احتضنت أوبرا الجزائر «بوعلام بسايح»، سهرة الاثنين، ملحمة تاريخية كبرى بعنوان «ألا فاشهدوا»، بمناسبة الاحتفالات بالذكرى 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، تضمّنت لوحات فنية مبهرة عكست تاريخ الجزائر العريق وحملت رسالة إجلال وعرفان للشهداء وعزم على مواصلة مسار البناء والتشييد. حضر العرض الفني الملحمي رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، ورئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، رئيس المحكمة الدستورية عمر بلحاج، وعدد من أعضاء الحكومة ومستشارين لرئيس الجمهورية، إضافة إلى سفراء وممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر وكذا العديد من المجاهدين وعائلات الشهداء. كفاح بطولي وشاق سيظل خالدا وقال وزير المجاهدين وذوي الحقوق، في افتتاح الملحمة، أنّ عيد الاستقلال الوطني هو «ثمرة كفاح بطولي وشاق سيظل خالدا متجذرا في وجدان أبناء وطننا وفي ذاكرة الإنسانية جمعاء (...) حريّ بجيل اليوم، أمل الأمة، من الشباب أن يسيروا على النهج القويم لمواجهة تحديات العصر واستكمال مشوار تجديد الصرح الوطني ..». وأكد الوزير، في سياق كلامه، أنّ «الجزائر قادرة على الدفاع عن مصالحها ولديها من الإرادة والسيادة والخبرة والامكانيات والحكمة ما يجعلها في مأمن ومنأى عما يراد لها، فالجزائر كانت وماتزال وستبقى واحدة موحدة بجيشها سليل جيش التحرير الوطني وشعبها الأبيّ الشهم ..». وافتتح العرض بعزف النشيد الوطني قبل أن يستمتع الحضور بعروض رائعة قدمتها هذه الملحمة التي أنتجتها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، حيث جاءت في شكل فسيفساء رائعة تمازجت فيها الموسيقى بالرقص والحكي والغناء والإلقاءات الشعرية، مرفوقة بالمؤثرات السمعية البصرية لتعكس المعالم الكبرى لتاريخ الجزائر منذ آلاف السنين وإسهامات الجزائريين في الفكر والثقافة والتاريخ الإنساني. تنوّع وثراء ثقافي كبير وأضاف الديكور المدعم بالهياكل والبواخر المتحركة والإكسسوارات ومختلف المشاهد التاريخية إضافة إلى الأضواء المتعددة لمسة خاصة على هذا العرض، الذي دام 90 دقيقة، وقد امتزجت خرائط الجزائر وأرشيف الجرائد وصور المقاومين والمجاهدين ومناظر الجزائر الطبيعية المعروضة كلها على شاشة عملاقة في الخلفية، لتعكس للمشاهدين مختلف الفترات التاريخية المتعاقبة على أرض الجزائر والتنوّع والثراء الكبير في ثقافتها. وعرف هذا العرض، الذي كتب نصه الصادق بخوش وصمم له الأزياء بخاري حبال، مشاركة 90 راقص بالي و140 ممثل على غرار حسان كشاش الذي أدى ببراعة دور الراوي، إضافة إلى حميد عاشوري وسميرة صحراوي وعبد النور شلوش وآخرين، وكذا مجموعة من المغنيين الشباب كإبراهيم حدرباش وآمال سكاك، وقد شاركت فيه أيضا فرق كاملة من المخرجين والسينوغرافيين ومنفذي الديكور ومصممي الاكسسوارات والمؤلفين والموزعين الموسيقيين. كما استعملت بقوة في هذه الملحمة التكنولوجيا، من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد والمابنغ وكذا الهولوغرام الذي جسد العديد من أبطال الثورة التحريرية كالعربي بن مهيدي وأيضا الفنانين كوردة الجزائرية. مشاهد معبرة لتاريخ مجيد وتميّزت الملحمة أساسا بمشاهد معبرة عكست التاريخ العريق والمجيد للجزائر على مر العصور، من رسومات الطاسيلي لما قبل التاريخ إلى الفترة النوميدية ثم العهد الاسلامي الأول ثم الفترة العثمانية وصولا إلى تاريخ الجزائر المعاصر والاستدمار الفرنسي الذي حلّ معه الخراب والدمار. وقد كان لهذه المرحلة السوداء في التاريخ الجزائري مكانة كبيرة في الملحمة، حيث تم تسليط الضوء فيها على مقاومات الأمير عبد القادر والشيخ أحمد باي والشيخ بوزيان ولالة فاطمة نسومر وكذا مقاومة الطوارق وصولا إلى الصحوة الإسلامية مع عبد الحميد بن باديس والحركة الوطنية بزعامة مصالي الحاج، مع التعريج أيضا على مجازر 8 ماي 1945، ثم أخيرا، حرب التحرير المجيدة وأبطالها الخالدون فالاستقلال وما تبعه من إنجازات كبرى حققتها البلاد على مدار ستين عاما. جودة فنية وإبهار بصري وعرف هذا الحفل، الذي أشرف على إنتاجه التنفيذي الديوان الوطني للثقافة والإعلام، تفاعلا كبيرا من الجمهور الذي حضر واستمتع بالجودة الفنية والإبهار البصري الكبير الذي عكسته مختلف اللوحات المشكلة، حيث امتزجت الهتافات والتصفيقات بزغاريد النسوة. وعبر الفنان عبد النور شلوش عن «سعادته وفخره الكبير بالمشاركة في هذه الملحمة المنظمة في إطار ستينية الاستقلال» الذي اعتبر أنّه «تتويج لثورة نوفمبر التي ضحى من أجلها الشهداء الأبرار والمجاهدون المخلصون». ولفت شلوش إلى أنّه أدى شخصية الشيخ أحمد بوزيان، قائد ثورة الزعاطشة بجنوب شرق البلاد، والذي أعدم هو وابنه على يد الاستعمار الفرنسي وأرسلت جمجمتيهما إلى فرنسا. واسترجعت الجزائر في ججوييلية 2020 رفات 24 مقاوما جزائريا للاستعمار الفرنسي من مختلف مناطق الوطن، منها رفات الشيخ أحمد بوزيان. واختتمت الملحمة بإلقاء العديد من الأغاني الوطنية مع احتفاء خاص بفلسطين وتكريم لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون ولمساره النهضوي في سبيل جزائر جديدة، قويّة وحضارية.