فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختصون يعتبرون السلوك غير طبيعي ودليل تأزم وتفكك اجتماعي
نشر في النصر يوم 16 - 08 - 2011

استهلاك جنوني يفقد الجزائريين البوصلة في رمضان
تشهد الأسواق الجزائرية منذ عشية رمضان تدفقا هستيريا للمواطنين الذين يتهافتون على المواد الاستهلاكية بشكل مفرط ويقضون معظم أوقاتهم في التبضع مما جعل الفضاءات التجارية لا تستوعب جموع المتسوقين وتتحول إلى أماكن مكتظة يسودها الضجيج والتزاحم في مشاهد لم تنقطع بل ازدادت حدة مع اقتراب عيد الفطر والدخول الاجتماعي. المختصون أجمعوا على أن المجتمع الجزائري يشهد حالة من التوجه غير الطبيعي نحو الاستهلاك خلال شهر رمضان وحتى خارجه أرجعوها إلى فراغات دينية ونفسية وترسبات لها علاقة بسنوات الندرة التي لا يزال هاجسها يغلب على فعل التسوق ليحوله من مجرد وسيلة لتلبية حاجيات الأسرة إلى هدف وطريقة للتعبير عن الذات، ويقولون أن الاقتصاد الموازي وغياب ضوابط تنظيمية حولا الأسواق إلى فضاءات لممارسة العنف والفوضى بعيدا عن منطق التسوق المبني على الحاجات. هذه التفسيرات دفعت إلى دق ناقوس الخطر حول اختلالات متسارعة لم تعد مقتصرة على المناسبات بل أصبحت حالة مزمنة نقف عليها يوميا بالأسواق المنظمة والفوضوية وما تشهده من مظاهر تخلف وصخب .
الاستهلاك المفرط يخلق حالة طوارئ بالأسواق
لم يكن التهافت غير الطبيعي على المواد الاستهلاكية عشية شهر رمضان مجرد حالة عابرة ناجمة عن هاجس الندرة التي لم يعد لها وجود إلا في مخيلة المستهلكين وإنما امتد الأمر إلى باقي أيام هذا الشهر بحيث تبدو الأسواق والمدن في حالة تأهب واستعدادات لطواريء لا علاقة لها بمناسبة دينية كشهر رمضان أو عيد الفطر.
قد يكون التسوق سلوكا طبيعيا ناجما عن حاجات يومية محددة ومعروفة لكنه في بلادنا تحول إلى ما يشبه الإدمان، أصبح ظاهرة بقدر ما أسعدت التجار و أصحاب الحاويات قلبت موازين الحياة و اختصرت يوميات المواطنين في التزاحم والتدافع واللهث على كل الفضاءات الفوضوية منها والمنظمة لشراء أي شيء وبأي ثمن ومهما كانت الظروف، الأسواق تختلط بها يوميا جموع المواطنين التي حصلت بينها وبين الفوضى ألفة غير طبيعية إلى درجة أن المتسوقين أصبحوا لا يحسنون التبضع إلا في أجواء يعمها الهتاف والضجيج والمناوشات.
الغريب أن الكل أجمع على أن ما شهدته الأسواق عشية رمضان غير طبيعي وأنه ناجم عن تخوف داخلي من الندرة لكن ما حصل بعد ذلك يحيل إلى ظاهرة تشمل فئات واسعة من المجتمع الذي أصبح الاستهلاك هاجسه وجعلنا نقف يوميا على مظاهر مرضية يفسرها المحللون بفراغ نفسي وبالتفكك في العلاقات الاجتماعية ويراها رجال الدين مخالفة للإسلام الذي يبالغ ذات المواطنين في إظهار الانتماء إليه بكل الطرق.
التسوق ومتعة.. التدافع والضجيج
قسنطينة التي تعد من أهم المدن التجارية بالجزائر والمعروفة بالنشاط الموازي سجلت بها حركية غير منطقية قبل شهر رمضان تواصلت بحده أقل خلال الأسبوع الأول لتتجدد منذ أيام تأهبا لعيد الفطر والدخول الاجتماعي، حيث لا تخلو سوق من التدافع والفوضى والشجارات، حتى أرقى المجمعات التجارية نجدها مكتظة عن آخرها ليل نهار وكأنما التجارة ستتوقف بعد العيد والناس لن يجدوا من أين يقتنون حاجاتهم من الأكل والشرب واللباس، الإقبال يشمل كل السلع ومهما كانت نوعيتها، ففي نفس السوق يمكنك أن تحصل على الخضر والفواكه واللحوم والأواني المنزلية و الأفرشة إكسسوارات المطابخ والحمامات، رغم أن اللافتة الخارجية تدل على سوق للخضر الفواكه.
فسوق "فروندو" بوسط المدينة الذي كان إلى تاريخ ليس ببعيد يوصف بسوق الأغنياء لم يعد يختلف في تفاصيله عن السويقة، فالمربعات التجارية لم تعد هناك ممرات توصل إليها بعد أن استغلت في وضع طاولات لبيع مختلف السلع من ألعاب وتجهيزات الكترونية وخضر موسمية، أما المداخل فيتطلب عبورها القفز أو التزاحم على ما تم تبقى من منفذ لوجود باعة منتشرين بها، ويحتاج التوغل إلى السوق جهدا كبيرا يضطر المتسوق إلى أن يشتري أي شيء ويسارع بالخروج حتى لا تصيبه نوبة عصبية من الأصوات المتعالية هنا وهنا والتي لا تخلو من المناوشات.
وبسوق بومزو الأوسع نوعا ما نجد نفس المعطيات التي لم تمنع المتسوقين من قضاء ساعات في التجول بداخله غير آبهين بالإزعاج والروائح الكريهة المنتشرة بالمكان ولا بحالات التمويه والتحايل التي ينتهجها التجار لصرف بضائعهم، نفس المشهد نجده بالسويقة التي تعد حالة مختلفة نوعا ما، لأن الأمر لا يتعلق بسوق مغطاة بل بمجموعة من المحلات التي ظهرت في محيطها سوق فوضوية لكن لها زبائنها الذين لا يقبلون بغير أزقتها الضيقة وما يقولون عنه الأجواء الخاصة للمدينة القديمة، فهناك فئة كبيرة من المواطنين لا ترضى بديلا عن هذا المكان المكتظ الذي تتداخل فيه المنازل والمحلات وتختلط به مختلف السلع لتتفاعل كيميائيا مفرزة روائح يقول عنها المواطنون أن لها نكهة خاصة لا توجد خارج المدينة القديمة مما يجعلهم يدورون في فلكها بحتا عن متعة لا يعرف طعمها غيرهم.
الفوضى تنتقل إلى الأسواق العصرية
بالانتقال إلى أسواق أكثر عصرية وتطورا تتكرر المشاهد ذاتها فبعد أن أصبح التسوق بما يعرف ب"السوبيرات" والبازارات احد طرق التظاهر و الانتماء إلى طبقة معينة تحولت هذه الأسواق الصغيرة والمتوسطة إلى قبلة يومية للمئات ليل نهار وبشكل لافت للانتباه خاصة بمدن قسنطينة الخروب وعلي منجلي، وهناك قد تكون الأمور أكثر تنظيما بحكم وجود محلات ومربعات محددة المجال لكن أجواء الصخب و الازدحام هي نفسها لان المواطنين يفتقدون لأولويات التسوق وقد وجدوا في هكذا أسواق مجالا لشراء كل شيء ودون برمجة، حيث تعرف هذه الفترة من شهر رمضان بالتهافت على المكسرات ومواد إعداد الحلويات وعلى الأواني و الأفرشة والأثاث وكذلك الألبسة والمأكولات وهو ما يفسر عدم انقطاع الحركية التجارية وتواصلها حتى الساعات الأخيرة من شهر رمضان أين يصبح الهاجس هو الخبز والحليب في سيناريو مشابه لما عشناه عشية رمضان.
معارك يومية أمام المخابز
وتشهد المخابز طوابير ومعارك يومية تبدأ في الساعات الأولى من اليوم أين يقتني المواطنون مختلف أنواع الخبز العادي والمحسن والتقليدي والعصري والخبز الصغير من نوع البريوش والكبير و كل أنواع الحلويات، وكأنما الوجبة مقتصرة على الخبز، وهي كميات مآلها المزابل التي تعج بأكياس الخبز التي ترمى يوميا لانها تزيد عن الحاجة، وتوحي الطوابير اليومية بوجود أزمة خبز لكن في الواقع التبذير والتهافت الكبير افتعلا أزمة تبلغ أقصى دراجتها يومين قبل عيد الفطر اين تبدأ الاستعدادات للتخزين.
ولا يقتصر الإقبال على المحلات والأسواق فقط بل نجد في الأرصفة أسواق موازية للخضر والفواكه والتين الشوكي واللبن والزبدة ومواد أخرى تصبح لها شعبية كبيرة تنافس شعبية الزلابية والدوبارة و البوراك وكل أنواع المأكولات التي تضعنا في خانة المجتمعات المستهكلة وبإفراط وتجعل العائلة الواحدة تصرف خلال شهر رمضان ما يقابل ميزانية نصف سنة في سيناريو يتكرر سنويا وبنفس القدر من التبذير والتهافت المرضي.
نرجس/ك
الباحث في علم الاجتماع عبد المجيد مرداسي
الظاهرة دليل تأزم ومؤشر على تفكك اجتماعي
فسر الباحث في علم الاجتماع الدكتور عيد المجيد مرداسي الفوضى الحاصلة في مظاهر التسوق و الاستهلاك المفرط غير المدروس للأفراد والجماعات بأنه مؤشر على وجود نوع من التفكك في العلاقات الاجتماعية معتبرا ما يحصل إشارات على وضع متأزم وتغيرات تحصل بشكل متسارع تحت تأثير الأنماط المستوردة.
وأرجع الباحث ظاهرة التهافت غير المنقطع على الأسواق إلى معطيات ديموغرافية قال أنها غيرت الأسس الاجتماعية وخلفت حركة عمران واسعة وعميقة خلقت تغييرات في السلوك الفردي والجماعي معتبرا أهم معالم التغيير التحول من العائلة الواسعة إلى العائلة النووية، وهو أمر يقول أنه أدى إلى بروز احتياجات جديدة وهي معطيات يشير بأنها وراء التحول الجدري لنمط الاستهلاك بالجزائر، و لا يكمن التغير في تحليل الباحث في أنماط الاستهلاك بل في طريقة الطبخ والثقافة الغذائية بحيث اختفت الطقوس القديمة و ظهرت تقاليد أخرى لها علاقة بالسوق من عرض وطلب.
الدكتور مرداسي يرى أن المجتمع الجزائري أصبح معروفا بالانخراط في الاستهلاك بدون حدود وعاد بنا إلى الخمسة عشر أو العشرين سنة الماضية بالقول أن الرجل هو من كان يتسوق آنذاك أما حاليا فأغلبية المتسوقين نساء وهو مؤشر على تغييرات اجتماعية عميقة قال أنها تطلبت قرون في مجتمعات أخرى أما عندنا فقد حصل تسارع في التغيير تحت ضغط الأنماط المستوردة من الفضائيات و الأنترنيت بعد أن تحولت الوسائط إلى المرجع الاستهلاكي للمجتمع وجعلت المرأة تبتعد عن تقاليد أجدادها تدريجيا وتنساق نحو ما هو معروض.
ويرى السيد مرداسي أن هناك قوانين تحكم العلاقة بين المستهلك والتاجر وأن مسؤولية تنظيم السوق تقع على عاتق الدولة لكن بما أن الاقتصاد الموازي هو المسيطر فهو المتحكم في سلوكات الأفراد والمجموعات داخل المجمتع، مشيرا بأن كون الشعب الجزائري فقير مجرد خطاب لا علاقة له بالواقع لأن المداخيل الفعلية لا تكمن في الراتب فقط بل في مداخيل أخرى موازية لفئات قال بأنها بسلوكاتها المفرطة تغطي على الفئات الهشة معتبرا قلة الطلب على العمل مؤشر واضح على وجود اقتصاد رسمي تطغى عليه الرشوة و اقتصاد موازي يطغى على سلوكات المجتمع وأنماط معيشتهم.
الباحث يرى وجود تناقض بين ظاهرة الإستهلاك المفرط خلال رمضان والمظاهر الدينية الوجدانية التي تتخلل الشهر مشيرا إلى وجود فرق بين الانتماء لقناعات الإسلام والمظاهر الخارجية للدين ومتحدثا عن نوع من التفكك في العلاقات الاجتماعية معتبرا ما يحصل إشارات على وضع متأزم وحركة متجهة نحو الاستمرار تتخذ أشكالا جديدة لأن المجتمع يبدو من النظرة السطحية أنه جامد لكنه مجتمع يتميز بحركية قوية في كل الاتجاهات في نظر الأستاذ
مرداسي. ن/ك
الأستاذ في علم النفس العيادي نور الدين مزهود
الاستهلاك المفرط أداة للتعويض عند الجزائريين
أرجع الأستاذ في علم النفس العيادي نورالدين مزهود سلوكات الأفراد وتعاملاتهم الخاطئة مع الاستهلاك لفراغات نفسية وحالة من التخلف حولت الاستهلاك إلى هدف وحالة من التعويض مما حول الأسواق إلى أماكن يسودها العنف والتدليس واصفا الفرد الجزائري بالمتوتر والعنيف والمتقلب المزاج ومحملا المؤسسات مسؤولية العشوائية السائدة.وحسب الأستاذ مزهود فإن زيادة الاستهلاك التي يعرفها المجتمع الجزائري بدأت بوادرها من أكثر من عشر سنوات وهو أمر مرتبط برأيه بالاستقرار الذي عرفته البلاد وبالطفرة البترولية و ارتفاع مداخيل الأفراد والعائلات مما سمح بالقيام بمدخرات وبالتالي زيادة الاستهلاك، مشيرا بأن المداخيل أصبحت متعددة داخل الأسرة الواحدة بسبب الاقتصاد الموازي الذي ساعد على تحسين مستوى الدخل واعتبر الإشهار والفضائيات من أسباب تنوع الاستهلاك وتزايده.ويرى المتحدث أن الاستهلاك في حد ذاته لا يعد مشكلا لكن التفتح الاقتصادي وتحول االجزائر إلى بازار للسلع الآسيوية والتركية حول الاقتصاد الجزائري من منتج إلى مستهلك، مشيرا بأن التسوق مثل باقي السلوكات الاجتماعية تضبطه مجموعة من القيم لكن في بلادنا نرى سيولا من البشر تسير في مختلف الاتجاهات، أغلبهم نساء، مسجلا تغير العادات وطغيان منطق الاستهلاك ، السيد مزهود يعتبر طريقة الاستهلاك انعكاس لثقافة تحضر وتمدن وما يتخذه من أشكال بالجزائر يعطي صورة واضحة عن واقع تسوده الفوضى والعشوائية، المختص النفساني لاحظ فرق كبير في سلوكات المتسوقين عندنا وبالبلدان المتطورة، سواء في طريقة الكلام والمشي أو حتى ثقافة التبضع، واصفا أسواقنا بالأمكنة المكتظة الصاخبة والتي يغلب عليها الكلام الساقط أين نجد أصوات الباعة مرتفعة و شجارات وجرائم ترتكب تصل حد القتل، وكلها مؤشرات على حالة من اللاتحضر في تشخيص السيد مزهود الذي يرى بأن علاقة البائع والشاري مبنية على الأمر وعلى تبادل لفظي مبتذل واصفا الفرد الجزائري بالمتوتر والعنيف والمنفعل والمتقلب المزاج .فحتى الأسواق المنظمة تسودها أجواء متشجنجة يشترك فيها التاجر والمشتري في ثقافة واحدة لانعدام ما أسماه المختص بالسلوكات المقننة الأمر الذي افرز فوضى. وعن طريقة الاستهلاك، يقول محدثنا، أن التبضع من المفروض أن يكون مبرمجا لكن في الجزائر نفتقد لهذا العنصر لأن الجزائري مفهومه للعمل خاطئ ويمكنه أن يذهب إلى السوق أثناء مواقيت العمل، وهو ما يقول عنه الطبيب النفساني بأنه سلوك مشوش لأفراد ومجموعات تعيش يوما بيوم ولم تتمكن من تجاوز مرحلة الندرة في تعاملاتها، هذا بالنسبة للمستهلك أما التجار فقد سادت في أوساطهم ثقافة المكر والخداع والغش والتدليس.
وعن الأجواء التي تشتد خلال شهر رمضان والعيد قال الأستاذ مزهود أن المواطن يختصر الصوم في الاستهلاك ما يعبر عن فراغ روحي مفسرا انعدام التأثير الإيجابي للمدنية والعولمة على الجزائري بكون لديه "مقاومة سلبية لكل ما هو إيجابي ويحافظ على العشوائية والفوضى في كل الظروف"، لكن على مستوى الخطاب كل الجزائريين متحضرون وهو ما يسمى، في تشخيص المتحدث، بالانفراط أي اللاتجانس بين الكلام والفعل وهو أمر مرادف للتخلف.المتحدث قال بأن غياب مشروع مجمتع و انعدام مؤسسات تلعب أدوراها المطلوبة تكون نتيجته ما يجري من تناقضات ومن عقد ومن لهث وراء الشكليات كون المجتمع برأيه متخلف ومتخبط وقال أنه حول الاستهلاك من أداة في خدمة الأسرة إلى هدف في حد ذاته مما جعل الأسرة الجزائرية تعيش في ضياع وفراغات نفسية كبرى تؤدي إلى القيام بالتعويض تماما مثلما يحصل للإنسان المريض بالأكل مستغربا حالة التكلف التي قال بأننا لا نجدها حتى في أكثر الدول تطورا أين يكون المواطن بسيطا في كل سلوكاته. ن/ك
إمام مسجد الأمير عبد القادر الأستاذ يوسف علال
الفهم الخاطىء للعبادة والثقافة السطحية وراء الاستهلاك السلبي
يرى إمام مسجد الأمير عبد القادر بولاية قسنطينة الأستاذ يوسف علال بأن الفهم غير السليم لمعاني العبادات وراء شيوع الكثير من الظواهر و العادات السلبية في المجتمع الجزائري و التي من بينها الاستهلاك المبالغ فيه في المناسبات و الأعياد الدينية و التي تبلغ ذروتها في شهر رمضان الذي حوله المواطن الجزائري من شهر للصيام إلى شهر للتخمة.
حيث يقول الإمام "إن الأصل في شهر رمضان أن يقل استهلاك الإنسان المسلم للطعام، غير أن ما يبعث على الاستغراب أن العكس هو الحاصل في مجتمعنا، إذ أصبح ما يستهلكه أو يقتنيه الفرد الجزائري في هذا الشهر ربما يقارب ما يقتنيه في باقي أيام السنة، و هذا سلوك يعتبر تبذير و هو ما نهى عنه الله عز و جل في قوله تعالي في الآيتين 26 و 27 من سورة الإسراء " و لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا..."، فأغلب الصائمين في وقتنا الحالي أصبحوا و كأنهم ينتقمون بهذا السلوك من صيام 16 ساعة".
و يقول الأستاذ علال بأنه من غير الممكن اعتبار ظاهرة الاستهلاك المبالغ فيه بالجزائر تقليدا لشعوب أخرى، لكون الفرد الجزائري خلق في نفسه حب الاستهلاك الكمي و ليس النوعي مع كل مناسبة دينية و الذي يبلغ ذروته في شهر رمضان، أما عن الأسباب التي تقف وراء ذلك فهي كما يقول تعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الإيمان و عدم معرفتنا لحقيقة العبادات و حقيقة الصوم لأن الكثير منا يصوم عادة و عرفا، كما اعتبر التجار من بين العوامل المساعدة على توسع نطاق الظاهرة و ذلك بحالة التأهب القصوى التي يدخلون فيها و أصحاب المؤسسات التجارية قبيل كل عيد أو مناسبة دينية لتوفير شتى أنواع المواد الغذائية و الاستهلاكية بكميات هائلة، إلى درجة أصبح فيها ما يسهلك خلال شهر رمضان مثلا لوحدة يقارب ما يستهلك و يوفر من منتوجات خلال باقي أيام السنة.
أما عن كيفية مجابهة الظاهرة التي وصفها بالسلبية، فإن الإمام يقول بحتمية تكريس مجهودات جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع و التي تبدأ من الأسرة التي يجب أن تغرس في أبنائها حب الخير و نبذ كل طرق التبذير التي نهانا ديننا عنها، فالأسرة إن تخلت عن هذه المسؤولية استقي الأبناء قيمهم من التليفزيون و الإعلام و الأصدقاء فتنتقل إليهم خبرات سلبية حول عدم احترام المال و الإسراف في استخدامه و إنفاقه و ترسيخ هذا المفهوم يحتاج إلي عمل تربوي جاد تتضافر فيه جميع أجهزة التنشئة و التربية و ذلك لأننا نعاني من ثقافة سطحية و هناك تبذير لا يرضى عنه دين ولا صاحب عقل، كما لوسائل الإعلام دورها في المهمة و ذلك من خلال المواضيع المنشورة في الجرائد و كذا الومضات الاشهارية التي تحسس المواطن بضرورة التعقل في التبضع و نبد التبذير.
إيمان زياري
مدير التجارة لولاية قسنطينة
هاجس الندرة أفرز ثقافة التهافت
يعتبر مدير التجارة لولاية قسنطينة السيد زيدان بولعراق الفراغ الناجم عن الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى الاقتصاد الحر سببا في تفشي هاجس الندرة وثقافة التهافت التي أفرزت حالة من الفوضى التجارية في ظل الافتقار لفضاءات التوزيع الكبرى. حيث يقول أنه وبعد حل الأروقة وأسواق الفلاح لم تبق هناك فضاءات كبرى تلبي حاجيات المواطن مما جعل الأسواق الصغرى المتوفرة تبدو مكتظة لعدم تلبيتها للاحتياجات، مشيرا بأن الخواص مؤخرا فقط بدأوا يستثمرون في المجال التجاري و بفضاءات تبقى صغيرة ومتوسطة، واعترف المسؤول بانعدام ثقافة الاستهلاك لدى الفرد الجزائري وقال بأنه في بلادنا توجد ثقافة تهافت و انسياق وراء ما يستهلكه الآخرون و أننا نفتقر للقناعة التي جعلتنا نبدو دائما في حالة بحث دائم عن السلع.
السيد بولعراق ارجع حالة التوجس المسيطرة على شعور المستهلكين للهوة التي خلفها التحول من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق والتي جعلت المواطن برأيه يفتقد للثقة في السوق ويعيش هاجس الندرة الذي تحول تدريجيا إلى ثقافة، ويكمن الحل في رأي مدير التجارة في الإنشاءات التجارية للتوزيع المبرمجة من طرف الوزارة التي تساعد على التخلص من الخوف، ولم ينكر المسؤول وجود فوضى تجارية جعلت المستهلك يقتني دون وعي ويهتم بالسعر على حساب النوعية.
الترسبات الناجمة عن الفترة الصعبة التي مرت بها بلادنا لها دور في محو الجوانب الأخلاقية التي كانت تحكم المجتمع وفي تفشي العشوائية في كل شيء برأي محدثنا الذي أرجع نقص الاستثمار الخاص رغم الخصوصية الاستهلاكية للمجتمع لعدم ثبوت القوانين والتخوف من المغامرة بتفضيل الاستيراد وما يوفره من سهولة في تصريف السلع وبتكاليف أقل، حيث أن الدولة فتحت الاستثمار منذ 2009 لكن الإقبال يبقى محدودا.، لكنه يرى في غياب المجتمع المدني عنصرا في تفشي اللاوعي الاستهلاكي.
وزارة التجارة أصدرت مؤخرا دليلا للمستهلك تحاول من خلاله إرساء تقاليد للتسوق وفق الاحتياجات وهي وثيقة تم نشر على موقع الوزارة الذي لا يطلع عليه إلا عدد محدود من المواطنين وتتضمن قواعد تعد بمثابة خارطة الطريق لرفع الإختلالات الحاصلة في الحركية التجارية سواء ما تعلق منها بعلاقة التاجر بالمستهلك أو بأولويات الاستهلاك التي يعتبر فيها الزبون ملكا. ن ك
رئيسة جمعية حماية المستهلك بقسنطينة سكينة كليل
ندرة السبعينيات رسخت فكرة التخزين
تعتبر رئيسة جمعية حماية المستهلك بولاية قسنطينة الندرة الحادة في المواد الغذائية و المواد الأخرى ذات الاستهلاك الواسع بالجزائر سنوات السبعينيات و الثمانينيات من العوامل الأساسية التي رسخت فكرة الاستهلاك غير المنظم في ذهنية الفرد الجزائري الذي أصبح يقبل على التبضع و التخزين بشكل مرضي، و على الرغم من أن الظاهرة بدأت في التقلص نوعا ما في السنوات الأخيرة مع الأزواج الجدد إلا أنها لا تزال موجودة بنسبة كبيرة و تتضاعف بشكل أكبر تزامنا مع المناسبات و الأعياد الدينية خاصة في شهر رمضان الذي يدخل خلال أيامه الثلاثين المواطن في سباق مع نفسه لاقتناء كل شئ و بكميات كبيرة من غير الممكن له أن يستهلكها كلها.
و ترى السيدة سكينة كليل بأن الحل الأمثل للحد من الظاهرة هو استغلال المساجد لتوعية المواطنين بضرورة تنظيم طريقة استهلاكهم، حيث يعبر الأئمة من بين الأفراد الفاعلين في العملية من خلال الخطب و النصائح التي يقدمونها لشريحة كبيرة من مرتادي المساجد، بالإضافة لدور وسائل الإعلام البصرية منها و السمعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.