قلبت جائحة كورونا حياة الجزائريين رأسا على عقب منذ تسجيل أول حالة وافدة شهر فيفري المنصرم، حيث كانت بمثابة الإعلان عن بداية سنة صعبة اختبر فيها الجزائريون استعدادهم لمواجهة ارتدادات الأزمات الصحية وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية، وسرعان ما تجلت سلوكات المواطنة والمسؤولية الاجتماعية في أوساطهم. وأعلنت وزارة الصحة عن تسجيل أول حالة إصابة لرعية أجنبي من جنسية إيطالية يعمل في حقول النفط وذلك في 17 من شهري فيفري المنصرم ، حيث تزامن تشخيص الحالة مع ارتفاع عدد الإصابات في إيطاليا وتضاعف الحالات بشكل رهيب في غالبية الدول الأوربية، لتضاعف السلطات العمومية من درجة اليقظة من خلال تعزيز الإجراءات الاحترازية وحث المواطنين على التقرب من المؤسسات الاستشفائية في حال ظهور أعراض مرضية مشبوهة. وبعد أيام بدأت بوادر ظهور أول بؤرة مرضية بولاية البليدة إثر اكتشاف إصابة 5 أفراد من عائلة واحدة انتقلت إليهم العدوى من قريب مغترب بفرنسا كان قد زارهم في نفس الشهر ونقل إليهم العدوى، وهو ما لفت انتباه الجزائريين إلى المرض الذي كانوا يرونه بعيدا، لاسيما بعد تناول وسائل الإعلام لأخبار انتشار الفيروس والحالات المشتبه في إصابتها كمادة إعلامية دسمة على مدار اليوم. ومع تزايد عدد الإصابات والحالات الوافدة من خارج الوطن اتخذت السلطات منتصف شهر مارس قرارات صارمة بغلق الحدود الجوية والبحرية والبرية مع تعليق غالبية النشاطات الاقتصادية والاجتماعية كما سرحت 50 بالمئة من الموظفين في إجراءات تهدف إلى تطبيق الحجر الصحي كحل وقائي مستعجل، ما ساهم في وقف متتالية العدوى بمختلف الولايات، في وقت تأخرت فيه دول كبرى عن تقدير حجم الكارثة الصحية التي ضربت العالم. و وجدت السلطات صعوبة في فرض الحجر الصحي قبل أن تقرر تطبيق حجر ليلي ابتداء من الساعة السابعة مساء، لكن كثيرين لم يحترموا القرار كما طفت إلى السطح مظاهر الازدحام والتدافع على اقتناء المواد الغذائية ما نجم عنه أزمة وندرة في مادة السميد استمرت لثلاثة أشهر، في حين حذر الأطباء والقائمون على قطاع الصحة من عدم قدرة المنظومة الصحية على تحمل التبعات الصعبة للوباء في حال استمرار التهاون، وهو ما ساهم في رفع درجة الوعي. وبدأت ملامح الوعي تظهر في المجتمع نسبيا مقابل إصرار آخرين على التقليل من أهمية الخطر، حيث تراجع عدد الزيارات العائلية والتزم جزء من المواطنين بتدابير التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، كما سجل تراجع كبير في حركة المرور لاسيما في شهر أفريل و أول أسبوعين من شهر ماي ، في حين كثفت منظمات المجتمع المدني ومختلف الأجهزة الأمنية من حملات التوعية و التحسيس، فيما أرسلت كل ولايات الوطن قوافل تضامنية لولاية البليدة، التي فرض عليها حجر صحي كلي. وفرضت اللجنة الوطنية لمتابعة الوباء، ارتداء الكمامة في الفضاءات العمومية منذ بداية شهر ماي الماضي ليجد الجزائريون صعوبة في تطبيق القرار، إذ سجل تهاون في بداية تطبيق هذا الإجراء الصحي الوقائي، لتكون النتيجة ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بعد الفتح الجزئي لغالبية النشاطات الاقتصادية والتجارية فضلا عن استنئاف نشاط النقل الحضري في 14 من شهر جوان. وعاش الجزائريون، أياما صعبة منذ بداية جوان إلى غاية منتصف أوت، حيث وصل الوباء إلى ذروته وسجل عدد إصابات مرتفع جدا فضلا عن تزايد عدد الوفيات، لتعرف سلوكات المواطنين تغيرا ملحوظا من خلال تطبيق إجراءات التباعد وارتداء الكمامات لاسيما في الولايات الكبرى التي سجلت منحى تصاعديا، في حين سجل تعاطف كبير مع نداءات الطواقم الطبية، كما كان لمصالح الأمن ومنظمات المجتمع المدني دور كبير في استقرار الوضع بداية سبتمبر المنصرم. ورغم الآثار السلبية للجائحة على الجزائر وما نتج عنها من ظواهر اقتصادية واجتماعية سلبية، إلا أنها رسخت لدى مختلف الفئات الاجتماعية ثقافة المسؤولية الاجتماعية والوقاية الصحية التي كانت منعدمة لدى فئة كبيرة، في حين ارتفع الوعي الطبي ودخلت مصطلحات علمية إلى أذهان المواطنين ، و ترسخت عادة غسل الأيدي و دخل تنظيف المحيط والأحياء في صميم اهتمامات مواطنين وطلبة وجمعيات،في ممارسات قدمت صورة إيجابية. ووجدت السلطات واللجنة الوطنية لمتابعة الوباء سهولة نوعا ما في إعداد بروتوكولات صحية لفتح المساجد إذ قدم الجزائريون صورة حضارية ونموذجية لتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، وهو ما شجع السلطات أيضا على اتخاذ قرار استئناف الدراسة بمختلف الأطوار التعليمية، رغم دخول الموجة الثانية من الوباء وارتفاع أصوات تحذر و تطالب بالغلق، لكن سرعان ما تم التحكم في الوضع ولم تسجل أي أزمات تذكر إذ اكتسبت فئات اجتماعية واسعة خلال الأشهر الماضية خبرة في كيفية مواجهة الوباء.