يؤكد رئيس المنتدى العالمي للوسطية، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، على ضرورة إقران النصوص الدستورية والتشريعات القانونية الخاصة بمكافحة الفساد بالقرار السياسي والإرادة المجتمعية ، ودعا إلى انتهاج سياسة جديدة ضد الفساد بتحريك الدعوى ضد كل مشتبه وتطبيق أقصى العقوبات في حق من تلاعب بقوت الشعب، أبو جرة الذي يقر بأن دسترة مكافحة الفساد ستمنح غطاء قانونيا وآلية تشريعية للقضاء يقول في هذا الحوار الذي خص به النصر، إن النظام السابق رسم الفساد وشرع لحماية المفسدين. حوار: ع سمير - النصر: وضعت السلطات مكافحة الفساد على رأس أولوياتها لبناء الجمهورية الجديدة، وفتحت ملفات فساد ثقيلة وصدرت أحكام قضائية في حق المتورطين، هل يكفي هذا للقول إننا نسير في الطريق الصحيح؟ الشيخ أبو جرة سلطاني: مكافحة الفساد قرار سياسي وإرادة مجتمعية قبل أن يكون نصوصا دستورية وتشريعات قانونية. فالقوانين موجودة ولكنها لا تصنع مواطنا صالحا. ولعلمك فإن الجزائر وقعت على اتفاقية مكافحة الفساد والحد من انتشاره سنة 2005. لكن الفساد تفاقم واتسعت دوائره وعم القطاعات كلها. وكانت الشعارات المرفوعة مجرد تسويق سياسي وإعلامي. وقد كشفت مجريات محاكمة بعض المفسدين ومن كانوا يوفرون لهم الحماية والحصانة عن أن النظام السابق قد قام بترسيم الفساد وتنزيل درجته من جريمة إلى جنحة. فلا فرق بين من يسرق حبة ومن يستولي على قبة. فالمشكلة في اللصوص وليست في النصوص. كما كان قال الشيخ نحناح رحمه الله. - النصر:جاء ضمن مقترحات مشروع تعديل الدستور، دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية، كيف ترون هذا الاقتراح؟ دسترة هيئة مكافحة الفساد والحد من انتشاره لا يحل الأزمة إذا لم تكن هناك إرادة سياسية تجعل المفسدين عبرة لغيرهم بتجريدهم من جميع ممتلكاتهم ورد المنهوبات إلى خزينة الدولة. وإلا فما فائدة أن يحكم على مختلس الملايير والبلايين والشقق والفيلات والمصانع والبنوك بالسجن كذا سنة وتظل الأموال المنهوبة بحوزة ورثته؟ ماذا تستفيد الدولة من حبسه وسلبه الحرية؟ ماذا يستفيد المواطن من اختفائه من مسرح الأحداث بينما حقه منهوب ورزقه مسلوب. فدسترة مكافحة الفساد غطاء قانوني وآلية تشريعية تعطي للقضاء قوة أعلى لكن الواقع بحاجة إلى إرادة سياسية تجعل عصا القانون تضرب بيد من حديد وتضع كل مواطن في مكانه المناسب. - النصر:أسست الجزائر هيئات وآليات عديدة لمكافحة الفساد دون أن يكون لها أي دور فعال في مكافحة الفساد و ردع المفسدين؟ صحيح الآليات موجودة واللجان والهيئات والخطب.. لكن الفساد ينتشر كل يوم حتى صار ثقافة وطنية لها أسماء براقة كالقهوة والإكراميةوالتشيباوحق الخدمة والعرق والجرية وباب المعريفة، الخيط. وادهن السير يسير..الخ. والنتيجة أن من يدفع يمر ومن يرفض تتعطل مشاريعه ويتواصى عليه المفسدون فيتم وضعه على لائحة المحرومين من المشاريع والترقيات والقروض.. حتى صرنا نسمي من يخرق القانون قافزا ومن يلتزم بالنظافة والنزاهة ناس ملاح. ولكن لا يعول عليه. - النصر:برأيكم ما هي الخطوات العملية التي يتوجب تنفيذها لقطع دابر الفساد في الجزائر ؟ يتوجب على السيد رئيس الجمهورية انتهاج سياسة جديدة ضد الفساد تضيف إلى ما هو موجود، وهناك ثلاث خطوات رادعة. أولا تحريك الدعوى ضد كل مشتبه في فساده بمجرد ظهور ما يدل على ثرائه السريع. وثانيا تنفيذ حكم الإعدام في حق من تلاعب بأقوات الشعب أو تاجر بالمخدرات أو اختطف الأطفال؛ فقطع الأرزاق من قطع الأعناق وترويع الآمنين حرابة وبغي يجب دفعهما بما أمكن. وثالثا تغليظ عقوبة المفسدين والمختلسين واشتراط سلبهم ممتلكاتهم حتى يصبح كل من ثبت فساده حالة اجتماعية تتكفل الدولة بضمان عيشه فقط ضمن حقوق التضامن الوطني. - النصر:إذن تعتقدون أن الردع هو الحل الوحيد لوقف آفة الفساد؟ أثبتت حقائق الميدان أن من لا يخشى العاقبة يعيث في الأرض فسادا. والحل هو الردع القاسي: فاليد التي تمتد إلى المال العام يجب قطعها. والنفس التي تستولي على أرزاق الشعب يجب إعدامها. وكل من تسول له نفسه المساس بأموال الغير عليه أن يتوقع ردعا يرده إلى جادة الصواب. لقد استخف كثير من النافذين بالقانون حتى صاروا يفصلون الدساتير والتشريعات والمراسيم التنفيذية على مقاسهم في كل مظاهر الحياة. والحكمة تقول: من اغتصب السيف حري أن يقتل به. - النصر:دعوتم في السابق إلى هبة وطنية ضد الفساد، كيف يمكن إقناع المواطنين بالانخراط في مسعى محاربة الفساد وهو يرى مسؤولين سابقين ومنتخبين عاثوا في الأرض فسادا ولم يتعرضوا للمساءلة ؟ مكافحة الفساد ثقافة وطنية عامة تبدأ بالوعي وتتدرج في محاصرة المفسدين والتضييق عليهم والتبليغ عنهم وحماية المبلغ. وتشمل كذلك كشف المرتشي والمتواطئ معه والتشنيع بهما وتحقير فعلتهما. وتنتهي بالقرار السياسي وبعصا القانون الرادعة. فرئيس الجمهورية وحده لا يستطيع مقاومة منظومة فساد مهيكلة عمرت طويلا وعششت في كل مفاصل الدولة. فأول الفساد بدأ بمصادرة إرادة الشعب فزور الانتخابات وانتهى بتبوء المزورين المراتب الأولى في السلطة التشريعية فتزاوج المال السياسي مع البيروقراطية وأثمر الفساد غابات من الشوك يصعب على رجل واحد اقتلاعها ولو كان عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه). ولذلك دعونا إلى هبة وطنية عارمة لتعرية الفساد ومحاصرة المفسدين ومنع التشويش على العدالة لتأخذ مجراها باستقلالية وشفافية وحياد وإنصاف. مع استصحاب قرينة البراءة والحرص على رد الاعتبار للمظلومين فورا. - النصر:أطلقتم مبادرة «فساد قف» سنة 2006 التي أثارت وقتها جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية، كيف ترون محاكمة رؤوس الفساد في الجزائر، التي يراها البعض تصفية حسابات ؟ الشيخ أبو جرة سلطاني: لا وجه للمقارنة بين مبادرة « فساد قف» التي أطلقناها سنة 2006 عندما كان الفساد حالات معزولة وتصرفات فردية. وبين ما جرى بعد الحراك مما سمي بتعقب أفراد العصابة. ولكن المحاكمات كشفت عن شبكة وطنية واسعة تبدأ من البلدية وتضرب في عمق رئاسة الجمهورية. فلو بدأنا بمكافحة الفساد سنة 2006 لجففنا منابعه. لكن الماسكين بزمام الحكم تأخروا 14عاما ففتح الطريق أمام كل ناهب حتى صرنا نسمع عن أرقام فلكية تصعب قراءتها فما بالك بمعرفة الطرق التي تم بها نهبها. أما ما يقال عن مجريات المحاكمة فليس من عادتي التعليق على عمل القضاء ولا على ما ينشر من تغريدات في الفضاء الأزرق. - النصر:كثيرون يعتقدون أن مكافحة الفساد مسار طويل ويجب أن يفضي في النهاية إلى استعادة الأموال المنهوبة ما هو رأيكم؟ مازلنا في البداية. ولعل ما جاء في مسودة الدستور الجديد والوتيرة التي تجري بها تعديلات على القوانين الخاصة بمكافحة الفساد وبعض مواد قانون العقوبات تمنح القضاء آليات إضافية تتيح للقاضي مستقبلا مجالا أوسع لتكييف الفساد من جنح إلى جرائم. فيكون الحكم الصادر في حق المفسد مغلظا والعقوبة رادعة. ولكن الشعب ينتظر استرجاع الأموال المنهوبة ومصادرة ثروات من ثبت تورطهم في الفساد. - النصر:مع ما تشهده البلاد اليوم من محاكمات هل تعتقدون أن شعار «فساد قف» أصبح اليوم حقيقة وهل ترون بان التاريخ قد أنصفكم بعد حملات التشويه التي طالتكم آنذاك؟ مبادرة «فساد قف» قد تم وأدها في مهدها بخطاب ناري لرئيس الجمهورية السابق وبتحرش المستفيدين من ريوع النفط الذي بلغ وقتها سقف 120 دولارا للبرميل. وقد فهمت بعد إطلاق المبادرة أن الإرادة السياسية كانت مع العصابة وليس مع من يريد وقف فسادها. واليوم وقد مضت 14 عاما على ما حذرنا منه ووقع الفأس على الرأس فقد أثبت التاريخ خطورة ما حذرنا منه وأيد صواب شعارنا « فساد قف» وسوف تكشف الأيام أننا كنا ضحايا حبنا للجزائر والغيرة على الثوابت ولكن وسائل الإعلام سعت في تشويهنا وبعضها قبض ثمن خدمته. واليوم فتح الحراك أعين الغافلين والطيبين وضحايا البروباغندا فاكتشف أن بعض الذين حكموا هذا الوطن كانت لهم أجندات مستقبلية. لو لم يرفع لها الحراك شعار رحيل النظام بكل مكوناته لكنا اليوم أتباعا لموريس. والحمد لله الذي يمهل ولا يهمل. س.ع