رافق انتشار متحور كرونا الجديد، تهاون واستهتار من قبل الكثيرين بإجراءات الوقاية و أساليب العلاج، والسبب هو معلومات خاطئة عن ضعف « أوميكرون» و تشابه أعراضه مع أعراض الزكام، يتم تداولها في الشارع وعلى مواقع التواصل بشكل أثر سلبا على جدية التشخيص، وخلفا جنوحا نحو التطبيب الذاتي، من خلال مشاركة وصفات موحدة واقتراح بعض الأدوية على فيسبوك مع التأكيد على نجاعتها وهي ظاهرة يحذر منها الأطباء، ويحملون قسطا من مسؤوليتها لبعض المختصين، الذين ينشطون بشكل فوضوي على مواقع التواصل وينشرون معلومات قلصت الوعي بمخاطر الفيروس وأثرت سلبا على مساعي الوقاية. هدى/ط . حليمة خطوف التضليل يرجح كفة المال على حساب الصحة أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة منصة للعديد من المعلومات المضللة، المسؤولة عن توجيه الرأي العام فيما يتعلق بالوضعية الوبائية، لدرجة أن فكرة ضعف متحور أوميكرون و عدم تسجيل وفيات متعلقة به وكونه أقل خطورة من « دلتا» و» دلتا بلوس» ، سيطرت على كثير من الناس و دفعت بهم إلى التعامل بتهاون كبير مع الوضع ليتراجع بذلك ارتداء الكمامة و الالتزام بإجراءات التباعد و الكشف، بالرغم من تأكيدات مسؤولي الصحة وأخصائييها بأننا نعيش ذروة الموجة الرابعة من فيروس كورونا. ومن خلال حديثنا إلى بعض المواطنين بقسنطينة، لاحظنا بأن هناك ميلا إلى التصديق بأن أوميكرون لا يعدو كونه شكلا من أشكال الأنفلونزا الموسمية، و أن تأثيره على الصحة لا يختلف كثيرا عن تأثير نزلات البرد، وقد لمسنا لديهم نوعا من التراخي فيما يتعلق بالتوجه للكشف عن الإصابة بالمتحور الجديد، فبعض من سألناهم قالوا بأنهم أو أقرباء لهم أصيبوا بوعكات صحية مدتها ثلاثة أيام إلى أسبوع، لكنهم لم يخضعوا لاختبار الكشف عن كورونا، لسببين أولهما أن الأعراض جاءت خفيفة و مشابهة جدا لأعراض الأنفلونزا و الثاني متعلق بغلاء أسعار الفحوصات ففحص « بي سي آر» لا يقل عن 8000دج، بينما تتراوح أسعار فحصي « أونتيجينيك « و سيرولوجي»، بين 5200إلى 3000 دج دون احتساب تسعيرة الكشف الطبي والأدوية، وهي تكلفة مرتفعة نوعا ما مقارنة بقدراتهم المعيشية. الصيدليات حل مختصر رغم تحذيرات وزارة الصحة و الأطباء، و التشديد على ضرورة التقيد الصارم بإجراءات الوقاية، إلا أن المتجول في وسط مدينة قسنطينة، و بعض الأحياء المجاورة يلاحظ تهاونا كبيرا فيما يتعلق باحترام البروتوكول الصحي، فقليلون هم من يضعون الكمامات بالشكل الصحيح، و نادرا ما يكون هناك تباعد في الأماكن العمومية و حتى داخل فضاءات التسوق التي ينعدم بها التعقيم بشكل شبه كلي، وقد علق بعض من تحدثنا إليهم من تجار وأصحاب محلات على الوضع، بأنه بات « عاديا»، وأن المتحور الجديد عديم الخطورة حتى وإن كان يصيب الأطفال حسبهم. وعن عدم احترام شرط التعقيم والتباعد قال صاحب محل للأطعمة السريعة بشارع العربي بن مهيدي، بأن جميع من يعرفهم مرضوا تقريبا و أصيبوا مؤخرا بعدوى أوميكرون لكنهم شفيوا بعد أقل من أسبوع، بالتالي فإن الوضع ليس بالخطورة التي تستدعي تعطيل العمل، حتى أنه نصح عاملين لديه ارتفعت حرارتهما مؤخرا، بشرب منقوع النعناع و الفيتامين « سي» و دواء دوليبران و قد تحسنا فعليا دون الحاجة إلى الكشف و « الوسواس» كما علق، أما تاجر ملابس بشارع عبان رمضان، فاعتبر بأن عملية التلقيح التي خضع لها المواطنون حسبه، قد أكسبتهم مناعة جماعية ضد الفيروس و متحوراته، وقالت سيدة قابلناها في سوق «الإخوة بطو»، بأنها قرأت على فيسبوك، بأن المتحورات الجديدة ضعيفة وبأن كورونا يستمر في فقد قوته و خطره كلما ظهر متحور جديد، و أضافت بأنها اختبرت الأمر بنفسها إذ عانت مؤخرا من أعراض تشبه الزكام لكنها قصدت الصيدلية وحصلت على بعض الأدوية والمقويات التي وصفها الطبيب لابنتها حين أصيبت بكورونا قبل سنة، وقد تحسن وضعها سريعا. محدثونا أجمعوا، على أن الوضعية الوبائية ليست بخطورة الموجتين الأولى والثانية والثالثة، فلم نشهد كما قالوا، ارتفاعا في حصيلة الوفيات كما لم نعاني من أزمة أكسوجين، لأن الفيروس فقد قوته حسبهم، حتى أن غالبيتهم أكدوا، بأن العلاج يمكن أن يكون ذاتيا في المنزل أو عن طريق اتباع توجيهات الصيادلة فهم أيضا « يفقهون في الطب» على حد تعبير أحدهم. مغالطات كثيرة أخرى يتم الترويج لها على مواقع التواصل أثرت جدا على وعي المواطنين، وعلى مدى جديتهم في احترام إجراءات الوقاية الصحية، بداية بالتشكيك في فعالية البروتوكل العلاجي و ما أثير لاحقا من جدل حول اللقاحات و وصولا إلى التقليل من شأن متحور أوميكرون. وصفات طبية تتداول على فيسبوك زادت أيضا ظاهرة، تصوير الوصفات الطبية الموجهة لمرضى أوميكرون، ونشرها لتعم الفائدة كما يعتقده من يقومون بهذا السلوك، بالمقابل ينشر آخرون صور بعض المكملات الغذائية و الأدوية ويؤكدون على نجاعتها وفعاليتها في الشفاء السريع من المرض، و قد اغتنم آخرون فرصة تراجع الوعي بخطر التطبيب الذاتي و الاستهتار المتزايد تجاه الوباء، ليتاجروا ببعض المكملات الغذائية والفيتامينات التي يؤكدون بأنها سحرية لعلاج كورونا و يغرون زبائنهم بالتأكيد على أنها مستوردة من بلدان « كألمانيا». وبهذا الخصوص، يحذر الدكتور ضياء الدين بواب الأخصائي في الطب الداخلي، من مغبة التهاون مع الوضع الصحي، و من الاعتماد على التطبيب الذاتي في الوقت الحالي، مؤكدا بأنه حل غير مقبول تماما، لأننا نتحدث عن متحور لا نعرف كل تأثيراته الصحية، و بالتالي فإن تعاطي أدوية لا يختارها الطبيب قد يفرز مضاعفات غير محمودة وقال الطبيب، بأن تشابه البروتوكول العلاجي، لا يعني أبدا إلغاء الحاجة لزيارة المختص و الخضوع مسبقا لكشف الإصابة بالمرض، حتى وإن كان ما يحصل الآن من تهاون يتعدى حدود بلادنا ليشكل ظاهرة عالمية، أفرزتها بعض الاعتقادات الخاطئة، إذ يفضل البعض عدم زيارة الطبيب لتفادي الاتصال المباشر مع المرضى الآخرين في العيادات والمستشفيات، كما يحاول آخرون تقليص تكلفة العلاج بسبب ارتفاع تسعيرات الكشف، غير أن ذلك لا يبرر تماما هذا الاستهتار بالوباء و بالصحة و التوجه للتطبيب الذاتي خصوصا وأن لكل حالة مرضية خصوصيتها كما أوضح و أن الأعراض والتأثيرات تختلف من شخص إلى آخر. الطبيب شدد أيضا، على ضرورة الانتباه للجزئية المتعلقة بتزايد حالات إصابة الأطفال الصغار بالمتحور الجديد، و قال إن الأولياء يلجأون في العادة إلى التطبيب الذاتي عند مرض أطفالهم، ويستخدمون خافض الحرارة تلقائيا ودون العودة للطبيب، لكن الوضع مختلف الآن، و انتشار العدوى يلزمهم باستشارته مباشرة في حال رصدت أية أعراض غريبة، لأن الاستخدام العشوائي لخافضات الحرارة في هذه الحالة، قد يؤدي لمضاعفات خطيرة كالتعرض لنوبات الصرع والإصابات العصبية. وعن الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية بالنسبة للبالغين خصوصا عند ظهور أعراض كورونا، فقد حذر الطبيب من الأمر وأوضح، بأنها وإن وصفت قبلا لبعض الحالات، إلا أن هناك اختلافا في طريقة تعاطيها وهو أمر يمكن للطبيب وحده تحديده. إلى جانب ذلك، حمل الأخصائي مسؤولية الكثير من المغالطات الصحية، إلى الأداء الباهت لبعض الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، وانخراطهم في فوضى الترويج للمعلومات المتضاربة عن الوباء و متحوراته طلبا للشهرة.