يخرج الشيخ خفيفا إلى النهار. لا خوف في قلبه هذه المرة ولا توجّس. يبتسم في سرّه إذ يرى الجموع التي كانت تنصرف عنه حين كان اسمه تهمة، تقبل نحوه، تتمسح بعباءته كقطط وديعة وتصغي إلى ما يقول في طاعة المكفّر عن إعراض في غير محلّه. يبتسم الشيخ للنهار. يبتسم للقطط. يبتسم للجثث التي لم تحسن تدبير شؤونها فمنّ عليها بخلاص هو إراحة للغافل من شر العواقب. ها قد عدنا. يقول. كأن شيئا لم يتغيّر. زلّة قدم وتم تداركها. لا بأس. سنعيد الزمن الأول، لا حاجة للاعتذار عما فعلنا كما يقول شاعرهم الذي قضى دون أن يصيبه رضوان منا، لا حاجة إلى التذكير فذكرياتنا معنا تحملنا إذا تعبنا ونحملها. يبتسم الشيخ للجموع. يبتسم للقائل لم نفهمكم جيدا. يبتسم لنساء تفصله عنهن تمتمة ويدان مرفوعتان إلى السماء في شكل كتاب. يبتسم للغيب الذي يسبّق جنة عن أختها. يبتسم لهيلاري ذات القفطان المغربي المذهّب وهي تناوله حجرا يضعه في أفواه الخصوم. يبتسم الشيخ للكوادر التي اكتشفت فضيلة التسامح ونعمة العيش المشترك. يبتسم للجمهوريين التائبين. يبتسم للشفافية وهي تشير له من النافذة. يبتسم للنزاهة وهي تجتهد لتثبت له أنها أحلى من جارتها التي تشير له من النافذة. يبتسم للصناديق والقوائم والهيئة والأموات الذين لم يثبتوا أنهم كفوا عن الحياة و الأحياء الذين لم يقدموا أي دليل على موتهم. يبتسم للمراقبين الأجانب و اللوجستيك والشبان الذين سيصوتون لأول مرة يبتسم لربات البيوت والمذيعات اللائي يتدربن على ترك المتدخل يقول ما يشاء. يبتسم للموظفين اللطفاء الذين تعاملوا معه بدون خلفيات والموظفات اللائي ابتسمن في حياء. يبتسم في سره ويقول أن الأمور بسيطة لا تحتاج إلى حروب وخيول وفتاوى وملامات ومعاهدات. يبتسم الشيخ في سره وعلنه فتبتسم الجموع في علنها. يرفع يده. يسود الصمت. بعد قليل يبدأ خطبته الطويلة. يخرج الشيخ خفيفا إلى النهار. يمسح الشيخ النهار بنظرة العارف وحين يلقي بخطوته الأولى ينكسر النهار، فيما تتزين السيدة التي لوحت من النافذة (لغيره ربما) وكذلك تفعل جارتها أما القطط فقد تجمعت في مدخل النهار في انتظار عابر آخر. سليم بوفنداسة