عيد الفطر من الأعياد الكبرى للمسلمين، جاء عقب عبادة جليلة وركن عظيم من أركان الإسلام وهو الصيام، وقد أمر النبي المسلمين بالاحتفال به، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: (ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر). ويُشرع للمسلم الفرح والسرور فيه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ). فالعيد يحمل معنى الفرح والسرور النفسي المعبر عن شكر الله تعالى على نعمة صيام رمضان وقيام لياليه، والعمل الصالح فيه، وكأن المسلم بفرحه يعبر عن شكره لله تعالى على نعمة التوفيق والهداية وتيسير العبادة مع رجاء القبول منه عزّ وجلّ، قال تعالى :( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وقد كان أصحاب رسول الله إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: «تقبل الله منا ومنك». ونظرا لانتشار الوباء والخوف من انتقال العدوى، يُكتفى بالتهنئة عن طريق وسائل الاتصال والوسائط المختلفة، فإنها تحقق الغرض إن شاء الله تعالى، وتؤدى الصلاة في البيوت. إن العيد فرصة للترويح عن النفس لتأخذ حظها من الراحة والفرح واللهو المباح بعد طول عبادة من صيام وقيام دون الخروج عن آداب الشرع، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ : (دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ)، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي) ومن المقاصد العظيمة التي شرع لأجلها العيد في الإسلام بعد نعمة عبادة الصيام، تقوية الروابط بين أفراد المجتمع، وترسيخ الأخوة الإيمانية بينهم، والعيد فرصة لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتُوطد العلاقات، وإصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، قال تعالى:((فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ))، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ). صلاة العيد زمن الوباء يستحب يوم العيد الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب، والخروج للصلاة وإذا تعذر على المسلم أن يصلي العيد في المسجد لمرض، أو وباء أو أي عذر قاهر، يصليها في بيته لوحده أو مع أفراد عائلته، بلا خطبة، وهي ركعتان جهرا، يكبر في الأولى سبع تكبيرات بما فيها تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات عدا تكبيرة القيام. ك.ل عبادات زمن الوباء والجديد الفقهي عاش المسلمون حالة تاريخية استثنائية، دفعت الفقهاء للاجتهاد والتجديد للتصدي للنوازل الفقهية؛ وأخطر ما فيها أنها تعلقت هذه المرة بالعبادات، وليس بالمعاملات الأسرية أو المالية أو السياسية، وبقدر ما استطاع الفقهاء أن يجدوا في مقاصد الشريعة ومرونة نصوصها ما يتصدون به للنازلة، فيحفظون على الناس دينهم وأنفسهم، بقدر ما سمح لهم ذلك بتكسير هاجس الخوف من الإقدام على الاجتهاد في مسائل كان يعتقد أنها محسومة بسبب الاشتهار وغلبة العادة، رغم عدم قطعية النصوص المؤسسة لها. ففي زمن الوباء وجد الفقهاء أنفسهم يفتون بتعطيل الجمع والجماعات والأعياد، ويغلقون المساجد بما في ذلك الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى؛ بل وبتعطيل العمرة والحج، وبتعجيل الزكاة، لا لشيء إلا لأن المصلحة القطعية في حفظ الأنفس رجحت ذلك؛ بل إن البعض اقترح صلاة افتراضية يتابع فيها المأموم إمامه عبر مكبرات الصوت أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، بدل الحضور الجسدي في الجوامع، ناهيك عن فتاوى الحجر الصحي والتمريض، والمبادلات التجارية، ودفن وتغسيل الموتى، والتقارب الإنساني بين الأمم. إن من ثمار هذا التحول الفقهي عودة سلم الأولويات الشرعية إلى نصابه وعودة تراتبية العبادات إلى طبيعتها الأصلية، أولويات المقاصد الضرورية (الدين والنفس والعقل والمال والعرض)، على المصالح الحاجية والتحسينية، وأولوية الحاجية على التحسينية، وأولوية الفرائض على النوافل، ودرء المفسدة على جلب المصلحة، وعودة التوافق بين الفقه والواقع؛ والتكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية والإنسانية، كما كان عليه الحال في عز الحضارة الإسلامية. لقد أخذت الكثير من العبادات موقعها الشرعي الطبيعي بعيدا عن غلبة العادة والأعراف، فقد أدرك المسلمون بل العالم كله أهمية الزكاة في التخفيف من عبء الجائحة؛ فصدرت فتاوى بمشروعية تعجيل أدائها؛ ولو بعام أو عامين، وكذا تقديم زكاة الفطر عن موعدها للضرورة والحاجة، وبالمقابل أخذت صلاة التراويح موقعها الطبيعي باعتبارها سنة مؤكدة وليست فريضة، وعبادة فردية في أصلها تؤدى في البيوت وليست عبادة جماعية تقام في المساجد، بعد أن أنسى اشتهار الاجتهاد العمري الناس طبيعتها!، كما أدرك من ألف التكرار؛ أن فريضة الحج مرة في العمر، وأن العمرة مجرد سنة مؤكدة ولا معنى لتكرار ومزاحمة من لم يستطع الأداء بعد، وقد يفوز بالثواب ذاته إن هو أنفق مال هذه الرحلات في أبواب الخير التي يحتاجها المسلمون. ولئن خرج الفقه سالما غانما من صدمة الجائحة وارتداداتها، واستطاع التكيف مع انعكاساتها فمن المؤكد أن الاجتهاد الفقهي سيعرف تطورا بعدها، منهجا وموضوعا؛ لأن التحولات الكبرى في تاريخ العلوم حدثت نتيجة الصدمات الطبيعية والاجتماعية والسياسية والحضارية. ع/خ رحيل رجل المصارف الإسلامية مالك قناة إقرأ فقدت الصيرفة الإسلامية قامة من قاماتها، بوفاة رجل الأعمال السعودي صالح عبد الله كامل الإثنين الماضي، المرحوم مالك «قناة اقرأ»، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة كل من مجموعة «دله البركة»، و»مجموعة البركة المصرفية»، ومالك ومؤسس ورئيس «راديو وتلفزيون العرب»، ورئيس مجلس إدارة كل من «المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية»، و»الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة»، ورئيس لجنة المشاركين في «محفظة البنوك الإسلامية»، ومؤسس ندوة البركة الدولية، وعضو الهيئة الاستشارية لرئيس «مجموعة البنك الإسلامي للتنمية»، وعضو كل من «الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية»، و»الأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام»، والمجلس الدائم ل»صندوق التضامن الإسلامي»، وقد نال عدة جوائز، منها: «جائزة رجل المصارف» من «البنك الإسلامي للتنمية» عامي 1995 و1996، و»جائزة رجل أعمال الخليج» عام 1993، ولديه كتاب بعنوان «هذا فهمي للزكاة». شروط إعادة فتح المساجد سمحت بعض من الدول المسلمة بإعادة فتح مساجدها تزامنا ونهاية شهر رمضان وجمعته الأخيرة، وصلاة عيد الفطر؛ لكنها وضعت لذلك شروطا أهمها: الوضوء في المنزل.، وفحص الحرارة قبل الدخول ووضع الكمامات والقفازات وإحضار سجادة صلاة ، ومنع حضور المصابين بأمراض، وكبار السن ومن لا تجب عليه تلك الصلاة، والتباعد أثناء الصلاة، وعدم المصافحة. تفعيل الخطاب المسجدي في الفضاء الافتراضي خلال جائحة كورونا بعد أن ظل الخطاب المسجدي الرسمي حاضرا بشكل محتشم في الفضاء الافتراضي تاركا الفراغ للأفكار المتطرفة التي ضاقت بها فضاءاته، بسب أطروحاتها الخارجة المخالفة للإجماع والسياق العام، أحدث الغلق الاضطراري للمساجد بسبب جائحة كورونا تعديلا في الموازين، حيث أطلقت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على صفحتها برنامجا يحمل عنوان: "زاد الصائم" و"فتاوى علماء الجزائر"، وحثت على الأئمة على استخدام الوسائط الإعلامية الجديدة، ما جعلهم يحضرون في المنابر الافتراضية بدروس مباشرة تفاعلية وأخرى مسجلة. وفي هذا الصدد شهدت صفحة الفايسبوك "المركز الثقافي الإسلامي "بالعاصمة نشاطا متنوعا من استضافة متخصصين في علم النفس والاجتماع ونشاطات تربوية ومسابقات موجهة للأطفال، منها سلسلة "مرافقة الأبناء في ظل الوباء" و"طفلك في رمضان" رفقة الأخصائي في التربية د.سعيد بهون علي ومسابقة رمضان الالكترونية. وفي تبسة أطلقت مديرية الشؤون الدينية سلسلة بعنوان: "مجالس النور" يؤطرها الأئمة، وتبث عبر صفحتها بالفايسبوك واليوتيوب، وقد اعتبر مدير الشؤون الدينية بختي سحوان أن توجه الأئمة إلى الوسائط الاجتماعية له عدة أسباب منها: انتشار استخدام غالبية المواطنين لمواقع التواصل ما سهل الوصول إليهم، علاوة على طبيعتها التفاعلية، حيث تتيح طرح الأسئلة والاستفسارات، مشيرا إلى أن عدد متابعيها أكثر ممن يحضرها مباشرة في المسجد. وفي قسنطينة دأب مسجد إبراهيم بيوض بماسينيسا بالخروب على تنظيم دروس مباشرة في شتى المواضيع من أئمة وأساتذة جامعيين، وقد حرص القائمون على البث المباشر مراعاة الجوانب التقنية من ديكور وجودة الصوت والإضاءة.، وعن هذه التجربة صرح إمام المسجد الشيخ محمد بوشمال لجريدة النصر أن الغرض الأساسي هو أن "نُشعر الناس أننا معهم في هذه الأزمة ولسنا منقطعين عنهم، وأن نصل إلى البيوت لنشر العلم والوعظ والوعي، وقد شجعنا تفاعل المتابعين للصفحة على مواصلة بث الدروس. كما اعتبر د.عبد الوهاب العمري؛ وهو داعية وإمام متطوع بأم البواقي أن مواقع التواصل الاجتماعي مكنت خلال الجائحة الكثير من رجالات الفكر والإصلاح من التواصل مع أطياف الأمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعليما وإرشادا ونصحا، ويقوم هو ببث دروس عبر قناته في اليوتيوب. وبخنشلة بادرت مديرية الشؤون الدينية إلى تنظيم مسابقة في أداء القرآن الكريم، جل من خاضها براعم وشباب، وتقيم من قبل أساتذة ومن قبل متابعي الصفحة عن طريق عدد الإعجابات. وبمستغانم نظمت اللجنة العلمية بمسجد عباد الرحمان الطبعة3 لخيمة التذكير تحت اسم *سيدي محمد بلكبير*، ولكن هذه المرة على صفحة المسجد على الفايسبوك، ويحدثنا أ.د.العربي بوعمامة أستاذ الإعلام بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، وعضو اللجنة العلمية بالمسجد أن تجربة بث المحاضرات والدروس أعطتنا فرصا كثيرة من بينها مشاركة واسعة من جميع أنحاء البلاد ربحا للوقت والجهد، كما أتاحت فرصة استضافة علماء من المغرب والمشرق العربي مما قلل عناء التنقل وتكاليفه، ويعتبر أن الخطاب المسجدي توسع وازداد نشاطه في الفضاء الافتراضي خلال الجائحة، واستشرف أن تكون فرصة لانطلاقة ما بعد الوباء بعدما وقف الأئمة والدعاة على ايجابيات استخدام منصات التواصل الاجتماعي. وبوهران تسابق الأئمة إلى نشر المواد الدينية عبر صفحات المساجد وحسب مدير الشؤون الدينية مسعود عمروش فإن الأئمة صاروا يهتمون بالجانب الشكلي والتقني، لتكون دروسهم في صورة جذابة. وبتمنراست يواظب الشيخ عبد الرحمان عسالي إمام بمسجد الفتح بالزياتين على شرح متن العبقري، في الفقه المالكي على حسابه في الفايسبوك، وقناته على اليوتيوب، معتبرا هذه الوسائط فرصة لنشر العلم. وبتندوف يواظب الأئمة على إلقاء دروس عبر منصات التواصل الاجتماعي ضمن برنامج سمي (درس الإمام من بيته)، منهم د.مالك براح مدير الشؤون الدينية والمشايخ: احمادو اباحمو، ومحمد صديقي، وعبد الرحمن حمادينا، وعبد الرحمن بكاري، والطيب بن مشاط، ومولود تبركان، أحمد بخوتي، عبد المنعم تواقين، وأحمد محمود خونا وبوجمعة العرابي. إن هذه النماذج والتجارب التي عرضناها وغيرها، تمثل فرصة حقيقية للخطاب المسجدي والديني الذي يمثل المرجعية الوطنية، لاستعادة الفضاء الرقمي وحمايته من أن يتحكم فيه أصحاب المضامين المتشددة والمشبوهة؛ خصوصا أن أهم شريحة قد تتأثر بهم هي شريحة الشباب الأكثر حضورا في الفضاء الافتراضي، كما أن التحكم في تقنيات التواصل الجديد يثري التجربة الاجتماعية للائمة ويجعلهم على اطلاع مستمر للاتجاهات والحاجيات الاجتماعية.