الرئيس تبّون يستقبل وفداً مشتركاً    تهاني إماراتية للرئيس تبّون    الدولة ملتزمة بضبط أسعار القهوة    ورقة طريق لمرافقة الاستثمارات في الجنوب    نُوّاب يعبرون عن ارتياحهم    بداية انكسار المشروع الصهيوني    عرقاب في إيطاليا    ترامب يستخدم صور إيمان خليف    إعادة انتخاب جواج رئيسا للاتحاد الإفريقي    توقيع اتفاقية مع المجمع العمومي للصناعات المحلية    مرافقة خاصّة للطلبة وأصحاب المشاريع    انطلاق حملة نوفمبر الأزرق بمستشفى بني مسوس    مجلس اللغة العربية يعرض إصداراته الجديدة    من فضائل الدعاء وآدابه    هذا موعد قرعة الحج    لبنان يقدم شكوى جديدة لمجلس الأمن الدولي بشأن الاعتداءات الصهيونية    الجيش الوطني الشعبي: إحباط محاولات إدخال أزيد من 12 قنطارا من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب    الوكالة الدولية للطاقة الذرية: عرقاب يؤكد بإيطاليا إلتزام الجزائر بالتحول الطاقوي المستدام    هاتف نقال: استثمارات "جازي" فاقت 4 مليارات دينار خلال الثلاثي الثالث من 2024    المحكمة الدستورية تنظم ورشات تكوينية للمحامين المتربصين حول الدفع بعدم الدستورية    جيجل: وضع شطر من منفذ الطريق السيار ميناء جن جن- قاوس حيز الخدمة قريبا    الجزائر العاصمة: مشاريع تخفيف الضغط المروري تشهد تقدما ملحوظا    كلمة وفاء لأهل الوفاء .. للشهيد طيب الذكر الشيخ يوسف سلامة    ما يقوم به الصهاينة من إبادة في غزة نتيجة هذا الوعد المشئوم    الإطاحة بشبكة إجرامية منظمة مختصة في التهريب الدولي للمركبات    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3013 شهيدا و13553 مصابا    الرئيس تبون يفتتح اليوم الطبعة 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب    الرئيس تبون يجري حركة جزئية في سلك الولاة والولاة المنتدبين    "حلف الشيطان" يتمرد على قرارات الأمم المتحدة    الاحتلال الصهيوني يواصل تجويع سكان غزة    الاحتلال والإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي يتحملون المسؤولية    "بريد الجزائر" يحذّر من الصفحات والرسائل الاحتيالية    كرة اليد/ مونديال- 2025: أربع اختبارات ودية في برنامج السباعي الجزائري بتربص بولونيا    تمديد آجال ترقية موظفي الإدارات والمؤسسات العمومية    بلومي يُحرج بيتكوفيتش وينافس حاج موسى وبوعناني    18 ألف هكتار أراضٍ مسقية في عين تموشنت    37 مليارا لصيانة عمارات حي منتوري بقسنطينة    الإنارة غائبة واختناقٌ مروري داخل الحي    المنتخب الجزائري يظفر باللقب عن جدارة واستحقاق    يوم إعلامي حول نظام الحماية الاجتماعية    بحث نتائج زيارة رئيس الجمهورية إلى سلطنة عمان    تظاهرة متطوعي التراث العالمي.. إطلاق أسبوع التراث بباتنة    بمشاركة 1007 دار نشر من 40 بلد.. صالون الجزائر الدولي للكتاب يفتتح غدا    دخول موسوعة "غينيس" بحلم يراود الحرفي بوشميت    دعوة إلى الاهتمام بكتابة الثورة التحريرية    الاقتراب من تجربة واسيني الأعرج روائيّا وناقدا    تحديد قيمة 550 ملك عقاري    محرز يرفض الاحتفال ويوجّه رسالة قوية لبيتكوفيتش    تتولى تسيير أرضية رقمية تابعة للصيدلية المركزية للمستشفيات..خلية يقظة لتفادي التذبذب في توفير الأدوية    فوفينام فيات فو داو: إعادة انتخاب محمد جواج رئيسا للاتحاد الإفريقي لعهدة أولمبية جديدة    وزير الصحة: إنشاء خلية يقظة لتفادي التذبذب في توفير الأدوية    كأس إفريقيا للأمم: أشبال "الخضر" في آخر محطة تحضيرية قبل دورة "لوناف"    إجراء عملية القرعة يوم السبت المقبل لتحديد القوائم النهائية لموسم حج 2025    أين السعادة؟!    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    تدشين المخبر المركزي الجديد    من مشاهد القيامة في السنة النبوية    الاسْتِخارة سُنَّة نبَوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي عبد الغني بومعزة لكراس الثقافة
نشر في النصر يوم 30 - 01 - 2012

تطلب مني خسارة أغلى وأهم شيء في حياتي لأكتب الأميرة والغول
* الشعر تجربة بسيطة وسطحية
* كل الدروب السردية تؤدي إلى كافكا وكامو
- عندما زرت مؤخرا مدينة سوق أهراس رأيتها كما لم أرها من قبل، وذلك بعد قراءتي لرواية "الأميرة والغول". رأيت أن وراء كونها مدينة صغيرة وذات مظهر بسيط يختفي واقع مهول يسوده الظلام والصراعات والأسرار والأخطار. تشبه متروبولات الخيال العلمي. حاوره: طارق مريسي
ولعل السبب يعود إلى استعارتي لعيون كاتب الرواية الكاتب الروائي عبد الغني بومعزة الذي التقيته في بيته الحميم. وبعد أن عرضت عليه مضمون الحوار أسعده أن يدور حول عمله الروائي، مؤكدا أن شخصه معكوس في نصه بنسبة تسعين بالمائة.
ماذا تعني لك "الأميرة و الغول" بعد أن صارت كتابا يتداوله القراء؟ وماذا تعني لك خمس سنوات قضيتها في كتابتها، لتصبح بعد ذلك عملا ملكا لغيرك؟
بعد الحمل يأتي المخاض ومن ثمّ الولادة، نفس الشّيء ينطبق على الكتابة، تبدأ من الصّفر وبعد حمل عسير وصعب تجد نفسك مسئولا عن مولود رمزيّ اسمه رواية، مسؤولية أخلاقية وإنسانية. كتابة عمل روائي جاد وناضج وواع كما هو الحال بالنّسبة للأميرة والغول هو نتاج تجربة حياتيّة لا يحسد عليها كاتب. فلسفته في الوجود بين يدي القارئ. رواية الأميرة والغول حكاية عمرها خمس سنوات من الكتابة في صمت، البناء والتهديم، الولوج بشقّ النّفس لعوالم الكتابة الآسرة والآثمة بما تحمله من سحر وغموض وجمال، خمس سنوات من المعاناة مع المأساة، مكاشفة أشباح الماضي والحاضر. تجربة في الصّدام والفقدان والبحث عن الجّوهر المفقود، هل تعرف سيدي؟ تطلب مني خسارة أغلى وأهم شيء في حياتي لأكتب الأميرة والغول. تطلب من كافكا العزلة والوحدة والعبث ليكتب المسخ.
هل يتعادل رضاك على نفسك ورضاك على الرواية التي لاقت صدى طيبا لدى القراء ولدى النقاد والصحافة الأدبية. وهي الآن محل دراسة في أكثر من جامعة جزائرية، وحققت إقبالا لم تكن تتوقعه في حفل توقيعها بمدينتك سوق أهراس وبحفل مماثل بعنابة في ميدياتك الرابطة الحقوقية؟
بالطبع، كتابة رواية بهذا الحجم تعني لي الكثير، تعني البداية، الانطلاقة، ترسيخ الذّات في صنعة الكلمات التّي ليست بالأمر البسيط. أظن أن الرواية الأولى أشبه بتأسيس عائلة، الالتزام بالعهد الذّي قطعته على نفسك لتنفيذ مهمّة قدريّة. هكذا انظر للأمر واشرحه.. يطرح السّؤال من زاوية أخرى: ما معنى أن يقرأك الآخرون؟ يكتشفون اسمك؟ ثم ما معنى أن تكون كاتبا؟ روائيا؟ ما معنى آن تحكي للآخرين حكايات؟ شهريار الألفية الجديدة،، حتما سينظرون لك نظرة غريبة، مختلفة، قد يجلونك أو يسخرون منك أو يخافون منك،، سيجدون غرابة في تصديق محتوى ما كتبته، خاصة في شقّها الغرائبي وهذا ما حدث لي مع الأميرة والغول، أتذكر طالبة جامعية اتصلت بي لتخبرني بأنها قرأت الرواية عن طريق أستاذ لها الذي بدوره قام بتقديمها لطلبته. سألتني كذا من سؤال عن أبطال الرواية وخاصة إن كانت حكاية البطل مع زوجته التي ماتت حقيقية.. ثمّ أخبرتني وللغرابة آن احد أفراد عائلتها عاش نفس تجربة بطلي. بينما كاتب آخر سألني إن كانت حكاية الشيخ سي عبد الحميد والكائن الغريب المسمّى[يوسف الأمانة ] حقيقيّة. أظن أن كتابة رواية بهذا الحجم والطريقة والأسلوب مسؤولية كبيرة على عاتق الكاتب.. الأبطال هم الآن واليوم جزء مني وأيضا جزء رمزي عند القارئ الوفي والناضج.. صدقني عندما أقول لك إنني لم أصدق الاهتمام الزائد من الطلبة والكتاب والإعلاميين وأنا أقدم رواية الأميرة والغول للجمهور في سوق أهراس أو في ميدياتيك عنابة، جائزتي الحقيقية أن يقرأني الناس ويهتمون بعملي، يشكرونني على أنني أهديتهم رواية عنوانها الأميرة والغول.
هل معنى ذلك انك راض على نفسك وعلى الرواية؟
بالطبع أنا راض عن الرّواية بما أنها تجربتي الأولى وهذا بحدّ ذاته اعتبره انجازا عظيما. وأيضا لأنّها رواية من حرّ تجربة حياتي. ثمّ لا تنس عزيزي أنني قضيت في كتابتها ما يقارب خمس سنوات، هذه مدّة طويلة لرواية بهذا الحجم، ليس بالأمر الهيّن أن تخرج من العدم لتكتب رواية تلخّص فيها جزء من تجربتك في الحياة، البعض يلجأ للشّعر والذي أراه التّجربة البسيطة والسّطحيّة أما أنا فوجدت في الرّواية ما كنت ابحث عنه وأظن أنني سعيد بما أنجزته.
لماذا هذه البساطة الطفولية؟ والتي تمتد حسب قراءات بعض الكتاب إلى المتن نفسه، تفاصيله، أسلوبه، شخصياته،، هل البساطة سلاحك أم فلسفتك أم ماذا بالضبط؟ وهل تظن أنها سر نجاح هذه الرواية؟
أليست الحياة بهذه البساطة الزّائفة. مشحونة بالغموض والتّوتر والخداع؟، أليست روايتنا انعكاس لهذه البساطة المقرونة بالسّريّة والغموض والتّعقيد؟،، ثم إن الرواية الجديدة هي رواية التفاصيل الدقيقة والبسيطة والمهمة التي تصنع الحكاية. رواية تفتح بابا للنقاش حول المسكوت عنه. ثم إن الطفولي الذي بداخلنا أو ما أسميته بالبساطة الطفولية هو الجزء الآمن والأمين لذواتنا الصّداميّة. المكان والزمن الجميلين الذين نختفي ونتخفى فيهما من أذية الواقع والراهن المفترس. شيء من هذا القبيل سيعثر عليه القارئ في الأميرة والغول.. المشكلة أنه حتى هذا الساحر والسحري يتعرض اليوم للوأد، للأذية والظلم والاغتيال، اقصد بالطبع المكان والزمن الجميلين بما يحملانه من رموز وسلطة نوستالجيّة.. اليوم اكتب لأقاوم، لأسترد هذا الطفولي البسيط من العدوّ الذي يحاصرنا،، عدوّ سافر وظالم يسرق اللحظة التي لا تتكرر. إنها البراءة في زمن المسخ. هل تعرف؟ عالم بلا طفولة هو عالم المسوخ الفاسدة. والعنوان ما هو إلا انعكاس لهذه الجّدلية. يحمل رمزية فاضحة للمكبوت والمسكوت عنه. تلخيصا لسؤالك أجيبك قائلا بأن الأميرة هي الحياة الجميلة برموزها [الأنثى العاشقة] وبالمقابل الغول سارق الأحلام والآمال ومدنّس طهارة الأرواح الطفولية.. الأميرة والغول إدانة للوضع القائم والذّي يحيلنا إن لم نقاومه إلى ما يسمّيه كافكا المسخ.
ذكرت كافكا أكثر من مرة، بينما نجدك في الأميرة والغول تتناص مع الغريب لكامو.. فأيهما يمثل خلفيتك الإبداعية في هذا العمل؟
"لكل جيل من الكتاب كافكا خاصته" أظنّ أن هذه المقولة تروقني كثيرا، كاكفا بالنّسبة لي وربّما بالنّسبة للكثير من الرّوائيين الواقعيين الوجوديين والعبثيين الملهم والموحي والفيلسوف، أقصد فيلسوف المأساة البشريّة بامتياز والتي عرف كيف يكتب عنها، بل أبدع وباحترافية مدهشة، دون غيره، كيفيّة صياغتها سرديا في رواياته كالمسخ أو المحاكمة أو القلعة وهي كلها تعبّر عن العبث الذّي نعيشه وستجد حتما شيئا ما من هذا في الأميرة والغول، وإذا أردت أن تكتب الرّواية بما تعنيه من تجارب إنسانيّة مشحونة بالحرمان والخسارة واليتم والفقدان، العيش في الجّحيم وما يشبه الجّنّة، أن تخسر كلّ شيء بالمجان أو بسبب أخطاء الآخرين فتكتشف كالمغفل في صبيحة سوداء أنك تعيش في عالم لا يقلّ احتراما عن مفرغة عموميّة لخطايا ومصائب البشر، ولكي تشعر بكلّ هذا يجب أن تتلبسك روح كافكا وإلا فأنت لم تفهم شيئا مما حدث لك أو من حولك، أما غريب البير كامو فهو وجه من وجوه كافكا لكن بطريقة مختلفة، مثلا، قد يكون غريغوري سامسا في المسخ تقريبا هو ميرسو في الغريب، أي، بصيغة أخرى فكامو من المتأثرين الكبار بكافكا وأنا متأثر بهما، أجدني بينهما لا أعرف أيّهما أبي الرّوحي من الناحيّة السّرديّة ولكن في آخر الأمر ودون أن أدري فأنا جزء منهما، لكن كما يقول المثل القديم كلّ الطرق تؤدّي إلى روما، فأنا أقول كلّ الدروب السّرديّة تقريبا تؤدي إليهما.
الملاحظ أن روايتك تتناول ثنائية الحب والفساد أو الجمال والخراب.. أهذه هي الحياة في الجزائر أم هي الحياة على وجه العموم؟
في الرّواية البطل الذّي فقد أغلى ما في حياته وهي محبوبته الأميرة يحاول عبثا إيجاد بديلا لها، حبّ جديد ينقذه من جحيم عالمه، الحياة بدون حبّ أو قضيّة أو حلم في عالم كعالمنا الجنوبي المنحدر للبدائيّة هو الجنون والعبث بأمّ عينه، وعندما يعثر عليه يخونه هذا الحبّ، أو بالأصح تخونه المحبوبة الجّديدة لأنّ قانون المادة يطغى على كلّ شيء، فتوافق على الزواج من عدوه اللدود الغنيّ لأنه بالنسبة لها الاستثمار المضمون. أما بطل الرواية فهو مشروع إنسان فاشل ومهتز وغير مضمون بالمعنى المادي، بالحب نعيش و نتجدّد ونصنع الأمل وبدونه هو اليأس والخراب،، نفس الشّيء ينطبق على الجّمال، لكن الرّواية لا تخون فلسفة صاحبها، تفضح الواقعي، تبرز خطايا وآثام الأمكنة والأزمنة والبشر، تعريهم وتظهرهم على حقيقتهم الفاسدة، في آخر الأمر مدينة البطل هي الوطن، الجّزائر الوطن المسخ والذي ينتج بدوره المسوخ على شاكلة الناس الذين يعيشون في عالم بطلي، إنهم الأشباح والأشرار والأعداء والتي لا تمثل الكثير للبطل كما لي أنا، للأسف هي قطعة من الجّحيم، افتح عينك و قل لي ماذا ترى؟، خراب الأمكنة، لا جدوى الحياة، عتمة الأزمنة، هراء العلاقات الاجتماعيّة، التديّن المنافق، فساد القيم والقناعات، خيانات وخيانات لبوس الشّعارات الكاذبة والفاسدة، الانتحار، الحرقة، البؤس، الشّقاء، انهيار العلاقات الاجتماعية، ثقافة الخيبة والفشل والإحباط تطغى بسوداويتها على حياة النّاس، ما هو المخرج؟، بالطبع الحبّ والجّمال وبالنسبة لي أنا أكتب رواية أحرر بها نفسي قبل أن أصبح مثلهم، أن تصبح مثلهم يعني أنك أصبحت مسخا وهذه أسوأ النهايات.
أميرة عبد الغني وغول بومعزة
محمد رابحي
- كاتب جزائري لكن ما يميزه أنه منفتح على الإنسانية جمعاء. ومن مدينته سوق أهراس الصغيرة، يطل عبر جهاز كمبيوتره على جميع أصقاع العالم. يتمتع بعزلة فائقة، يعتبرها مكسبا لأنها سمة الكتاب الحقيقيين، وهي حبر نصوصه. وعزاؤه وسط صبار بشري يملأ المدن اليباب. وهي أيضا كبرياؤه تجاه حضارة مشوهة زج بفوضاها، هي مما تبقى من أجداده وما لا بد منه من أعدائه. يحتمي من القدر أو من الآتي بأناقته: بذلة ممشوقة، ربطة عنق تزيد من استقامته، برغم العرج الطفيف الذي تعانيه إحدى ساقيه. وشعر صقيل لامع منسق ب "الجل"، وشارب مخفف بآلة كهربية يذكرنا حتما بكلارك غيبل ورشدي أباظة. طقوسه الخاصة العديدة سياج يحيطه: النظارة الشمسية شكلها كلاسيكي رصين، القهوة مرة، المقعد الأمامي في كل تاكسي يقلها،، ربما هي تمائم تحميه من عين القدر. إن بينهما سؤ تفاهم. وتباعدهما عمق الخلاف وأطال الخصام: القدر يقول إن من حقه أن يفعل ما يشاء بالعباد، و بومعزة يقول إنه تجنى عليه، أخذ منه زوجه حبيبته. ووصل شاشة حياته بجحيم الآخرة.
عبد الغني بومعزة يكتب بدموعه، وبدمه، وبأنفاسه، لكأنه يجري يسابق ماض يأبى أن يركن بالذاكرة، يتشبث بحاضره، ويصر أن يكون مستقبله. (دون شك هو كابوسه؟). عبد الغني بومعزة يكتب بالإضافة إلى الورقة والقلم (أقصد الشاشة ولوح المفاتيح) بكل حواسه، يظهر ذلك جليا في روايته "الأميرة والغول" التي لا زالت تنتظر صيتا من حقها أن تناله، ونجاحا مقدرا لها، لم يشأ إعلامنا الثقافي المريض (العربي عموما وليس الجزائري فحسب) أن يقدره لها. في عالم عربي يعج بسوق موازية مضاربة من الروايات المغشوشة تكتبها أسماء تم ترسيمها بصكوك نقد مزورة ككتاب كبار.
لماذا هي "الأميرة والغول" رواية أصيلة؟ أي حقيقية.
لأنها كتبت صاحبها. لم تكتب ما تمليه التنظيرات عادة على الروائيين العرب وأكثرهم "متراوئين". كتب بومعزة ما أملته عليه نفسه. كتب رواية. ولم يركب موجة الرواية، وقد ركبها الشعراء والقصاصين والمتقاعدين والذين فاتهم قطار الأدب.. كتب في بساطة مذهلة وساحرة ومجنونة وساخطة ولاذعة وساخرة.. "بساطة مطلقة، أفضل طريقة للتميز" قالها بودلير كأنما يصف بها هذي الرواية. بدء بالعنوان الذي يعكس البراءة والحلم واليوتوبيا. نص في منتهى المحلية إن لم تجد فيه نفسك ستجد حتما صديقا أو قريبا أو جارا أو "ولد لبلاد". نص محلي برغم تأثر الكاتب (دونما ريب هو تأثر طبيعي سلس) بقراءات غربية، و بالسينما، خاصة منها الهوليوودية. رواية الأمكنة (أول رواية جزائرية ترصد مدينة سوق أهراس. وهو ما لم يفعله جد بومعزة الأكبر صاحب الحمار الذهبي أبوليوس، ولا ابنها البار الطاهر وطار) ترى فيها سوق أهراس كيوم ولدت. تمارس الرذيلة مجانا. ناس بسطاء، حكايات بسيطة، أسلوب يبرع في بساطة، مضمخ بزخم نوستالجيا لا تضاهيها تلك التي ناجت بها أقلام جزائرية مدنا كبيرة كقسنطينة والجزائر العاصمة وتلمسان.. لم يفعل عبد الغني بومعزة سوى أنه استغفل الجميع، فصنع من أشياء بسيطة أيقونته الفنية. أليس بومعزة "داندي" يذكرنا مرة أخرى ببودلير: الأناقة والكتابة عندهما شيء واحد أو شيئان متوحدان. ولا أقصد بذلك أنها ترف، ولكن على العكس تماما هي حاجة كلاهما العادية أن يلبس مثل كل الناس. وأن يتميز في لبسه حتى لا يكون مثل كل الناس. باختصار الرواية تشبه كثيرا هندام مؤلفها الأنيق. هو منها الشريط مؤشر التصفح في الكتاب. وهي منه حواسه التي تضعه على تماس مع العالم من حوله.
عبد الغني بومعزة أصدر روايته الأولى "الأميرة والغول" كما لو كانت باكورة أعماله. متعمدا إخفاء أثر جريمته الأولى وهي مجموعة قصصية. وأقدر أنه اكتشف الكتابة الحقة بعد وفاة زوجته الأولى حبيبته. فكانت الرواية هي الألم والبلسم. هي الكي الذي عالج به جرحه الغائر. حتى قصصه كانت تشي بأنها مختارات من رواية لم تكتب بعد. كأنها علامات،، أو حصيات تركها جده أبوليوس خلفه على درب قادت صاحبنا إلى "إشراق" الكتابة المسئولة.
وكاتبنا اليوم في بيته يكتب روايته الثانية. مؤمنا بأن الكتابة مهمته القدرية التي ولد من أجلها، وكذلك يموت من أجلها. وحيد في بيت كان من المفترض أن يبدو كشقة مؤجرة لعائلة مصطافة، أو كاستوديو رجل أعزب، لكنه بيت يستوفي كل مواصفات البيت الآهل. كأن زوجه الأميرة الحبيبة لا تزال على قيد الحياة، تشرف على كل صغيرة وكبيرة. أو ربما كان "غانو" موهوبا في البيتة (من كلمة بيت). الصحن الذي يؤدي وظيفته كل مرة يعود نظيفا إلى مكانه. والبطانية تعود كل صباح باكر مطوية إلى خزانتها. الأرضية نظيفة. ولا غبار يغافل عادة غياب امرأة. كل شيء في مكانه: الصالة فيها أصالة الصالة الجزائرية، المطبخ مشبع بنكهة المطبخ، المكتب غارق حتى أذنيه في صرامة المكتب. والحمام حمام. ومكتبته الصغيرة مثل مكتبة كاتب معاصر حقيقي، يفوق فيها عدد سيديهات الأفلام عدد الكتب ثلاث مرات أو أكثر.
وحيد في بيته. وحيد في سوق أهراسه. وحيد في إبداعه. يعلم أن خياله لن يفيده. ولن يعرف الناس أن خياله واقع وحقيقة فيها فائدتهم. مثله مثل غاليليو قال لهم الأرض(هليوسنتريزم)، فكذبوه وبهدلوه. كذلك بومعزة سيرى الويل وسيلقى حتفه إلى حين يصير فيه الخيال محسوسا ومرئيا ومعاشا.
ميرسو ألبير كامو يبعث من جديد في طاغست
د.عبد الوهاب شعلال
المركز الجامعي سوق أهراس
- لا ادري إن كان هذا العنوان موفقا لهذه الإطلالة المتواضعة على رواية عبد الغني بومعزة "الأميرة والغول" الصادرة عن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين والتّي يصرّ صاحبها على أنها ثاني نصّ روائيّ يولد في ربوع هذه المنطقة بعد رائعة ابوليوس "الحمار الذّهبي" [سوق اهراس المسمّاة في العهد الرّوماني طاغست أو بيت الكنز مدينة منشأ القديس سانت اغسطين ولوسيوس ابوليوس صاحب أقدم رواية في العالم]، ومهما يكن من أمر فعالم الرواية بدا لي مشحونا بهوس المكان واغتراب الذّات في تفاصيله الحميميّة، إذ ينسج الرّوائي خيوط لعبته الحكائيّة مستبطنا عذابات الرّاوي - البطل وانكساراته النّفسيّة وأسئلته الوجوديّة في مواجهة فضاءات مكانيّة متجذرة في الطّفولة والوعي والذّاكرة، فضاءات راهن على حميميتها وصفائها، لكنّها استحالت إلى جحيم كافكاوي قاتل.
يعيد عبد الغني بومعزة تاريخ المواجهة الرّوائيّة مع المدينة، ويذكّرنا بجزائر البير كامي، وبراغ كافكا ونيويورك هنري ميلر وطنجة محمد شكري وقاهرة نجيب محفوظ وبيروت غادة السّمان وربّما باريس بودلير وإن كان شعريّا، هل كان قدر الرّوائي أن يصطدم بمدن القهر والقمع؟، وهل قضي على "الأميرة" أن تواجه "غول" الشراسة البشرية في مدن الاغتراب والعذاب والبؤس؟،
ليست طاغست بالمدينة العظمى التّي تحرّض على التّمرّد والمواجهة الدونكيشوتيّة كما هو شأن باريس وبراغ ونيوورك والقاهرة، ولكن الرّوائي جهد في كشف عوراتها وتسلّل إلى خفاياها ليعلن عن بؤسها ووجهها المتوحش حيث يستحيل الإنسان كمّا مهملا وربّما حشرة بمفهوم كافكا في رائعته "المسخ".. ، مثقلا بهزائمه الدّاخليّة وحيرته الوجوديّة وأعباء طفولة مهتزة ومشوشة، تعود ذاكرة الرّاوي لتنبش في تفاصيل المدينة الغارقة في الفوضى والانهيار ولم تعد تلك الجّوهرة الجّميلة التّي شيّدها المعمّرون بتشكيل معماري كلاسيكي شبيه بالمدن الأوروبية العريقة، بل تحوّلت إلى ركام من الاسمنت وغزتها أفواج بشريّة بثقافتها الرّيفيّة التّي دمّرت روحها العميقة ووجهها الإنساني والحضاري،
في هذه المدينة البائسة، يجوس "ميرسو" طاغست خلال معالم الذّاكرة أو ما تبقى من جذور الرّوح المتعبة في المقاهي الشّعبيّة ودور السينما والمكتبات والأحياء العامرة.. ، تشتدّ روح الحنين إلى ذلك الفردوس الضائع، فردوس العمق والتّجذّر والحوار والتّعايش الثّقافي، حقا ليست الرّواية حنينا إلى حقبة كولونياليّة مدمّرة ولكنّها في وجهها الآخر استدعاء روائي لعالم الألفة والصّفاء والانسجام.
لماذا انتهت المدينة إلى هذا التّدمير والفوضى والعنف؟، ذلك سؤال سوسيولوجي ينتزع العالم الرّوائي إلى تفكيك بعض خيوطه عبر آلياته السّردية الخاصة وجماليات بنائه الحكائي المتميّزة، لا تقدمّ الرّواية إجابة علميّة لهذا السّؤال لكن حكمة الرواية كما يقول ميلان كونديرا "لا ترتهن إلى الإجابات السّريعة والجّاهزة".
وبعد، فقد كتب عبد الغني بومعزة هذا النّصّ الرّوائي الجّاد بكثير من الشّوق والمحبّة والحنين على المستوى الإنساني واجتهد في التّمكين لضرورات الحكاية وشروطها الجّماليّة، ولعله أصاب شيئا غير قليل، حاكى نماذج روائيّة عربيّة وعالميّة متميّزة، ونزع إلى تأسيس عالم روائي ينحو إلى الواقعيّة ويستلهم أيضا تجارب وجوديّة وعبثيّة لعل أهمّها كتابات البير كامي وغريبه بشكل خاص.
رواية "الأميرة والغول" هي رواية غواية المكان بامتياز في تقديري ولعلها يمكن أن تكشف عن وجوه أخرى تتيحها القراءة النقدية المتأنية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.