تنطلق، اليوم، بقصر المؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر العاصمة اجتماع القادة العرب المشاركون في القمة العربية بالجزائر، بعد أن اكتمل تعداد القادة الوافدين، ليضع بذلك رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مصير العرب بين أيديهم، والكرة في مرماهم، في وقت قدمت الجزائر ووفرت كل الدعم المادي والمعنوي، في حسنة تحسب للجزائر وقيادتها للمّ شمل العرب لبعث الروح في الجامعة العربية وإحياء ضميرها بتكتل متعدد الأوجه يمكن العرب من حجز مكان في صناعة القرار العالمي. القمة العربية في نسختها الحادية والثلاثين التي تعقد في ظروف معقّدة تشهدها المنطقة والعالم والتي أراد لها الرئيس تبون دخول التاريخ بعقدها في ذكرى أكبر ثورة عرفها التاريخ المعاصر سيعكف القادم خلالها على تشخيص ملفات حيوية لها علاقة بالراهن العربي وتحدياته، خاصة وأنها تأتي بعد 3 سنوات من الغياب بسبب جائحة كورونا والأوضاع السياسية المتأزّمة في عدد من الدول العربية. تنعقد القمة العربية تزامنا مع احتفال الجزائر بالذكرى 68 لاندلاع ثورتها التحريرية ضد المستعمر الفرنسي، وهو تاريخ يحمل الكثير من الرمزية كونه يكرّس التفاف الدول والشعوب العربية وتضامنها مع الثورة الجزائرية المجيدة، فضلا عن ما يحمله من دلالات مهمة حول تمسك الدول العربية بقيم النضال المشترك في سبيل التحرر وامتلاك مقومات تقرير مصيرها الموحد، في خضم التحديات المتزايدة التي تفرضها التوترات الخطيرة والمتسارعة على الساحة الدولية. وتعد هذه القمة الرابعة التي تستضيفها الجزائر بعد تلك التي عقدت سنتي 1973 و2005 وأخرى غير عادية سنة 1988، أول قمة رقمية دون ورق، ما يؤسّس لمرحلة جديدة ويفتح باب إصلاح الجامعة العربية. وككل مرة ولأن القضية الفلسطينية في قلب الجزائريين وقضية مبدأ لا يحول ولا يزول، تتصدر القضية جدول أعمال القمة إلى جانب الأزمات في سوريا وليبيا واليمن والسودان والأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها، ملف الإرهاب وتأثيره على المنطقة، الأمن الغذائي العربي وأزمة المناخ والطاقة. وتحمل قمة الجزائر شعار "لمّ الشمل" في سياق العمل على توحيد الصف العربي الذي يعيش التفرقة بسبب الخلافات البينية في ظل الأزمات الإقليمية والعالمية، حيث تحرص الجزائر على أن تكون محطة جديدة للانطلاق في العمل العربي المشترك على أسس متينة. وأظهرت التصريحات الرسمية الصادرة عن الجزائر والجامعة العربية تفاؤلا بنجاح هدف لمّ الشمل العربي، حيث تحدث الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط خلال افتتاح الاجتماع التحضيري لوزراء خارجية العرب عن مؤشرات تؤكد بانها حقا "قمّة للمّ الشمل". من جهتهما أكد وزير الشؤون الخارجية والجالية والوطنية بالخارج رمطان لعمامرة والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، على الطابع التوافقي الذي ميز قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري بخصوص الملفات المدرجة في ختام الأشغال، في حين أشار مسؤول الجامعة إلى أنه لم يتم إرجاء أي بند إلى اجتماع القادة، ما يشير إلى أن قمّة الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو النجاح. ويرى مراقبون أن ما يضفي الاستثنائية على قمة الجزائر هو نجاح الوساطة الجزائرية في توقيع الفصائل الفلسطينية على اتفاق المصالحة، ضمن جهودها في ترجمة أهداف "قمّة لمّ الشمل"، حيث صرّح وزير الخارجية رمطان لعمامرة عقب التوقيع على إعلان الجزائر أن "ما تحقق بالجزائر من مصالحة فلسطينية مرتبط بالقمة العربية، لأنها المعيار على قدرة العرب على أن يتحدوا، وإذا توحد الفلسطينيون يصبح آنذاك توحيد الكلمة العربية أسهل من ذي قبل"، مضيفا أن "فلسطين ستبقى هي القضية النبيلة التي يتحد من أجلها العرب ويتناسون خلافاتهم". كثيرا ما أفضت القمم التي احتضنتها الجزائر إلى قرارات هامة وتاريخية، على غرار قمة 1973 التي أقرت بالاعتراف بمنظمة التحرير الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، مع إقناع الدول الإسلامية بقطع علاقاتها مع إسرائيل وإلزامها بالانسحاب من جميع الأراضي العربية وفي مقدمتها القدس، فضلا عن تقديم الدعم المالي والعسكري لمصر وسوريا في الحرب مع إسرائيل ومواصلة استخدام سلاح النفط العربي، ورفع حظر تصدير النفط للدول التي تلتزم بتأييدها للقضية العربية العادلة. وتعد القمّة غير العادية في 1988 استثنائية وثاني القمم العربية التي احتضنتها الجزائر في جوان من العام ذاته، حيث ناقش القادة العرب ملفين اثنين، أولهما تطورات الأوضاع في فلسطين والعدوان الأميركي على ليبيا. وكان من أهم مخرجاتها المطالبة بمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط بإشراف الأممالمتحدة، تجديد الالتزام بتطبيق قرارات مقاطعة إسرائيل وإدانة الاعتداء الأميركي على ليبيا. وتعد قمة 2005 العادية آخر قمة احتضنتها الجزائر وشهدت حضورا كبيرا لقادة الدول العربية، وخرجت هذه القمة بعدة توصيات أهمها مواصلة الجهود لتطوير الجامعة العربية وتفعيل آلياتها ومعالجة وضعها المالي، إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والدعوة إلى مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب وضرورة التفريق بين الإرهاب والإسلام.