يشهد «سوق العصر» الواقع بقلب مدينة قسنطينة، تراجعا كبيرا في النشاط ظهر أكثر مع حلول رمضان، الأمر الذي لم يتعود عليه التجار خاصة أن المكان كان يشهد حركية كبيرة في السنوات السابقة، حيث تقلص عدد الطاولات بشكل كبير ما أفقد هذا السوق نكهته الخاصة وهو الذي كان الأشهر بالمدينة و القبلة الأولى للمتسوقين لاسيما في شهر الصيام. لينة دلول «سوق العصر» الذي يقع بساحة بوهالي السعيد بين القصبة و شارع العربي بن مهيدي، يمتد وسط الأزقة الضيقة الفاصلة بينهما، حيث يُعرف إلى وقت قريب بانخفاض أسعار الخضر و الفواكه و اللحوم المعروضة به حتى أنه سمي بسوق الفقراء أو «الزوالية»، لكنه لم يعد يحتفظ بشعبيته الكبيرة، إذ أصبح يشهد نقصا كبيرا في الإقبال من طرف المواطنين خاصة خلال شهر رمضان الكريم. و قد دخلنا إلى «سوق العصر» حوالي العاشرة و النصف صباحا، و أبرز ما لاحظناه، هو توافد أعداد قليلة من الزبائن الذين يسألون عن أسعار الخضر و الفواكه ثم ينصرفون بسبب ارتفاعها، أما البقية فإنها تشتري بكميات أقل كثيرا مما هي معتادة عليه خلال سنوات ماضية في شهر رمضان حسب ما أكده لنا هؤلاء المواطنون، فثمن البطاطا و الخس والفاصولياء الخضراء، و الطماطم، و البروكلي لم يكن يقل عن 120 دينارا للكيلوغرام. و يبدو أن الترحيلات المتتالية من مدينة قسنطينة و بالأخص من المدينة القديمة، أثرت على الحركية في سوق العصر، لاسيما في ظل توجه العديد من المواطنين إلى التبضع من أسواق علي منجلي، فقد بدت بعض زواياه موحشة و هي التي كانت تعج بالزبائن خلال الأعوام الماضية، حيث لاحظنا أن العديد من الطاولات أصبحت خالية بعدما هجرها التجار لوجهة أخرى، حسب ما أكده لنا زملاؤهم. تحدثنا إلي بعض المتسوقين بالمكان، و بينهم شيخ قال لنا إن التجول في «سوق العصر» كان ضمن روتينه اليومي خلال الشهر الفضيل، و له نكهة خاصة، لاسيما أن الأسعار كانت منخفضة مقارنة بباقي الأسواق، ليتابع «إلا أنني في الفترة الأخيرة أصبحت لا أستطيع أن أقتني منه لزوجتي المكونات التي تحتاجها لإعداد الأطباق التقليدية». كما ذكرت ربة منزل أنها تتجول يوميا في سوق العصر لعلها تقتنص السعر الأفضل، حيث كانت في السابق تشتري أكياسا من الطماطم، ثم تقوم بتحضيرها و تخبئها في المجمد لتعد بها أطباقا بصلصة الطماطم خلال الشهر الفضيل، أما في الوقت الحالي فقد تخلت عن هذه العادة و أصبحت تشتري فقط الكمية التي تحتاجها. و يقول تجار بسوق العصر إن ارتفاع الأسعار ليس السبب الوحيد في العزوف المسجل، حيث ذكروا أن المرفق تأثر قبل ذلك بالأزمة الوبائية، كما أن توقف جهاز «التيليفيريك» منذ بضع سنوات صعب على القاطنين بأحياء كالأمير عبد القادر، جبل الوحش، و الزيادية و باب القنطرة و غيرها، من الوصول بسهولة إلى السوق و التبضع منه، بعدما كان وجهتهم المفضلة. تراجع في النشاط وصل إلى 80 بالمئة و يُعد انعدام النظافة و انتشار القوارض سببا آخر في نقص الإقبال، و هو ما يمكن اكتشافه من خلال الجولة القصيرة التي قمنا به داخل المرفق، إذ أصبح السوق لا يختلف كثيرا عن الساحات الفوضوية، فالأرضية متسخة و مهترئة و تنتشر بها القمامة و بقايا الخضر و الفواكه، كما تملؤها الحفر، في حين أن طاولات العرض لا تزال عبارة عن ألواح خشبية قديمة موضوعة بطريقة عشوائية فوق الصناديق البلاستيكية، كما تنبعث من مختلف الأزقة روائح كريهة، أما الأسلاك الكهربائية الموجودة في السوق فهي موصولة بطريقة عشوائية و منسدلة على رؤوس التجار و الزبائن مشكّلة بذلك خطرا على أرواحهم. و قال لنا تجار إنهم سجلوا نقصا في الحركية و الإقبال داخل السوق بنسبة 80 بالمئة، و هو الأمر الذي لم يتعودوا عليه في السابق، أين كانوا يستقبلون أعداداً كبيرة من الزبائن الذين يقصدونهم للحصول على بعض المنتجات من أغذية و خضر، الأمر الذي جعل المكان يفقد نكهته الرمضانية الخاصة التي عهدها سكان قسنطينة. ل/ د