تحولت حفلات التخرج و النجاح و أعياد الميلاد في الأيام الأخيرة، إلى موضة و مجال للتنافس على مواقع التواصل الاجتماعي، فتنظيمها لم يعد تقليديا و لا بسيطا، بل بات مكلفا و استثنائيا، لأن الصورة التي ستنشر على انستغرام و فايسبوك لتبرز جمال الحدث و حجم الإنفاق فيه ، تعد هدفا مهما من أهداف الاحتفال، خصوصا وأن حجم التفاعل مع الصور، سيعكس بوضوح مدى نجاح المناسبة و مستوى و ذوق منظميها وهو ما سيخدم مكانتهم الاجتماعية في زمن يحتكم كثيرا للمظاهر، حتى و إن كان ذلك على حساب ميزانية الأسرة. إن الديكورات الفاخرة باتت ضرورة حتمية و الإكسسوارات إضافة أساسية، كما أن الحفل لا يكتمل دون الاعتماد على مصور محترف، يوثق الحدث بكثير من الإبداع و بالاستعانة بآلة الدرون. حفلات على الطريقة الأوروبية بالونات ملونة بأحجام كبيرة و صغيرة و بتصاميم جميلة، ديكوارت تتماشى مع موضوع الاحتفال بأشكال و ألوان مختلفة، « بوفي» مفتوح ومتنوع، يشمل مقبلات بالجمبري و الأجبان و اللحوم و التونة، كعكة كبيرة مصنوعة خصيصا للمناسبة، تعكس زينتها سبب الاحتفال ، قارورات مشروبات بتغليف خاص ولون موحد، و حلويات تقليدية فاخرة وأخرى عصرية تخطف الأنظار، و تفاصيل أخرى عديدة. كلها تحضيرات أصبحت جزءا لا يتجزأ من الاحتفال بمناسبة بسيطة، كالتخرج من الجامعة أو النجاح في شهادتي التعليم الابتدائي والمتوسط أو عيد الميلاد، فمن يحضر حفلة من هذا النوع في الأيام الراهنة، أو يشاهد صورها الكثيرة المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، سيشعر حتما وكأنه في حفل باذخ على الطريقة الأوروبية، فلا شيء يختلف عما عهدتاه في الأفلام والمسلسلات، ولا شيء ينقص لتكتمل الصورة. يبدو بأن الحفلات البسيطة التي كانت تقام خلال مثل هذه المناسبات باتت من الماضي، تماما كما باتت الهدايا الرمزية مجرد ذكرى، لأن حجم الإنفاق في الحفل و ضخامته، يحتم على الحضور تقديم هدية أكبر، لأن الاحتفال على الطريقة التقليدية ولى و راح بعدما فرضت الموضة نفسها على الجميع، خصوصا مع تزايد تأثير مواقع التواصل، التي كرست سلوكيات مكلفة و أدخلت على المجتمع ثقافة احتفال جديدة. كانت البداية أولا مع حفلات التخرج بالجامعات الجزائرية التي زادت وانتشرت قبل سنتين، لتتحول من حدث رمزي ضيق، يجمع المقربين إلى ما يشبه العرس، من حيت التحضيرات و التكلفة، وحتى رداء التخرج الشهير الذي طالما شاهدناه في التليفزيون، أصبح فجأة قطعة أساسية لا يمكن أن يكتمل الحفل بدونها، وهو عبء إضافي، بات الطلبة يتكبدون عناءه في مناسبة لم تكن تتجاوز تقديم بعض الحلويات والمرطبات للجنة المناقشة و القليل جدا من الحضور. الواضح أن الأمور أخذت بعدا تنافسيا مع تنامي الهوس بالتميز و الظهور وصناعة « البوز» على مواقع التواصل، و بالأخص انستغرام و فايسبوك، فالملاحظ أن خريجي الجامعات يرفعون سقف الإنفاق في كل مرة، لدرجة التوجه للاستعانة بمتعهدي حفلات و بمصورين محترفين، لتوثيق لحظات تخرجهم باستخدام طائرات الدرون، و هي عملية تكلف بين 50 و60 ألف دج، حيث تؤكد الطالبة سارة، خريجة كلية الهندسة المدنية، بأن مذكرة التخرج وحدها كلفتها 20 ألف دج، بالمقابل تعدت نفقات التحضيرات و الديكورات 30 ألف دج، لأن زينة قاعة المناقشة تطلبت حوالي 10 آلاف دج، مقابل 7 آلاف و 500 دج كثمن لقالب الحلوى، دون احتساب باقي التكاليف الأخرى لاقتناء المكسرات و المملحات و الأكواب و المناديل و المشروبات و الحلويات التقليدية و غيرها. احتفال «السنكيام» يكلف بين 06 و 10ملايين سنتيم تعتبر هذه التفاصيل، جزء من حفلات النجاح في شهادتي التعليم الإبتدائي و المتوسط، التي تشمل بالإضافة إلى ما ذكر، مأدبة عشاء أو غداء، كثيرا ما تنظمها بعض العائلات إكراما لأبنائهم، و قد أكدت لنا السيدة صورية التي احتفلت مؤخرا بانتقال صغيرتها لينة إلى المتوسطة، بأنه لا يمكن تحضير مأدبة بتكلفة تقل عن 10 ملايين سنتيم، خصوصا و أن الأطباق التقليدية «شخشوخة» و «جاري» و «الطاجين الحلو»، أصبحت موضة قديمة، تعوضها اليوم المشاوي و السلطات العصرية. كما أوضحت متعهدة الحفلات و مصممة الديكور و الحرفية في مجال صناعة الحلويات التقليدية والعصرية ، ساندرا، بأن ميزانية حفل من هذا النوع، تتراوح عموما بين 6 إلى 10 ملايين سنتيم، أو أكثر، فحفل بسيط دون مأدبة، سيتطلب أقل من 10 ملايين سنتيم، حيث تؤجر طاولات الديكور الذهبية الرائجة هذه السنة، مقابل مبلغ 7 آلاف دج في العموم، وهو نفس الرقم الذي تنطلق منه أسعار قوالب الكعك « بيرسوناليزي» ، أي الخاصة التي تحضر في الغالب بعجينة السكر لتعكس فكرة أو موضوع الاحتفال، مع الإشارة إلى أن تكلفتها تختلف باختلاف أحجامها وقد تصل في بعض الأحيان إلى مبلغ 20 ألف دج، مقابل 100 إلى 150دج لكل قطعة من قطع الحلويات العصرية « كاب كيك « و « لولي بوب « و « سوسات»و غيرها. أما أسعار قطع الديكور الأخرى من قبعات صغيرة و أغطية قارورات و أشكال يدوية و أضواء و شرائط و لافتات، تكتب عليها الأسماء، و كذا بالونات ملونة، فتحتسب ، حسب حجم وطبيعة كل قطعة، و تنطلق الأسعار من 60 إلى 200دج للقطعة، وهي ديكورات تقتنى بكميات كبيرة تتماشى عموما مع عدد الضيوف. تجارة نسوية مربحة تؤكد صفحات متعهدي الحفلات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن هذه التجارة نسوية بامتياز، و معظم من يمارسنها شابات، شجعهن الإقبال على تنظيم مناسبات نوعية و التركيز المتزايد على فكرة الديكور و مواضيع الاحتفال، وغير ذلك من التفاصيل الأخرى، على خوض تجربة تنظيم الحفلات، فتحولت أغلبهن إلى متعهدات تشرفن على الديكور و الطعام في الحفلات، يملكن صفحات على فايسبوك يعرضن ويؤجرن من خلالها ما يملكنه من تجهيزات وديكورات، كما يقترحن على المهتمين بنشاطهن خدمات إضافية، كالإطعام و تحضير قوالب الحلوى و غيرها. و يلاحظ من يتابع ما ينشرنه عبر فايسبوك و انستغرام، حدة المنافسة بينهن، و سعيهن المستمر إلى طرح أفكار جديدة في كل مرة، لتوفير ديكورات خاصة، تزيد من جمال و تميز الحفلات و صورها، كما تضاعف تكاليفها أيضا.