لا يتقبل الكثير من الأولياء فكرة إصابة أحد أبنائهم بالسكري،هذا المرض الذي لا يزال في خانة الطابوهات في الجزائر، خاصة بالنسبة للأطفال، و قد يقلب حياة العائلات رأسا على عقب، بعد اكتشاف إصابة صغارها. في الغالب يكون التركيز منصبا على العلاج بالأدوية، فلا يولي كثيرون أهمية للمتابعة النفسية، فيما يقع معظم الأولياء في أخطاء فادحة في ما يخص كيفية التعامل مع أطفالهم المصابين بالسكري، فهذا الداء يجعلهم يشعرون بالنقص و الاختلاف،و عدم تقبل المرض، وقد يتفاقم الأمر إلى حد الإصابة بالخجل و الدخول في عزلة و اكتئاب،هذه الأعراض النفسية، تنعكس مباشرة على الوضع الصحي للمريض. و يؤكد نفسانيون و أطباء على أهمية المتابعة النفسية للعائلة و الطفل المريض،لاكتساب آليات التكيف مع المرض و تقبله، وتفادي الكثير من المشاكل النفسية التي تزيد من حدة المرض،و تكون لها انعكاسات بعيدة المدى على المريض، وقد تعرضه للخطر . أطفال و أولياء بين عدم تقبل المرض و التمرد عليه قالت أم حسام، أنها تعاني صعوبات كبيرة في التعامل مع ابنها صاحب 14 عاما، الذي تم تشخيص إصابته بالسكري بعد أشهر قليلة من ولادته، و اعترفت أنها لم تتقبل الأمر في البداية، خاصة و أن حسام وحيدها، و أصبح الأمر صعبا و شاقا ، كما أكدت، عندما كبر ابنها و التحق بالمدرسة، حيث تغيرت طباعه و أصبح أكثر تمردا، يرفض الامتثال لنصائح و إرشادات والديه، في ما يخص الأكل خارج المنزل و عدم بذل جهد بدني زائد، خاصة و أن والديه يتابعان نظاما غذائيا، دون سكريات، حفاظا على صحة ابنهما. حسام ، كما قالت والدته، لم يتقبل إلى غاية اليوم حقيقة أنه مصاب بالسكري و كثيرا ما يتناول الحلويات و السكريات خارج البيت، كما يخبرها أصدقاؤه في المتوسطة و في الحي، كما أنه عندما يخرج للعب معهم، لا يبالي بنصائح أمه بعدم بذل جهد بدني كبير في الركض و ركوب الدراجة، خشية تعرضه للسقوط أو هبوط حاد في نسبة السكر في الدم. و أضافت أم حسام أنه كثيرا ما يتعرض للسقوط من دراجة أحد الجيران، ما يسبب له جروحا لا تندمل بسهولة، لكنه يعيد الكرة في كل مرة، وهذا ما زاد من خوفها و قلقها الدائم عليه، فلا تتوقف عن الاتصال به هاتفيا، كلما خرج من البيت للعب مع أصدقائه، مع تذكيره بالممنوعات، لكنه للأسف لا يمتثل لنصائحها و توجيهات والده، إلا نادرا. * كريمة بولجدري أخصائية في الأمراض الداخلية و السكري نجاح العلاج الدوائي مرتبط بالحالة النفسية للطفل و أوليائه النصر اتصلت بأخصائية الأمراض الداخلية و السكري الدكتورة كريمة بوالجدري، فقالت لنا أن إحدى الأمهات، اضطرت للاستقالة من عملها بإحدى الإدارات، لمتابعة حالة ابنها، صاحب الخمس سنوات، الذي أظهرت التحاليل إصابته بالسكري، مشيرة إلى أن الأم لم تتقبل نهائيا مرض ابنها و تحول الأمر بالنسبة إليها إلى هاجس نفسي و خوف مرضي. و أضافت الطبيبة التي تتابع حالة الصغير، بأن أمه عندما أحضرته للمعاينة الدورية ذات يوم، اعترفت لها بأنها تخفي مرض ابنها على الأقارب و الجيران، كما أنها تبالغ في مراقبته، خوفا عليه من التعرض لمكروه، ما أثر سلبا على الصغير الذي انتقل إليه ذلك الخوف الشديد، فهو يتحدث عن مرضه بتحفظ كبير، كما عبر عن إحساسه بالاختلاف، عن باقي الأطفال، بسبب المرض. و أكدت الأخصائية في حديثها للنصر، على أهمية المتابعة النفسية للطفل المصاب السكري و كذا عائلته ، كحلقة مهمة في نجاح العلاج الدوائي. و تحدثت الأخصائية عن دور النفساني ، بعد اكتشاف إصابة الطفل الصغير و حتى المراهق بداء السكري، كمرحلة مهمة جدا قبل الشروع في العلاج الدوائي، مشيرة إلى أنها كطبيبة تنصح الأولياء بالتوجه إلى أخصئي نفساني رفقة الطفل المصاب، ليساعدهم على تقبل المرض و كيفية التعامل معه، في ظل تسجيل العديد من الحالات التي لا تتقبل فكرة الإصابة بالمرض، وهذا ينعكس مباشرة على الطفل الذي يصبح يكره المرض و لا يتقبله، و يزيد عناده و يتعمد القيام بأفعال خاطئة و خطيرة على سلامته، كالأكل بشراهة و إهمال أو رفض تناول الأدوية و حقن الأنسولين، و الكثير من مرضى السكري الصغار يخفون مرضهم عن أصدقائهم و محيطهم. كما تحذر المتحدثة من بعض الأخطاء التي يقع فيها الأولياء،و التي تؤثر سلبا على العلاج الدوائي و حتى نفسية الأطفال و المراهقين، فمنهم من يمارس رقابة لصيقة، و مشددة على الطفل المريض، و يقلص حريته من باب الخوف الشديد عليه ،ما يؤثر سلبا على نفسية الطفل و يزيد من الضغوطات الممارسة عليه، فينعكس ذلك سلبا على سلوكاته، و قد يدخل مرحلة العناد على غرار الكثير من أطفال السكري. و أضافت المتحدثة أن هناك نوعان من الأولياء، النوع الأول الذي تحدثنا عنه ممن يضيقون على الطفل نطاق الحرية، وبين من يتراخون في التعامل مع الطفل، عند علمهم بإصابته بالسكري و يتركون له الحرية الكاملة في الأكل بداعي الشفقة عليه. و قالت الأخصائية أنها تشدد على المتابعة النفسية، و كذا الجلوس مع الطفل المريض لتعريفه بالمرض و العلاج، و كذا القيمة الغذائية لكل المأكولات، إلى جانب تلقين الطفل كيفية التعامل مباشرة مع مرضه و أكله و احتساب القيمة الغذائية للوجبات، ليكتسب مع الوقت ثقافة غذائية صحية، مع تلقينه بعض الطرق لحماية نفسه في حال تعرضه لهبوط مفاجئ للسكري، عندما يكون خارج البيت ،كحمل حبات من الحلوى و تناولها عند الضرورة فقط. كما اعتبرت المتحدثة أن الأمر يكون أصعب بالنسبة للمراهقين، فهم عادة لا يتقبلون مرضهم و يخفونه عن أقرانهم و محيطهم، و تتولد لديهم عقدة نقص. * الأخصائي النفساني مليك دريد عدم التكفل النفسي بطفل السكري يؤدي إلى تفاقم مرضه أكد الأخصائي النفساني مليك دريد في حديثه للنصر، أنه كلما زاد الوعي و اتسعت الثقافة الصحية عند العائلة حول مرض السكري، و زاد الاهتمام بالتربية العلاجية، ساهم ذلك في تقبل الطفل لمرضه و التعايش معه. و أضاف المتحدث أن السكري يؤثر بشكل مباشر على نفسية الطفل، ففي الكثير من الأحيان لا يتقبل مرضه، و يرفض تلقي حقن الأنسولين، و يشعر بالاختلاف عن أقرانه، لهذا يجب احتواءه أكثر من طرف الأسرة، و في المحيط المدرسي، فالسكري لا يؤثر مباشرة على قدراته الفكرية و العقلية، لكنه يؤثر على حالته النفسية، إذا لم يجد التفهم و الدعم الكافيين. و حذر الأخصائي النفساني من ترك الطفل المريض في قبضة الخوف و القلق، فلا بد أن يتدخل الأولياء والطاقم الصحي، خاصة النفسانيين، للتكفل به نفسيا، دون إهمال دور الطاقم التربوي في المدرسة. و أضاف المتحدث أن عدم التكفل بالطفل نفسيا عند تشخيص مرضه، قد يجعله عرضة لبعض المشاكل النفسية، كعدم تقبله، التمرد وعدم التقيد بالبروتوكول العلاجي، و حتى الإصابة بالاكتئاب، مشددا على أهمية التربية العلاجية و التكفل النفسي، فالمريض هو شريك علاجي بالدرجة الأولى، مضيفا أن للأولياء دورا محوريا ، لجعل الصغير يتقبل مرضه، و ذلك بمساعدته و مساندته عاطفيا، وفي نفس الوقت تشجيعه على الاستقلالية في التعامل مع مرضه، تدريجيا، حسب المراحل العمرية التي يمر بها. و أكد الأخصائي النفساني بمستشفى سطيف، أن العوامل النفسية، كالخوف و الاكتئاب، لا تتسبب في ظهور مرض السكري عند الأطفال، كما يعتقد الكثيرون، لكنها تسرع ظهوره، خاصة النوع الأول منه، تحديدا عند الأطفال، فهناك من يظن أن تعرض الطفل لصدمة نفسية أو انفعالية، قد تؤدي إلى الإصابة بالسكري من النوع الأول، و هذا خطأ، لأن العوامل الجينية و الوراثية هي أهم الأسباب التي تدفع الجهاز المناعي إلى تدمير الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس. في حين يؤدي تعرض الطفل إلى صدمة نفسية مثلا، إلى تسريع عملية تدمير الخلايا المذكورة، و بالتالي لا يمكن اعتبار الجانب النفسي، السبب الأول في إصابة الأطفال بمرض السكري، لكن رغم ذلك يبقى عاملا مهما يؤدي إلى ظهور المرض بسرعة. * الأخصائي النفساني كمال بن عميرة المرافقة النفسية حلقة مفقودة داخل الأسرة و المدرسة يرى الأخصائي النفساني كمال بن عميرة، من جهته، أن هناك إهمالا كبيرا للمرافقة النفسية للطفل المصاب بالسكري، سواء في البيت أو المحيط التربوي، وهو ما يجعله عرضة للكثير من المشاكل النفسية التي تؤثر عليه. و أكد الأخصائي أن طفل السكري تكون حالته النفسية سيئة، بسبب المرض، ما يجعله يعتقد أنه مختلف عن أقرانه، أو يعاني من النقص، فيمكن أن يدخل في عزلة و خجل المفرط و خوف الشديد من مستقبله الصحي، هذا القلق يتغذى أكثر من قلق العائلة و عدم تحكم الأسرة في زمام الأمور. هذا الضغط المزدوج ، تظهر علاماته جلية على تصرفاته اليومية، كما يكون له تأثير مباشر على حالته الصحية العضوية، فإلى جانب السكري يكون الطفل المريض عرضة لعدة أمراض أخرى ، أو انتكاسات، بسبب تأثير حالته النفسية على عمل الجهاز المناعي الذي يضعف بسبب الهشاشة النفسية للمريض،و هذا يؤثر بدوره على حالته العضوية. و أكد المتحدث على ضرورة تكوين المعلمين في الجانب النفسي و الطبي، وكيفية التعامل مع طفل السكري، و الابتعاد عن بعض الممارسات الخاطئة مع التلاميذ المرضى ، و الأخذ بخصوصية المرض، كالسماح لهم بالذهاب إلى المرحاض بشكل دوري، و عدم مقارنتهم بزملائهم ،و التعامل معهم بطريقة سلسلة، دون مبالغة، كي لا يشعروا بالاختلاف. و بالنسبة للأولياء يرى بن عميرة أنه من الضروري اكتسابهم ثقافة حول مرض السكري،من خلال البحث و المطالعة باستمرار، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع أهمية زيارة الأخصائي النفساني، وان استدعى الأمر يزوره كافة أفراد الأسرة الصغيرة، رفقة المريض، لمعرفة الطرق و الآليات النفسية للتعامل معه.