يعد التقني العامل بشركة سوناطراك بالجنوب، نور الدين بوعايشة، واحدا من المتطوعين الذين قرروا خوض العمل الميداني لدعم جهود التصدي لوباء كورونا بقالمة، من خلال عمليات تعقيم مستمرة لمرافق الخدمات رفقة مجموعة من الشباب ، إضافة إلى صنع كمامات، كل ذلك من ماله الخاص، وقد عاش نور الدين لحظات رعب عندما أدخل مصلحة كورونا كحالة مشتبه فيها وخرج منها أكثر عزيمة. و قد بدأ نور الدين عمليات التعقيم شهر مارس الماضي، قبل أن تبدأ الإصابات بالظهور في قالمة، حيث قرر خوض المعركة لصد الوباء معتمدا على إمكاناته الخاصة. و قال نور الدين للنصر، بأنه كان ينوي الذهاب إلى العمرة رفقة زوجته قبل الجائحة العالمية التي تجتاح الكوكب بلا رحمة و عندما حل الوباء بالبلاد، أنفق المبلغ المالي المخصص لزيارة البقاع المقدسة، في شراء 30 مضخة محمولة على الظهر و محاليل تعقيم يبلغ ثمنها مليون سنتيم للتر واحد و هو معقم صحي و بيئي فعال يبلغ تركيزه 1 لتر في 200 لتر من الماء. و قد وزع نور الدين مضخات كثيرة على مؤسسات حكومية، بينها إدارات و مستشفيات و الباقي استعمله لتجهيز فريقه المتطوع، حيث تم وضع برنامج عمل فعال يعتمد على روح التضامن بين أفراد الفريق و الصبر و الشجاعة. في النهار يقوم الفريق الذي يقوده نور الدين بتعقيم المقرات الحكومية و سلالم العمارات السكنية و في الليل يتولى مهمة تعقيم مستشفيات الولاية و كانت البداية بمستشفى مدينة بوشقوف، أين ظهرت أول إصابة وسط الطواقم الطبية بقالمة، عندما أثبتت التحاليل أن طبيبا جراحا من مدينة عنابة أصيب بفيروس كورونا و أعلنت حالة الطوارئ بالمستشفى و ظهرت إصابات أخرى وسط طواقم التمريض و عائلاتهم و كاد العمل أن يتوقف بأكبر مستشفى بالإقليم الشرقي لولاية قالمة. و تحول المستشفى الكبير إلى موقع للرعب، لا أحد يرغب في الدخول إليه حتى لو كان مريضا و أمام هذا الوضع الصعب، توجه نور الدين مع فريقه إلى المستشفى المهجور و أنجز برنامج تعقيم وفق المقاييس الصحية و البيئية المعمول بها و ساعده أطباء من المستشفى قرروا رفع التحدي و مواجهة الخوف و الرعب الذي سكن الجميع و عاد الوضع إلى طبيعته و عادت الطواقم الطبية للعمل من جديد وسط حذر و إجراءات وقائية مشددة. من مدينة إلى أخرى، ظل نور الدين يتنقل مع فريقه كلما دعت الضرورة و ظهرت إصابة مؤكدة هنا و هناك و أصبح فريق التحدي رمزا للشجاعة و البطولة. ينام نور الدين ساعات قليلة من الليل و مع مرور الزمن بدأ عبء المسؤولية يتزايد و بدأ يشعر بالتعب و الإرهاق و عائلته تعيش الجحيم و الرعب خوفا من تعرض معيلها لمكروه و هو على تماس مباشر مع الفيروس القاتل في كل مكان و خاصة داخل المستشفيات التي صارت أماكن رعب للطواقم الطبية و للمواطنين. من قيادة فريق التحدي إلى سرير المرض بمركز علاج كورونا في مهمة تعقيم شاقة كان يقوم بها في إحدى المرافق الحكومية بمدينة قالمة، شعر نور الدين بألم و تعب شديدين و نقل إلى مستشفى ابن زهر للأمراض المعدية و أصيب فريق المتطوعين و كل من كان على اتصال بنور الدين به بصدمة عنيفة و اعتقد الجميع أن الرجل ربما يكون قد أصيب بوباء كورونا و ربما يكون قد نقل العدوى إلى أشخاص آخرين من فريق التطوع و أفراد عائلته، و انتشر خبر نقل الرجل إلى مركز علاج كورونا بمدينة قالمة، انتشار النار في الهشيم و انتاب القلق كل من كان يعمل معه و محيطه العائلي، لكن الرجل ظل صابرا متماسكا و هو ينتظر نتائج الفحص بالأشعة و قرار أطباء مستشفى ابن زهر. يقول نور الدين متحدثا للنصر، « أخبروني بأن صورة الأشعة فيها بقع ربما تشبه بقع الإصابة بفيروس كورونا و قالوا لي بأنه علي القبول بالأمر الواقع و التوجه فورا إلى مركز علاج مرضى كورونا لدخول الحجر الصحي و انتظار نتيجة التحليل من مخبر باستور، رغم كل هذا لم أشعر في البداية بقلق، لأنني كنت متأكدا من أنه مجرد تعب و آثار تدخين و رغم كل هذه الثقة التي كانت تملأ كياني و تغشاني بلطف، بدأت أشعر بنوع من القلق مع مرور الوقت و بكيت بحرقة ليس خوفا من الموت، لكن شفقة و حزنا على أشخاص أبرياء، ربما أكون قد نقلت لهم العدوى المدمرة و أنا لا أدري، تلقيت اتصالا من والي الولاية جزاه الله خيرا يسأل عني و أشخاص كثيرون، كنت بالطابق الأرضي للمستشفى و المرضى المصابون كانوا يعالجون بالطابق الثالث، فقط الحالات المشتبه بها توضع في الطابق الأرضي، في انتظار نتيجة التحليل و عندما تكون في انتظار نتيجة الكشف عن فيروس كورونا، كأنك تنتظر النهاية و تتمنى أن تكون سريعة حتى لا تتعذب أكثر، تنتابك الهواجس و الكوابيس العنيفة و تحاصرك من كل جانب و ترتسم أمامك تلك اللحظات التي قضيتها بين أهلك و أصدقائك على مدى سنوات العمر القصيرة، 48 ساعة من الانتظار الصعب، انتهت بسلام و جاءت النتيجة سلبية في ساعة متأخرة من الليل، فرح الطاقم الطبي كثيرا، الحالة السلبية بالنسبة لهم هي فسحة أمل و استراحة محارب، لم أتمكن من مغادرة المستشفى ليلا بسبب الحجر و انتظرت حتى الصباح و قبل أن أغادر أخبرت مسؤولي مركز علاج كورونا، بأنني سأعود قريبا لتعقيم كل أقسام المستشفى الذي صار مكانا للرعب لدى الناس، عدت مع فريقي أكثر عزيمة و قوة و أنجزنا المهمة بنجاح و هذا ثاني مستشفى أقوم بتعقيمه بطريقة علمية صحية بعد مستشفى بوشقوف و مازالت المهمة مستمرة حتى يستتب الوضع و يتراجع الوباء إن شاء الله». إجراءات وقاية مشددة ومتابعة لتطورات المرض نور الدين الإطار بشركة سوناطراك في الجنوب و العضو بالمجلس الشعبي الولائي بقالمة، متخصص في الإليكترونيك الصناعي و الكهرباء و نظم استغلال المحرقات، التلحيم و الترصيص الصحي و درس الحقوق أيضا، أجرى عدة تربصات و دورات تدريب في الخارج و هو على اتصال دائم بالطواقم الطبية الجزائرية و الأجنبية التي تكافح وباء كورونا بأوروبا، منها يستمد سبل الوقاية أثناء العمل و يطلع على آخر المستجدات المتعلقة بالتحولات الرهيبة التي تطرأ على الفيروس و طرق انتقاله و كيفية الإصابة بالعدوى و الأعراض المصاحبة لذلك و طرق التعقيم المجدية. و أمام ندرة وسائل الحماية من العدوى، أقام نور الدين بوعايشة، ورشة صغيرة بمنزله وسط مدينة بلخير الواقعة على بعد 5 كلم شرقي قالمة، لصناعة ممرات التعقيم و الأقنعة الواقية التي يقول بأنها بديلا فعالا للكمامات التي تنتهي فعاليتها بسرعة، كما أن الكثير من الأشخاص لا يتحملون هذه الكمامات بسبب مشاكل صحية. و قد صنعت الورشة الصغيرة، أكثر من 1000 قناع ستوزع كلها على الهيئات و فرق الطوارئ التي تقف على الخطوط الأولى في الحرب على الجائحة و كذلك على المتطوعين لدعم مختلف الفرق الميدانية العاملة و إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين. و أنفق نور الدين من ماله الخاص الذي كسبه من عمله بشركة النفط بالجنوب، لشراء المضخات و المحاليل الثمينة و المواد الأولية لصنع الأقنعة الواقية و أنفاق التعقيم، و هو مصر على مواصلة العمل بنفس العزيمة، بعد أن منحته شركته عطلة غير مدفوعة الأجر، عندما انتهت إجازته السنوية قبل أيام. و دعا نور الدين بوعايشة، كل الجمعيات و الفرق المتطوعة بقالمة، لمواصلة العمل و عدم الاستسلام للوباء و الإشاعات و الانتقادات المحبطة.