تقديم العرض الأول للملحمة التاريخية - ألا فاشهدوا - بأوبرا الجزائر احتضنت أوبرا الجزائر «بوعلام بسايح» بالجزائر العاصمة، سهرة أول أمس الاثنين، ملحمة تاريخية بعنوان «ألا فاشهدوا»، شارك فيها العشرات من الممثلين والفنانين، بمناسبة الاحتفالات بالذكرى ال 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، تضمنت 18 لوحة عكست تاريخ الجزائر العريق منذ ما قبل التاريخ إلى غاية اليوم. هذا العرض الفني الملحمي، حضره كبار مسؤولي الدولة يتقدمهم رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل و رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي والوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، ورئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج و عدد من أعضاء الحكومة و مستشارين لرئيس الجمهورية، إلى جانب سفراء وممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر ، والأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، ورئيس جمهورية الموزمبيق الأسبق وعدد كبير من أفراد الأسرة الثورية. وسبق افتتاح العرض، تدخل وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، الذي أكد بأن عيد الاستقلال الوطني هو ثمرة كفاح بطولي وشاق سيظل خالدا متجذرا في وجدان أبناء وطننا وفي ذاكرة الإنسانية جمعاء. ودعا ربيقة، أبناء جيل اليوم من الشباب إلى السير ''على النهج القويم لمواجهة تحديات العصر واستكمال مشوار تجديد الصرح الوطني''، مؤكدا بأن الجزائر قادرة على الدفاع عن مصالحها ولديها من الإرادة والسيادة والخبرة والإمكانيات والحكمة ما يجعلها في مأمن ومنأى عما يراد لها. كما أكد على أن بلادنا ‹›كانت وما تزال وستبقى واحدة موحدة بجيشها سليل جيش التحرير الوطني وشعبها الأبي الشهم››. ويبرز هذا العمل، أسس تكون المجتمع الجزائري منذ العصور الغابرة سواء من حيث المراحل التي أسهمت في تكوينه، أو نضالاته في التأسيس لمقومات هويته، ، و كذا تاريخ الأجداد الحافل بالمنجزات وتعريف الأجيال وتوعيتهم بأهمية الدفاع عن تاريخ الجزائر ومكتسباتها، إضافة إلى مكانة ثورة أول نوفمبر الخالدة في استرجاع السيادة الوطنية وتأسيس الدولة الجزائرية الحديثة. وقد استمتع الجمهور بالعروض الرائعة التي قدمتها هذه الملحمة التي أنتجتها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، سيما وقد جاءت في شكل فسيفساء رائعة تمازجت فيها الموسيقى بالرقص والحكي والغناء والإلقاءات الشعرية مرفقة بالمؤثرات السمعية البصرية التي تعكس المعالم الكبرى لتاريخ الجزائر منذ آلاف السنين وإسهامات الجزائريين في الفكر والثقافة والتاريخ الإنساني. وما زاد في جماليات العرض، الديكور المدعم بالهياكل، الحربية والبواخر المتحركة والإكسسوارات ومختلف المشاهد التاريخية إضافة إلى الأضواء المتعددة لمسة خاصة على هذا العرض، الذي دام زهاء الساعتين. 140 ممثلا و 90 راقص بالي شاركوا في الملحمة وقد تمازجت الكثير من الصور الأرشيفية، من الجرائد وصور المقاومين والمجاهدين ومناظر الجزائر الطبيعية، وخرائط الجزائر، المعروضة كلها على الشاشة العملاقة في الخلفية لتعكس للمشاهدين مختلف الفترات التاريخية المتعاقبة على أرض الجزائر والتنوع والثراء الكبير في ثقافتها. هذا العرض كتب نصه الصادق بخوش وصمم له الأزياء بخاري حبال بمشاركة 90 راقص بالي و140 ممثلا على غرار حسان كشاش الذي أدى ببراعة دور الراوي، مبينا تلاحق حقب التاريخ بأحداثه ورموزه من العلماء والأدباء والأبطال ومن إليهم، يضاف ذلك إلى الموسيقى والشعر والتمثيل كفعل خلاق، يؤيد بالحركة الحضور الإنساني المادي والمعنوي من خلال التعبير المختلف، فضلا عن ترسانة من الديكورات والإكسسوارات التي تترجم تعاقب الحقب والعصور ومميزات نمط عيش السكان والشعوب الذين تعاقبوا خلال مختلف الفترات التاريخية. كما أبدع المصممون في حياكة الألبسة المختلفة للنساء والرجال وأدوات الحياة منذ العصر البدائي لما قبل التاريخ وصولا إلى ما بعد ثورة التحرير المباركة يضاف إلى ذلك التعبير الكوريغرافي، الذي يترجم تعدد الروافد الثقافية لبلادنا وتنوعها، ومدى ما تستغرقه هذه التشكيلات الكوريغرافية من محمول معنوي وقيمي في السلم والحروب والأفراح والأتراح. والشيء الملفت هو التألق الذي ظهر به الممثلون الذين تقمصوا مختلف الأدوار مثل الفنان حميد عاشوري وسميرة صحراوي وعبد النور شلوش وغيرهم إلى جانب مجموعة من المغنيين الشباب كإبراهيم حدرباش وآمال سكاك. وما زاد أيضا في جماليات العرض، الاستعمال الموفق وبإبداع كبير للتكنولوجيا في هذه الملحمة من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد وكذا الهولوغرام حتى أنه يخيل أحيانا للجمهور أنه جزء من هذه الملحمة ويعيش أحداثها عن قرب. مشاهد قوية لفترات التاريخ العريق للجزائر وهكذا نجحت فرق المخرجين والسينوغرافيين ومنفذي الديكور ومصممي الإكسسوارات والمؤلفين والموزعين الموسيقيين، في تجسيد مشاهد معبرة وقوية في تجسيد مختلف فترات التاريخ العريق والمجيد للجزائر على مر العصور، من رسومات الطاسيلي لما قبل التاريخ إلى الفترة النوميدية ثم العهد الإسلامي الأول ثم الفترة العثمانية وصولا إلى تاريخ الجزائر المعاصر وفترة الاحتلال الفرنسي الذي حل معه الخراب والدمار، وهي المرحلة السوداء التي كان لها مكانة كبيرة في الملحمة. وتم في هذا السياق تسليط الضوء على مقاومات الأمير عبد القادر والشيخ أحمد باي والشيخ بوزيان ولالة فاطمة نسومر وكذا مقاومة الطوارق وصولا إلى الصحوة الإسلامية والبروز القوي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان يرأسها العلامة، عبد الحميد بن باديس والحركة الوطنية بزعامة مصالي الحاج. وتم التعريج أيضا في صور ملحمية لمجاز ال 8 ماي 1945 وصولا إلى انطلاق حرب التحرير المجيدة وأبطالها الخالدون، وما اكتنفها من أحداث وبطولات التي واجهت بطش الاستعمار الفرنسي. وانتهت الملحمة بإبراز صور استقلال البلاد ومراحل الإنجازات الكبرى التي حققتها بلادنا على مر الستين سنة الماضية. ومعلوم أن هذا العمل الذي أنتجه ونفذه الديوان الوطني للثقافة والإعلام، لحساب وزارة المجاهدين وذوي الحقوق عرف تفاعلا كبيرا من الجمهور الذي حضر واستمتع بالجودة الفنية والإبهار البصري الكبير الذي عكسته مختلف اللوحات المشكلة حيث امتزجت الهتافات والتصفيقات بزغاريد النسوة، سيما خلال المشاهد التي أبرزت المقاومة الشعبية وثورة التحرير المجيدة، لتختتم الملحمة بتقديم عددا من الأغاني الوطنية، مع احتفاء خاص بفلسطين وتكريم لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ومساره النهضوي في سبيل جزائر جديدة قوية وحضارية، بإبراز شريط من الصور التي تبرز هذا المسار.