، لكن هذه التدابير خلفت دون شك تداعيات وآثار على سير وطبيعة النشاط الاقتصادي العام والخاص، الواسع والمحدود. وللتقليل من تداعيات الحجر الصحي والتدابير سالفة الذكر عمدت الحكومة في الأيام الأخيرة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات وتقديم العديد من التسهيلات للمؤسسات الاقتصادية وللمواطن أيضا لتفادي وقوعها في ضائقة لا تحمد عقباها بعد نهاية الحجر الصحي و انحسار فيروس كورونا، وعودة الحياة إلى طبيعتها. وقد أكد في هذا السياق الوزير المستشار والناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية، محمد اوسعيد بلعيد، قبل أيام عبر التلفزيون العمومي أن هناك فريقا من الخبراء يقوم اليوم بالدراسة والتحضير لما بعد كورونا، خاصة في الجانب الاقتصادي، مبديا في نفس الوقت تفاؤله بالمستقبل، وقال إن عالم ما بعد أزمة كورونا لن يكون مثل عالم ما قبل تفشي هذا الفيروس. وتطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية اتخذت الحكومة حزمة من الإجراءات والتدابير لتحضير مناخ ما بعد أزمة كورونا، وقدمت في هذا الجانب جملة من التسهيلات للمؤسسات الاقتصادية العمومية منها والخاصة على غرار وضع انظمة دفع عن بعد حتى تتمكن المؤسسات الاقتصادية من تسديد اشتراكات عمالها في صناديق الضمان الاجتماعي، ودفع استحقاقات الضرائب وغيرها. من جهتها اتخذت البنوك و المؤسسات المالية تدابير لحماية المؤسسات و وسائل الإنتاج تطبيقا للتعليمة الصادرة مؤخرا عن بنك الجزائر و هذا ضمن السياق الحالي لتفشي وباء كورونا، وأكدت تضامنها مع زبائنها و استعدادها لمرافقتهم في هذه الوضعية الاستثنائية. و في هذا الإطار ستدرس البنوك و المؤسسات المالية الوضعية الشخصية لكل زبون باتخاذ تدابير مناسبة خاصة منها تأجيل أو تجديد أجال القروض التي حل أجلها في 31 مارس الفارط و ما بعده، و إعادة جدولة الديون غير المحصلة إلى هذا التاريخ و ما يليه، وتمديد المواعيد النهائية لاستعمال القروض و عملية الدفع المؤجلة، و كذلك إلغاء عقوبة التأخر بالنسبة للديون المستحقة بتاريخ 31 مارس الفارط و ما بعده، والإبقاء على قروض الاستغلال أو تجديدها، وتنفيذ مجمل العمليات البنكية، وتكون هذه التدابير قابلة للتطبيق مدة ستة أشهر. وقبل ثلاثة أيام فقط وجه الوزير الأول، عبد العزيز جراد، تعليمة لجميع أعضاء الحكومة من أجل فتح مشاورات في كل قطاع مع منظمات أرباب العمل ونقابات العمال التي تنشط في العالم الاقتصادي، حول إشكالية الحد من الآثار الناجمة عن التدابير المتخذة من قبل الدولة للوقاية من فيروس كورونا ومكافحته. وألح جراد في مراسلته هذه على ضرورة مباشرة هذه المشاورات في أقرب وقت ممكن، وعرض التوصيات والنتائج والمقترحات التي يتم التوصل إليها على السلطات العليا قبل 23 ابريل الجاري، مشددا على إن الجهد المشترك يجب أن يوجه نحو القيام بداية بتقييم على مستوى كل قطاع نشاط لآثار الأزمة الصحية على وضعية المؤسسات من الناحية المالية والتشغيل. كما ينبغي لهذا التشاور أن يتمحور حول الإبقاء على النشاط الاقتصادي مستمرا في ظل التقيد الصارم بتدابير الوقاية من فروس كورونا ومكافحته، وكذا اتخاذ تدابير من اجل بقاء المؤسسات المتأثرة والحفاظ على الأداة الوطنية للإنتاج والانجاز، وأيضا البحث عن كيفيات تعبئة المجال الاقتصادي وتسييره أمام هذا الظرف الاستثنائي الذي تجتازه البلاد، بغرض الحفاظ على مناصب العمل والاستعداد لاستئناف النمو. ودائما في نفس الإطار قرر الوزير الأول في تعليمة جديدة أمس تعليق فرض العقوبات المالية على المؤسسات بسبب التأخير في الإنجاز وهذا للتخفيف من آثار إجراءات الوقاية من وباء كورونا (كوفيد- 19) و مكافحته، على الأداة الوطنية للإنجاز. وتدخل كل التدابير والقرارات سالفة الذكر في إطار الجهد والتفكير الذي تقوم به السلطات العمومية للتخفيف من وطأة الأزمة الحالية على الاقتصاد الوطني وأدوات الإنتاج في المستقبل، وبالتالي حماية الآلاف من العمال والموظفين وضمان استمرارية نشاطهم بعد انجلاء هذا الوباء عن بلادنا وعن العالم ككل. وتعتبر هذه الخطوات الاستباقية مهمة في هذا الظرف الحساس الذي مس اقتصاديات كل دول العالم، والذي لا يعرف أحد حتى الآن كيف سيكون عليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي العالمي بعد نهاية فترة كورونا، في وقت فقد فيه الملايين من البشر وظائفهم عبر العالم، و في وقت تراجعت فيه أسهم ونشاطات الشركات الاقتصادية الكبرى وانحسرت إلى حد كبير.