ينزع الأميرُ عمامته حين يذهب إلى التلفزيون ليخاطب العالم ويشمّ رائحة المذيعة التي تتجاوب مع لغته بإيماءات تطربه فيغضّ البصر مؤجلا شهواته المعلومة إلى يوم غير معلوم، يرتدي الأميرُ بذلة أوروبية، يرتدي بشاشة مدروسة ولحية خفيفة تكاد لا تُرى، يعدّ لغة منزهة ومنقاة من شوائب الخطاب يعرف أنها لا تروق بلطجية العصر الساهرين بأعين لا تنام على تحولات أقاليم العرب. يتفحّص الأمير أسنانه البيضاء في المرآة، ثم يغمز صورته الحقيقية الواجمة في خلفيّة الصورة مطمئنا: سأعود إليك حين يصير لي ما أريد. يتدرّب الأميرُ على لغته كما يتدرّب على السلاح. لا بد أن تكون اللغة لمّاحة وحمّالة أوجه، لا تخيف العدو وتطمئن الصديق. لا بد من سجع يحمل العبارة خفيفة إلى الأذن. لا بد من براهين تسند المقدمات فتذلل السبيل إلى المقاصد. يعرف الأميرُ أن الوقت وقته، لم يعد في حاجة إلى التلويح بالمصحف في الشارع، لم يعد في حاجة إلى الصراخ والتكبير، لم يعد في حاجة إلى تهديد يهود خيبر بجيش محمد. يعرف أن التاريخ هكذا: تخيفك حصونه العالية و أبوابه العصية، وحين يصيبك اليأس وتذبل رغبتك في الاقتحام تلمع فكرة معالجة الباب الضخمة بمفتاح صغير مقلد فتستجيب الباب ساخرة من جهد كان يجب توفيره لغير الفتح المبين. هل قرأ الأمير رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا وفهم كيف تُطبخ الحقيقة في صحن العقيدة؟ وهل وفر على نفسه جهد التفكير في فتح الباب وجهد أسلمة الديموقراطية الغربية التي بدا أخيرا أنها ليست طريقة الكفار في الحكم ولكنها طريق المسلمين لاستعادة الخلافة. لقد فهم ذلك أحفاد عثمان بن أرطغرل، ويبدو أن الفهم أصاب أطفال حسن البنا، وأصاب أبا جرة مراقب الإخوان في المغرب الأوسط الذي ضاق بمتعة "المشاركة " فراح هذه الأيام يهدّد بشق عصا الطاعة ويطالب بصحن واسع من "الاصلاحات". يعرفُ الغربُ شاربُ النفط سافكُ الدماء أنه لم يعد في حاجة إلى ديكتاتوريات طيّعة فلا بأس أن يجرّب الإمارات الطيّعة ما دامت مُتعته ستدوم خمسين سنة أخرى مما نعد، ويفهم ذلك الأمير ذو الأسنان البيضاء الذي يغمز صورته في المرآة و يشمّ رائحة المذيعة المعدلة جينيا في التلفزيون المحايد. سليم بوفنداسة