استفحلت ظاهرة تصوير الموتى، خاصة ضحايا حوادث المرور و المنتحرين، و نشر صور و فيديوهات لهم عبر تقنية النقل المباشر في فايسبوك، بكل ما تضمه من مشاهد مأساوية و صادمة، ليحقق ملتقطوها السبق و الإثارة، و يرفعون عدد متابعيهم، و هو ما اعتبره مختصون تجردا من الطبيعة الإنسانية لدوافع افتراضية، و انتهاك لحرمة الموتى، و استهتار بمشاعر العائلة و المجتمع، حيث أكد إمام و خطيب للنصر، بأنه لا يجوز شرعا انتهاك حرمة الميت، فيما ذكر مختصون في علم النفس و الاجتماع أسباب انتشار و دوافع هذه الممارسات و أجمعوا على خطورتها و تهديدها لبنية مجتمعنا. استطلاع/ أسماء بوقرن تغلبت الأهداف الافتراضية على الطبيعة الإنسانية و القيم الأخلاقية الدينية، حيث انتهك عديد النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حرمة الموتى و أباحوا لأنفسهم نشر صورهم و فيديوهات توثق لآخر لحظات حياتهم، بعد أن وجدوا في ذلك مادة دسمة لرفع أعداد المتابعين ، و جمع أكبر قدر من الإعجابات، متجردين من القيم الإنسانية و الدينية التي تحث على احترام الميت و ستره، و هي ظاهرة أثارت غضبا في الفضاء الافتراضي من قبل الكثيرين الذين أعربوا عن استيائهم من انتشار هذه السلوكات في مجتمع عربي يدين بالإسلام، و دعوا للحد من تصوير الميت و من توثيق لحظات صادمة لشباب، أرادوا أن يضعوا حدا لحياتهم، سواء بالشنق أو الذبح في فضاءات عمومية أمام المارة، فيما تناقلها الكثيرين غير مدركين لعواقبها. تقنية النقل المباشر لتوثيق حالات الانتحار و حوادث مرور مروعة أثارت حادثة انتحار شخص شنقا، في الجسر الرابط بين بلدية الكاليتوس و سيدي موسى بالعاصمة، الحديث مجددا عن ظاهرة تصوير الموتى، نظرا لبشاعة الصور التي تم تناقلها لجثة المنتحر و هي معلقة بحبل و تتدلى من جسر يعبر الطريق السيار، و أعادت للأذهان صورا و فيديوهات عديدة لحوادث مميتة تناقلها نشطاء بعدسة كاميراتهم في الآونة الأخيرة، صانعة ضجة كبيرة و تناقتلها حتى وسائل إعلام عربية. الملاحظ غياب الوعي عند الكثيرين في تعاملهم مع حوادث الموت بأنواعها و نقل الأخبار حولها، و أبرزها حادثة انتحار شاب بعنابة في مطلع شهر سبتمبر الماضي، بعد وقت وجيز من ارتكابه جريمة قتل في حق شاب آخر بباش جراح بالعاصمة، حيث اختار الرصيف لوضع حد لحياته، باستعمال شفرة حلاقة، و قام أحد المارة بتصوير الانتحار و نقله بالتفصيل عبر صفحته في موقع التواصل فايسبوك، رغم ما تحمله من مشاهد صادمة، معتمدا تقنية النقل المباشر، ليلقى مصداقية و صدى كبيرين. الفيديو تم تناقله عبر مختلف منصات التواصل، في مقدمتها تويتر و فايسبوك و أنستغرام، وسط ذهول ناقليه و المعلقين على مشاهده المروعة، التي غالبا ما نشاهدها في أفلام الرعب، حيث أعرب بعضهم عن تأثره ببكاء المنتحر الذي أعرب عن ندمه على قتل شاب بباش جراح، فيما استغل البعض بشاعة الفيديو لضم عدد أكبر من المتابعين لحساباتهم، غير آبهين بتأثير المشاهد على نفسية المتلقي و بالأخص عائلة المنتحر التي كانت تحت وقع الصدمة، و تضاعفت معاناتها عند رؤية الفيديو المتداول، خاصة والدته التي تأثرت كثيرا، ثم أصيبت بسكتة قلبية أدت إلى وفاتها، حسب ما تم تداوله. حوادث مروعة كثيرة وقعت، إحداها تتعلق بحادث دراجة نارية وقع في الطريق السيار شرق غرب على مستوى العاصمة، و قد صور أحدهم الحادث ، قبل و أثناء حدوثه، على شكل فيديو و لقي بدوره انتشارا ملفتا، ما استدعى تدخل أحد أفراد عائلة الفقيد، حيث قام بتصوير مقطع فيديو دعا من خلاله، إلى حذف مقطع الحادث من التداول، لأنه صدم كثيرا أفراد أسرة الضحية و آلامهم، لتتكرر حادثة مماثلة، حيث التقط أحد النشطاء صورا لجثة ملقاة على الأرض. سيلفي الموتى يثير الاستياء الاعتداء على حرمة الموتي وقفنا عليه في عديد المشاهد التي تناقل صورها فايسبوكيون إلى جانب منشورات للإعلان عن وفاة قريب، و قد أثارت ضجة في فايسبوك و أنستغرام، من بينها صورة شاب تعرض لسقوط مميت من بناية و كان ينطق بالشهادة قبل وفاته، و حادث انتحار شاب من أعلى عمود كهربائي أمام مرأى من عائلته، فيما لا تزال صور سيلفي الموتى تحقق انتشارا و تثير استياء كبيرا من رواد مواقع التواصل، الذي أطلقوا في وقت سابق حملة لمنع ظاهرة سيلفي الموتى. * محمد مصطفى بن عبد الرحمن إمام في مسجد الأمير عبد القادر لا يجوز شرعا انتهاك حرمة الميت أكد إمام و خطيب مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة، محمد مصطفى بن عبد الرحمن، بأنه لا يجوز شرعا انتهاك حرمة الميت، سواء بتصويره أو حتى وصف جثته، موضحا بأن الله عز وجل كرم الإنسان حيا و ميتا، و للميت حرمة كبيرة جدا ، تتجلى في أن الشرع يلزم عائلة الميت بتغسيله لستره، و كذا التكفل بعملية دفنه، مستدلا بقول الرسول عليه الصلاة و السلام»من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة». المتحدث أضاف بأن الله عز وجل كرم الإنسان و جعله أعظم مخلوقاته، حيث قال في كتابه الكريم « و لقد كرمنا بني آدم، و حملناه في البر و البحر و رزقناه من الطيبات، و فضلناهم على كثير مما فضلنا تفضيلا» ، مشيرا إلى أن هناك من يعتبر نشر صور أو فيديو لشخص منتحر، و لجثت الموتى و الأشلاء و هي مترامية على قارعة الطريق، من باب التحسيس، مؤكدا بأن ذلك أيضا لا يجوز ، داعيا إلى الاكتفاء بالتحسيس بالظاهرة بمنشورات فعالة، أو إظهار صور سيارات محطمة، للحد من حوادث المرور، مشددا على ضرورة الالتزام بمبدأ التكريم الإنساني. * المختصة النفسانية نوال مامي عبد اللطيف صور الموتى تمس بالقيم و قد تؤدي إلى الانتحار من جهتها اعتبرت المختصة النفسانية نوال مامي عبد اللطيف، ظاهرة نشر صور الموتى على مواقع التواصل الاجتماعي، غريبة عن مجتمعنا الجزائري الذي يقدس حرمة الميت، فلا الدين ولا المبادئ السائدة في مجتمعنا تسمح بذلك، و ذكرت عدة أسباب نفسية تؤدي بروادها لنشر جثت و نقل مشاهد صادمة توثق لكيفية وفاتهم. و أوضحت المتحدثة للنصر، بأن هناك من ينقلها عن غير وعي، لتعاطفه مع الضحية و الشفقة على أهله ، فيما هناك من ينشرها بدافع الاستنكار و الغضب، وهنا نجد أن السبب، يكون إما غضب على الوضع الاجتماعي أو انحلال القيم الأخلاقية في المجتمع، و منهم من يتناقلها بهدف تقديم تحليل اقتصادي و البحث في أسباب تدني الظروف المعيشية التي تؤدي في كثير من الحالات إلى ارتكاب سلوكات متهورة، كالانتحار، فيما هناك من يحرص على نشر صور لجريمة قتل للتأكيد على ضرورة تطبيق القوانين الردعية كقانون الإعدام. و أضافت المختصة «لاحظنا أن الموت أصبح هينا في مجتمعنا إلى درجة نشر صور الضحايا بكل برودة، و هذا يدل أيضا على مقارنة ما يحدث لهؤلاء الأشخاص بوضعيتهم، و يبحثون عن مقاربة نفسية لحالتهم السيكولوجية، لكن كثيرا ما يتجاهل هؤلاء الأشخاص، الضرر الذي يتسببون به للعائلة، و كذا لرواد منصات التواصل الذين يختلفون في السمات و السن، فمنهم رهيف الحس الذي يمكن أن تخلف هذه الصور لديه ضررا نفسيا كبيرا، قد تدفعه حتى إلى الانتحار. كما يؤثر ذلك سلبا على القيم الأخلاقية في مجتمعنا و تنتشر استباحة الأرواح، داعية إلى الامتناع عن نشرها و تداولها ومعالجة الوضع بحكمة، وإحالة الأمر إلى العدالة التي تعد الجهة الوحيدة المخول لها الخوض في هذه القضايا الشائكة . * المختص في علم الاجتماع بوبكر جيملي مشاهد الجثث و الحوادث تؤدي إلى ترسبات عميقة في المجتمع من جانبه أكد مختص علم الاجتماع بوبكر جيملي للنصر، بأن انتشار هذه الظاهرة يدل على ضعف التنشئة الاجتماعية و الجهل بالقيم المجتمعية و الدينية، و كذا على تجاوز الأعراف و تلاشي قيمة احترام الإنسان، سواء كان حيا أو ميتا، و أصبحت الغاية الوحيدة هي ممارسة الاتصال لسد الفراغ و بلوغ المنتهى المتمثل في تحقيق الإثارة و خلق نوع من التفاعل المبالغ فيه وسط الجمهور، دون وعي بمخاطر ذلك و تأثيراته على أسرة الفقيد و مضاعفة مأساته التي تظل مستمرة، و كذا على بنية المجتمع، مؤكدا بأن بشاعة الصور، خاصة عند توثيق مشاهد صادمة لعمليات انتحار، كتلك التي حدثت بعنابة، تهدد كيان المجتمع و قيمه. المتحدث أضاف بأن تداول الصور على نطاق واسع و بشكل مستمر، يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع، إذ يتسبب تداولها في تبسيط السلوك الإجرامي و في انتشار طرق ارتكابه ، و خلق ترسبات في المجتمع، مشيرا في سياق متصل، إلى أن التكونولوجيا و مواقع التواصل أعطت شرعية للأفراد لنشر الأخبار و الصور عن وعي و عن غير وعي، و ممارسة الصحافة بكل جرأة، دون التقيد بأدنى أبجدياتها، مع الحرص على توظيف الصورة التي تعتبر أقوى رسالة.