تحتضن الجزائر بداية من يوم غد الثلاثاء الدورة العادية 31 للقمة العربية التي يراد لها أن تكون موعدا للمّ الشمل وإحداث التوافق وتبني رؤية موحدة لتعزيز العمل العربي المشترك وبالتالي تحقيق أمال كل الشعوب العربية التواقة إلى الوحدة والرقي والتنمية. بعد غياب امتد لثلاث سنوات، جراء وضع صحي مترد أفرزته جائحة كوفيد-19، يجتمع القادة العرب بالجزائر العاصمة في يوم يمثل تاريخا استثنائيا بالنسبة للجزائريين، كونه يصادف ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، حيث ستعكف القمة على إرساء أرضية صلبة للعمل العربي المشترك، الذي أضحى خيارا لا مناص منه لمواجهة أجندات خارجية وظروف إقليمية ودولية حرجة، لم تسلم من تداعياتها المنطقة العربية ككل. على مدار يومين، ستكون الجزائر ملتقى للقادة العرب في قمة اختير لها شعار "لمّ الشمل"، حيث سيسعون خلالها إلى صياغة رؤية توافقية تجاه الملفات العالقة، أو على الأقل، التقريب بين وجهات النظر بشأنها، مع مناقشة كيفيات الدفع بالقضايا العربية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، نحو الأمام. ما يجعل من هذه القمة حدثا متفردا، انعقادها أياما قلائل بعد جمع الجزائر للفصائل الفلسطينية على طاولة واحدة، وتوقيعها على "إعلان الجزائر" المنبثق عن مؤتمر "لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية" والذي جاء ليتوّج مسارا طويلا قطعته الجزائر في محاولات لم تهدأ ولم تكل، لوضع حد لانقسام فلسطيني دام ل16 عاما. وبتركيزها على مسألة لم الشمل، تسجل الجزائر رغبتها الصريحة في تجاوز البيانات والخطابات والعمل فعليا على ترتيب البيت العربي استنادا إلى رابط لا ينفصم ووحدة المصير في مواجهة راهن يزداد تأزما اليوم تلو الآخر. وقد سعت الجزائر، دوما، إلى تذليل العقبات التي تقف حجر عثرة أمام تجسيد هذا الهدف الأسمى، ولم تحد، اليوم كما الأمس، عن خط دبلوماسي واضح لا لبس فيه، رسمته لنفسها منذ استرجاع سيادتها واستقلالها، بل حتى أقدم من ذلك...منذ تحرير بيان أول نوفمبر الذي أكد على البعد والعمق العربي للجزائر، والذي يعتبر مرجعية الثورة التحريرية المجيدة التي كان أساسها تحقيق مبادئ العدل والمساواة والحرية. كل هذه العوامل أهلت الجزائر لأن تكون السباقة، دائما، في مساعي التسوية والتهدئة، خاصة وأنها "تكن الاحترام للجميع" ما يجعلها "الأولى بجمع الشمل والاضطلاع بدور الوساطة في حل بعض النزاعات"، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في أكثر من مقام، وهو القائد العربي الذي اختار عقد هذه القمة المباركة في يوم مبارك، لما لهذا التاريخ المقترن باندلاع إحدى أعظم الثورات التحريرية في العالم من رمزية، تتجلى في قداسة المكان والتاريخ الذي تلتئم فيه قمة لمّ الشمل. على هذا النحو، ستكون رابع قمة عربية تستضيفها الجزائر، مناسبة تؤكد فيها مجددا على أن حل كل الخلافات والأزمات التي تعرفها المنطقة العربية بيد العرب أنفسهم. كما أن عودة المياه إلى مجاريها مرهون بلمّ شمل الإخوة.