كرست الحاجة باية حملاوي، 67 عاما من عمرها في تعلم و تعليم تطريز و تصميم و خياطة الأزياء التقليدية القسنطينية، حتى في الحقبة الاستعمارية، متحدية كل الظروف الصعبة و العراقيل التي واجهتها، فبدل اللعب و اللهو و هي طفلة صغيرة، قررت أن تداعب الإبرة و الخيط مبكرا، فكانت تجمع قطع القماش لتصمم و تخيط فساتين للدمى ثم لنفسها، لتوقع انطلاقتها في هذا العالم الحرفي و الفني، و تصبح بمرور الزمن و تراكم الخبرات، من أشهر مصممي قندورة القطيفة و مختلف الأزياء التقليدية القسنطينة، سواء في مدينتها أو بمختلف ولايات الوطن و حتى في الخارج، حيث عرضت ما تبدعه أناملها، و توجت بعدة جوائز. باية حملاوي سيدة من طينة الكبار، شغفها بالتصميم و الخياطة و التطريز باليد جعلها تكرس حياتها لممارستها، و رغم بلوغها اليوم 78 عاما، إلا أنها لا تزال تواصل نشاطها و تتقنه و تحرص على القيام بأدق التفاصيل بمفردها، كما تصر على تلقين حرفتها للأجيال الصاعدة، و تزرع فيها حبها و حب الزي التقليدي و المحافظة عليه و الترويج له باستمرار، لتتوارثه الأجيال. تصاميم تستلهم من أغلفة المنتجات الغذائية تحدثت الحاجة باية للنصر عن بداياتها في مجال الخياطة، فقالت بأنها و منذ كانت طفلة في 11 من عمرها، اكتشفت حبها لتصميم الأزياء، فوجدت في عالم الدمى التي كانت تصنعها بنفسها ما يحقق مبتغاها، فأصبحت تجمع قطع القماش، و تقوم بخياطتها بنفسها، مشيرة إلى أنها كانت تطمح لتعلم التصميم على يد مختصين، وفق أصوله الصحيحة، غير أنها لم تتمكن من ذلك بسبب الاحتلال الفرنسي، حال دون ذلك، فاعتمدت على نفسها كليا و كانت عندما تذهب إلى البقال لاقتناء ما تحتاجه عائلتها من مواد غذائية، تختار علامات تجارية توجد على أغلفتها أو أكياسها صور أشخاص، و بعد أن تنفد المادة الغذائية، تقوم بقص الصور و تجفيفها، لتعتمد عليها في تصميم ألبسة مماثلة. تمكنت المصممة الحاجة باية من تطوير حرفتها، بفضل عمتها المتخصصة في هذا المجال، كما قالت، فأصبحت تتكفل بخياطة ملابس إخوتها و هي في سن 15 من عمرها، و تلقن قريباتها و جاراتها أبجديات هذه الحرفة، من خلال خياطة الراية الوطنية و إرسالها للمجاهدين. و قالت عن تلك الحقبة البعيدة و الصعبة «كنت صغيرة غير أنني مشبعة بالروح الوطنية، فسعيت بكل ما أملك من إمكانيات للمساهمة في الاحتفال باستقلال وطني، فكان آنذاك السيد سليم بن لهشيلي يوفر لي الأقمشة، فقمت بخياطة الرايات الوطنية، و كذا بدلات نسائية بألوان الراية الوطنية « . تعليم التصميم و الخياطة مجانا للحفاظ على الزي بعد دخول الحاجة باية بيت الزوجية، لم تتوقف عن نشاطها بفضل دعم زوجها لها، فلمست عند جاراتها، و بناتهن الرغبة في تلقي دروس التصميم و الخياطة، فلم تتوان في ذلك، فقدمت لهن ما بجعبتها من أسرار هذه الحرفة مجانا، للحفاظ على الزي التقليدي و نقله من جيل إلى آخر، و هن الآن محترفات في المجال و ينافسنها ، و تشعر بالسعادة لنجاحهن، و ترى بأنها تقطف ثمار ما زرعته . رزقت الحاجة باية بالبنين و البنات، لكن مسؤولياتها كزوجة و و ربة بيت، لم تمنعها من مواصلة مسارها ، و حتى تعلم أشياء لم تكن تتقنها من قبل، فعند بلوغها سن 30 ، قررت تعلم طرز المجبود و الفتلة، على يد عمتها التي اشتهرت بهذه الحرفة اليدوية، فظلت تتعلمها و تمارسها إلى حد اليوم، مشيرة إلى أنها تختلف عن بقية الحرفيات لأنها لا تعتمد على الشكل «الرشمة» في الطرز، و إنما تقوم بالتصميم و الرسم بنفسها، لأنها تحب تجسيد أشكال جديدة من وحي خيالها. كما تحرص على تصميم موديلات فساتينها بنفسها، مؤكدة بأنها ضد عصرنة هذه الحرفة، و إدخال تحديثات عليها، و اعتماد الآلة في الطرز، لأن ذلك يؤثر على قيمتها و رمزيتها. طلبيات من داخل و خارج الوطن محدثتنا قالت بأنها أشرفت على تصميم أزياء تصديرة عدد كبير من المقبلات على الزواج، فكانت تصمم الأزياء السبعة التقليدية التي كانت تحرص العروس على ارتدائها في تلك المناسبة، و ذلك قبل أن يتقلص عددها اليوم. و ذكرت أنها كانت تصمم إلى جانب قندورة القطيفة، القفطان و الشامسة و غيرها، مشيرة إلى أنها لم تحصر نشاطها في الأزياء التقليدية فقط، بل كانت أيضا تصمم و تخيط فساتين الزفاف و السهرة ، و زبائنها لم يكونوا من داخل الولاية فقط، و إنما يقصدونها من مختلف ولايات الوطن، كما تصلها طلبيات حتى من خارج الوطن. و عن الجوائز التي تحصلت عليها في مسيرتها، قالت بأنها كثيرة، أبرزها حصولها مرتين على جائزة اليد الذهبية، فيما نالت الجائزة الأولى في عديد المناسبات، إلى جانب مشاركتها في معارض دولية، و كذا حفلات فنية قدمت خلالها عروضا للأزياء، فتفاجأت حينها بحجم التفاعل و الإقبال، و الجمهور الغفير الذي انبهر بما قدمته، كما تفتخر بوصول أزيائها إلى عدد من الدول العربية، كسوريا . الإشراف على ركن الخياطة في صباحيات ..محطة مهمة محدثتنا ترى بأن من أهم محطات مسيرتها في عالم الخياطة و التصميم، إشرافها و لمدة سبع سنوات، على ركن الخياطة، في برنامج «صباح الخير» عبر التلفزيون الجزائري، حيث استطاعت أن تكتسب قاعدة جماهيرية واسعة من المهتمات بالخياطة المحترفات و حتى الماكثات في البيوت اللائي رغبن في تعلمها، فكانت تقدم أدق تفاصيل الأزياء التقليدية، بدءا بقندورة القطيفة، انطلاقا من طريقة التطريز و التفصيل و الخياطة و أخذ المقاسات و غيرها، من أسس تعلم هذه الحرفة.