سجل أخصائيون نفسانيون ينشطون ضمن خلايا الإصغاء و المتابعة النفسية بولاية قسنطينة، ظهور مشاكل نفسية و سلوكية لدى بعض الفئات من المواطنين، خاصة المراهقين، بسبب الجائحة و ما رافقها من عزلة و غلق ، حيث فشل حسبهم الكثيرون في التعاطي مع الوضع، ما عرضهم للإصابة بالوسواس القهري و الخوف من المرض و الموت و رهاب الجراثيم. كما زادت معدلات العنف داخل المحيط الأسري، و استدعت وضعية الكثير من مرضى كوفيد 19، الماكثين بالمصالح المتخصصة في المستشفيات، رعاية و متابعة نفسية يومية، لإقناعهم بتقبل المرض و الاستجابة للعلاج. * استطلاع : هيبة عزيون * عابد شطاح رئيس خلية المتابعة النفسية بمستشفى قسنطينة مرضى لم يتقبلوا الإصابة و آخرون رفضوا العلاج وصف عابد شطاح، رئيس خلية المتابعة النفسية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة الحالة النفسية للمرضى الذين تابعهم خلال الموجة الأولى من الجائحة بمصلحة كوفيد 19، بالمزرية، مشيرا إلى أن أغلبهم عانوا من الخوف الشديد من المرض و التفكير الدائم في الموت، بينما رفض آخرون فكرة الإصابة بالفيروس و لم يتقبلوا العلاج نهائيا، ما جعل الكثير منهم يحتاجون إلى متابعة نفسية يومية. و أضاف المتحدث بأنه كان النفساني الوحيد الذي تابع هذه الحالات، و قد سعى لتخفيف الضغط النفسي الذي يعانون منه و احتواء انفعالاتهم و إقناعهم بتقبل الإصابة و العلاج. و قد لاحظ بأن الكثير من هؤلاء المرضى كانت حالتهم تتدهور، عند رؤية الموتى بشكل مستمر، ما رسخ فكرة الموت عندهم، فكان أكبر تحد بالنسبة إليه، كما قال ، هو تخليصهم من هذا الشعور الذي أثر سلبا على الجانب العضوي ، فمنهم من فقد الشهية و انقطع عن تناول الطعام ، و لم يتجاوب مع العلاج بسبب ضعف جهازهم المناعي، جراء التوتر و الخوف الزائد ، و كان الطاقم الطبي يستدعيه للتكفل بهذه الحالات، و كان يتحدث مطولا مع المرضى الذين كانوا يرفضون في البداية حتى فكرة الكلام عن الداء، لكنه، كما أكد، بذل جهده من أجل كسب ثقة المرضى و امتصاص انفعالاتهم، و دفعهم إلى مرحلة التوازن النفسي و الجسدي، كنقطة جد مهمة لبداية العلاج النفسي، و تأتي بعدها مرحلة الإقناع لتقبل الإصابة و إدراك أهمية تناول الأدوية . و أشار المتحدث أن عمله خلال الموجة الثانية من الجائحة أصبح أقل كثافة، لكنه لا يقتصر منذ بداية الجائحة على التكفل بالمرضى في مصلحة كوفيد 19 بالمستشفى الجامعي بن باديس، بل كان و لا يزال يستقبل المصابين الذين تماثلوا للشفاء و يعانون من آثار نفسية للداء، بسبب رفض المجتمع لهم و تعرضهم للتنمر. و أضاف النفساني أنه اكتشف خلال متابعته لمصابين، أن بعضهم لجأ إلى العزلة، في حين اختارت فئة أخرى الإدمان المهدئات وحتى مهلوسات، اعتقادا منها أنها تحقق لها الاستقرار النفسي، أو للهروب من نظرة المجتمع. و أوضح النفساني من جهة أخرى، أنه تم تخصيص خط هاتفي داخلي تحت إشرافه، يتلقى منه هو و بقية زملائه في خلية الإصغاء، اتصالات من أعضاء الطواقم الطبية و شبه الطبية العاملة بالمستشفى، ليتم الإصغاء لانشغالاتهم و التكفل النفسي بهم، إذا احتاجوا لذلك، مضيفا أن الكثير منهم أصيبوا بتوتر شديد و انهيار جراء ضغوطات العمل و الخوف من خطر الإصابة بالفيروس. * كمال بن عميرة عضو خلية الإصغاء بمستشفى قسنطينة اضطرابات نفسية وأخرى سلوكية كشف من جهته الأخصائي النفساني كمال بن عميرة، أن خلية الإصغاء التابعة للمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس، استقبلت بين شهري أفريل و أوت الفارطين، الكثير من الاتصالات الخارجية بمعدل 3 إلى 4 مكالمات من طرف مواطنين، عانوا من اضطرابات نفسية و أخرى سلوكية بسبب وباء كورونا . و من بين المشاكل التي ذكرها المتصلون، حسب النفساني، الخوف من الموت ، أو الوسواس القهري، التوتر، القلق، الاكتئاب، عدم تقبل المرض، الخوف من الذهاب إلى الطبيب أو إجراء التحاليل.. و أضاف المتحدث أن أغلب المتصلين أعربوا عن حاجتهم لمن يصغي إليهم، دون الكشف عن هويتهم، و كانت فئة النساء و المراهقين الأكثر اتصالا بالخلية و أكدوا أنهم يعانون من تعقيدات نفسية و سلوكية، لم يتمكنوا من السيطرة عليها. و أوضح الأخصائي كمال بن عميرة أن أول خطوة يقوم بها النفساني هي الإنصات للمتصل، و بعد أن يفرغ كل الشحنات السلبية و يخف الضغط النفسي الذي يشعر به، يقدم له جملة من الإرشادات و النصائح، على غرار تعديل بعض المفاهيم و تحويل مشاعرهم السلبية إلى مشاعر إيجابية، دون الاستهتار بالمرض، مع التأكيد على أهمية الوقاية. كما ينصح النفساني المتصلين بعدم التعرض لكم هائل من الأخبار حول كورونا، و اللجوء إلى ممارسة بعض الأنشطة، لتخفيف حدة الضغط النفسي و التعايش مع الوضع الراهن. * ابتسام جبير من خلية الإصغاء بحي ماسينيسا إقناع بعض المرضى بالذهاب إلى المستشفى أكبر تحد اعتبرت الأخصائية النفسانية العيادية ابتسام جبير، التي تعمل ضمن خلية الإصغاء بمنطقة ماسينيسا، أن أكبر تحد واجهته طوال أشهر من عملها ضمن الخلية، كان إقناع بعض المصابين بكورونا، بأهمية التوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج، خاصة الحالات المعقدة، فالكثير من المرضى كانوا يرفضون رفضا قاطعا هذه الفكرة، و يخافون من المستشفى و الخضوع للعلاج، فكانت تتعاون مع الطبيب المعاين، من أجل إقناعهم بتقبل المرض و العلاج. و شددت في حديثها للنصر، أن الجائحة تسببت في الكثير من الآثار النفسية الوخيمة على المواطنين ، فأغلبهم كانوا يعانون من الخوف الزائد، سواء المصابين بالفيروس و كذا غير المصابين، إلى جانب ظهور اضطرابات أخرى، خاصة عند المراهقين، على غرار مشكل التبول اللإرادي و تنامي معدلات العنف، و تزايد حالات السرقة و الكذب. كما تفاقم مشكل الإدمان على المخدرات، و زادت المشاكل الزوجية و العنف الأسري. ه / ع * ثريا بوشيحة من خلية الإصغاء بعين سمارة رافقت الكثير من حالات الخوف المرضي و الوسواس القهري تحدثت الأخصائية النفسانية العيادية ثريا بوشيحة عن تجربتها ضمن فريق خلية الإصغاء و المتابعة النفسية التابعة للعيادة متعددة الخدمات التابعة لبلدية عين سمارة، قائلة أن آثار الوباء لم تقتصر على المصابين فقط، بل شملت مختلف الشرائح، حيث كان للحجر المنزلي و الكم الهائل من الأخبار المتداولة حول الوضعية الوبائية، آثار وخيمة على الأفراد، و منهم من لا يزال يخضع للعلاج النفسي إلى غاية اليوم، خاصة الذين أصيبوا بالفيروس، نظرا لمعاناتهم من الخوف من المرض و احتمال الإصابة به مرة أخرى. و في بعض الحالات، كما قالت النفسانية للنصر، بلغ الأمر حد الإصابة بالوسواس القهري و الخوف من المجهول، خصوصا بالنسبة للنساء. و حصرت الأخصائية أهم المشاكل النفسية التي تابعتها، بمشاكل النوم ، فقدان الشهية أو الأكل بشراهة ، بسبب العزل الاجتماعي الذي فرض عليهم، بعد التأكد من إصابتهم بالمرض، و هناك حتى من أقدم على الانتحار أو أدمن على المخدرات و المهلوسات ، كما أن هناك فئة أصبحت تعاني من العجز عن اتخاذ مختلف القرارات، و زادت حالات التوتر و الضغوطات النفسية التي انعكست سلبا على المحيط الأسري. * فاطمة الزهراء عراب من خلية الإصغاء أولاد رحمون إقناع المصابين بفعالية العلاج جد صعب أكدت فاطمة الزهراء عراب، الأخصائية النفسانية العيادية بخلية الإصغاء و المتابعة النفسية لبلدية أولاد رحمون، أنها واجهت الكثير من الصعوبات في إقناع مصابين بكورونا بفعالية العلاج و أهميته خلال الموجة الأولى من الجائحة، مشيرة إلى أن الحالات التي رافقتها، هشة نفسيا ، و أغلبها كانت تعاني من خوف شديد من المرض و الموت و عدم الثقة في الأطباء. و بلغ عدد الاتصالات التي استقبلتها من 4 إلى 5 حالات يوميا، من بينها حالات لمصابين بكوفيد19، و أخرى كانت تعاني من اضطرابات نفسية جراء محدودية الحركة و الأخبار المتداولة حول الجائحة و أغلبها نساء، كما أن عديد المنتمين للطواقم الطبية و شبه الطبية، ذكروا في اتصالاتهم أنهم يعانون من الضغط العصبي و النفسي بسبب كثافة العمل، و مخاوف العدوى، كما قالت المتحدثة للنصر. و أضافت أن عملها ضمن خلية الإصغاء، لم يكن يقتصر على الدوام اليومي، حيث كانت تتلقى مكالمات يومية في النهار و حتى ليلا، من قبل مواطنين ظهرت لديهم مشاكل نفسية حادة. كما اتصل بها أولياء كانوا يبحثون عن حلول لمشاكل أبنائهم النفسية، خاصة المراهقين منهم، الذين عانوا من العدوانية و العنف اللفظي و الجسدي، كما تفاقم مشكل التبول اللاإرادي بين الأطفال و حتى بعض المراهقين، جراء حالة الخوف السائدة. و بالرغم من سلبيات الجائحة و آثارها النفسية الكبيرة على الأفراد، كما قالت المتحدثة، إلا أنها عززت ثقافة التوجه إلى الأخصائي النفساني، و هو ما استخلصته بحكم تجربتها طيلة تسعة أشهر ضمن خلية الإصغاء و المتابعة النفسية . * منال ذيب من خلية الإصغاء بالمدينة الجديدة علي منجلي «العلاج بالمرافقة» لمن يتوهمون المرض تبنت الأخصائية النفسانية العيادية منال ذيب ، العاملة بخلية الإصغاء، التابعة للمدينة الجديدة علي منجلي بمؤسسة الصحة الجوارية حسين بن قادري ، طريقة العلاج بالمرافقة أو المساندة و الاتصال الدائم بالمريض، كما قالت للنصر. و أضافت أنها خصصت رقمها الخاص لاستقبال الاتصالات حتى ليلا، من أشخاص يبحثون عن حلول لتجاوز اضطراباتهم السلوكية و النفسية، و منهم من يريدون الإصغاء فقط لانشغالاتهم، خصوصا الذين يعانون من الوسواس القهري و القلق. و أوضحت المختصة أنها تلقت اتصالات حتى من خارج الولاية، بحكم انخراطها ضمن خلية الإصغاء الوطنية، من أشخاص يعانون مشاكل نفسية، من بينهم سيدة كانت تعاني من فوبيا مرضية، من أعراضها تنظيف منزلها لأكثر من مرة في اليوم، و غسل أطرافها أكثر من 30 مرة يوميا ، كما زاد حرصها على تنظيف الأواني، و كان ينتابها خوف شديد، كلما رأت صورا لمرضى كورونا، فكانت ترفض مغادرة منزلها و التعامل مع زوجها، خوفا من العدوى، ما سبب لها مشاكل وصلت حد الطلاق. و من بين الحالات الأخرى التي تابعتها، حالة سيدة كانت تتوهم أنها مصابة بالفيروس، ما جعلها تنعزل و ترفض التعامل مع أفراد عائلتها و تناول الطعام. كما تابعت حالات اكتئاب.