تحتضن الجزائر، الدورة العادية ال31 للقمة العربية، التي يراد لها أن تكون موعدا للم الشمل وإحداث التوافق وتبني رؤية موحدة لتعزيز العمل العربي المشترك، وأكد عدد من وزراء الخارجية العرب، أنهم يتوسمون خيراً في تمكن الجزائر من تحقيق لمّ الشمل العربي خلال هذه القمة التي ستشكل مناسبة للتصدي لتداعيات الأزمات الدولية على الأمة العربية. بعد انقطاع امتد لثلاث سنوات, جراء وضع صحي مترد أفرزته جائحة كوفيد- 19, سيجتمع القادة العرب بالجزائر العاصمة في يوم يمثل تاريخا استثنائيا بالنسبة للجزائريين, كونه يصادف ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة, ويعكس تضامن الدول والشعوب العربية والدعم والمساندة لمقاومة وكفاح الشعب الجزائري للتحرر من الاستعمار. وبذلك تصبح قمة الجزائر أول قمة بعد كورونا، وكذلك أول قمة «بلا أوراق» استجابة من الجزائر لمبادرة اقترحتها جامعة الدول العربية وذلك عبر إدارة إلكترونية لكل فعاليات وأنشطة القمة، بالاستغناء عن الورق خلال جلسات القمة، واستبدال الورق بحواسيب تتضمن ملفات المعلومات. حيث ستعكف هذه القمة على إرساء أرضية صلبة للعمل العربي المشترك أصبحت خيارا لا مناص منه لمواجهة أجندات خارجية وظروف إقليمية ودولية حرجة, لم تسلم من تداعياتها المنطقة العربية ككل. محطة فارقة من أجل لمّ الشمل وتتوجه أنظار الشعوب العربية، صوب العاصمة الجزائر، لرصد ما ستسفر عنه القمة التي ستُعقد في ظروف عالمية وعربية وإقليمية وُصفت بأنها بالغة التعقيد، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة القمة على إيجاد حل للقضايا العربية والإقليمية العالقة، وقدرتها على تجاوز تحديات كبيرة، وظروف معقدة، تشهدها المنطقة العربية، فضلاً عن وضع عالمي مضطرب بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها وأزمة الطاقة. وبالفعل، تنعقد قمة الجزائر في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة وأحداث حساسة وسياقات صعبة، ما دفع برئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى جعْل وحدة الصف ولمّ الشمل ونبذ الفرقة وتغليب التوافق والائتلاف على التنافر والاختلاف، عنوانًا للقمة وهدفًا لها. وتحرص الجزائر على أن تكون القمة محطة فارقة من أجل لمّ الشمل والارتقاء بالعمل العربي المشترك إلى جانب إنجاح مشروع إصلاح الجامعة لتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي، وتمكينها من مواكبة التطورات الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي. و تسود حالة من التفاؤل والأمل في أوساط الدبلوماسيين والسياسيين والمحللين بشأن النتائج المرجوة من هذا الموعد. وسيسعى القادة العرب على مدار يومين, إلى صياغة رؤية توافقية تجاه الملفات العالقة, أو على الأقل, التقريب بين وجهات النظر بشأنها, مع مناقشة كيفيات الدفع بالقضايا العربية نحو الأمام, وحرصت الجزائر على وضع القضية الفلسطينية في صلب أولويات القمة العربية، وبلورة موقف موحد يدعم حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تفعيل مبادرة السلام العربية. ومما يجعل من القمة المقبلة حدثا متفردا, انعقادها أياما قلائل بعد جمع الجزائر للفصائل الفلسطينية على طاولة واحدة, وتوقيعها على «إعلان الجزائر» المنبثق عن مؤتمر «لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية» والذي جاء ليتوج مسارا طويلا قطعته الجزائر في محاولات لم تهدأ ولم تكل, لوضع حد لانقسام فلسطيني دام ل 16 عاما. وما يعكس أهمية القمة العربية كونها الأولى بعد غياب 3 سنوات بسبب أزمة جائحة كورونا، وكذلك مناقشة ملفات ذات أهمية كبيرة للمنطقة العربية في ضوء أزمات دولية أكثر تعقيدا. وعلى رأسها مسألة الأمن الغذائي الذي يعد من أولويات القمة إذ جاء في 24 توصية تؤكد على ضرورة صياغة وضع خطط واستراتيجيات تسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي لدول المنطقة لاسيما بعد التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على الأمن الغذائي والصحي في المنطقة، ومن ثم التداعيات التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي للمنطقة العربية. ويوجد شبه توافق على الاستفادة من الوضع المستجد لقوة الطاقة وتأثيرها في العلاقات الدولية إذ تتسابق الدول الفقيرة في مصادر الطاقة بخطب ودّ الدول العربية الغنية بهذا المصدر الإستراتيجي والذي إذا استُخدم بطريقة صحيحة سينعكس على الأمة قوة سياسية واقتصادية ومعنوية وقوة تأثير في العلاقات الدولية. ويرتبط بهذا البند الانتقال إلى مرحلة الطاقة النظيفة والتفاهم الجمعي حول درء أخطار التغير المناخي والذي لا تنجو منه دولة أو منطقة أو إقليم. الجزائر سعت إلى تذليل العقبات وقد سعت الجزائر, دوما, إلى تذليل العقبات التي تقف حجر عثرة أمام تجسيد هذا الهدف الأسمى, فلم تحد, اليوم كما الأمس, عن خط دبلوماسي واضح لا لبس فيه, رسمته لنفسها منذ استرجاع سيادتها واستقلالها , بل حتى أقدم من ذلك...منذ تحرير بيان أول نوفمبر الذي أكد على البعد و العمق العربي, والذي يعتبر مرجعية الثورة التحريرية المجيدة التي كان أساسها تحقيق مبادئ العدل والمساواة والحرية. وقد أهلت كل هذه العوامل الجزائر لأن تكون السباقة, دائما, في مساعي التسوية والتهدئة, خاصة وأنها «تكن الاحترام للجميع» ما يجعلها «الأولى بجمع الشمل والاضطلاع بدور الوساطة في حل بعض النزاعات», مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, في أكثر من مقام. ويجمع المتتبعون، إن مخرجات القمة العربية في الجزائر، ستأتي توافقية في سبيل توجيه بوصلة العمل العربي المشترك نحو مزيد من التنسيق لمواجهة التحديات الراهنة، لا سيما مع تخصيص جلسة تشاورية للقادة العرب ورؤساء الوفود المشاركة من أجل التباحث بحرية بعيداً من قيود البروتوكول، كما يراهن بعضهم أيضاً على البناء على ما أنجزته بعض القمم العربية «المصغرة» التي عقدت على مدار الأشهر الماضية. وعلى هذا النحو, ستكون رابع قمة عربية تستضيفها الجزائر, مناسبة تؤكد فيها مجددا على أن حل كل الخلافات والأزمات التي تعرفها المنطقة العربية بيد العرب أنفسهم كما أن عودة المياه إلى مجاريها مرهون بلم شمل الإخوة الذي هو شعار القمة العربية في دورتها ال 31 التي ستجري على أرض الجزائر.