يلعب العالم الرقمي الجديد بمختلف تطبيقاته، دورا بارزا في تنشئة الأفراد وتنمية الوعي، ومن أوجه هذه التطبيقات نجد «البودكاست» الذي نال في السنوات الأخيرة اهتمام العديد من صناع المحتوى في الجزائر، بحيث يقدمون مضامين يعبرون من خلالها عن أفكارهم و ميولاتهم ويهدفون إلى إيصالها لجمهورهم الواسع المتعطش لعالم التدوين الصوتي. وفي 30 سبتمبر الماضي، احتفى العالم باليوم العالمي للبودكاست وهو أحد أدوات التدوين الصوتي المتنامية التي تستقطب أعدادا متزايدة من صناع المحتوى والمتابعين. والبودكاست عبارة عن محتوي صوتي متوفر على الإنترنت ويظهر في شكل مجموعة من الملفات الصوتية المتسلسلة التي يتم إنتاجها بشكل دوري، ويختلف عن الإذاعة من ناحية أنه يمكن سماعه في أي وقت وليس عند البث المباشر فقط، كما يكون البودكاست مسموعا فقط أو في شكل فيديو. ويمكن للمستخدم الاستماع بكل سهولة إلى البودكاست، عبر برامج وتطبيقات مخصصة لهذا الغرض، يمكن تحميلها في الحواسيب أو الهواتف النقالة، مثل «ديزر»، «ساوند كلاود»، «سبوتيفاي»، «غوغل بودكاست»، «أنكور» وغيرها، إضافة إلى أن عددا منها متاح عبر موقع «يوتيوب». وعلى رغم من وجود بعض برامج البودكاست التي تتعدى مدة بثها 30 دقيقة، إلا أن هذا النوع ليس رائجا بدرجة كبيرة، حيث تتراوح مدة البث غالبا بين 3 و5 دقائق، وذلك بالنظر إلى خصوصية هذه الوسيلة. صناعة متنامية في الجزائر ويرجع متابعون تنامي البودكاست، إلى إتاحته إمكانية اختيار المواضيع والاستماع إليها في أي مكان وفي أي وقت، مع القدرة على تحميلها للعودة إليها مرة أخرى حتى لو كان المستخدم غير متصل بشبكة الانترنت، زيادة على أنها توفر إمكانية التواصل مباشرة مع صانعي المحتوى. وفي المجتمع الجزائري، حظي التدوين الصوتي بمختلف مضامينه، خاصة الاجتماعية، باهتمام متزايد في الآونة الأخيرة، حيث يعالج مواضيع دينية واقتصادية، وصحية، وكذلك الفنون المختلفة، وجديد السينما، والأدب والرحلات حول العالم وغير ذلك. وتُقدَّم الحلقات في غالب الأحيان، باللهجة العامية المبسطة ليفهمها عموم الناس، ويسعى صناع المحتوى إلى جعلها مشوقة لتستقطب أكبر قدر ممكن من المستمعين. وتقول لمياء وهي طالبة بكلية الحقوق، أنها أصبحت تتابع عددا من برامج البودكاست التي تنشر محتوى إيجابي، وهو ما شجعها على المداومة على الاستماع إليها، فيما يرى محمد الذي يعمل بإحدى المؤسسات الخاصة، أن البودكاست نجح في استقطاب الجيل الجديد من الشباب الباحث عن المعلومات التي تناسب عصره واهتماماته. «أفضل الاستماع للبودكاست في وسائل النقل» كما ترى شيماء، أن البودكاست توجه جديد يواكب التطور الحاصل في العالم، كما يراعي خصائص المستمعين من خلال طرحه للمواضيع التي تتوافق مع أعمارهم و اهتماماتهم، أما ريمة المقبلة على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، فقالت إنها تواظب على الاستماع إلى بعض برامج البودكاست خلال تنقلاها في المواصلات وأثناء نشاطاتها المختلفة مثل ممارسة الرياضة. ويستقطب عالم البودكاست المتنامي، كبريات الشركات التقنية العالمية، على غرار آبل التي تستحوذ لوحدها على ما يقارب 40 بالمائة من قنوات البودكاست عالميًا، كما أسست «غوغل» تطبيق «غوغل بودكاست» الذي يُوفر آلاف البرامج. ورغم أن هذا المجال لا يزال جديدا، دخلت العديد من المنصات الجزائرية عالم التدوين الصوتي من بابه الواسع، ويعد بودكاست «قصرة» من أوائل البرامج بالجزائر، وقد حقق نجاحا في هذا المجال من خلال تناوله لشتى المواضيع الثقافية والاجتماعية وغيرها، حيث استطاع أن يستهوي العديد من الشباب لمتابعة حلقاته الحوارية التي تستقبل ضيوفا متنوعين. كما نجد قناة «قهوة وبودكاست جزائري» التي تديرها الشابة أسماء، حيث تتمحور مواضيعها حول تقديم دروس في التنمية الذاتية، إضافة إلى برنامج «تحويسة مع هشام» الذي يعطي إرشادات ونصائح عن السفر مع الإجابة عن جميع الأسئلة التي يطرحها متابعوه، أما في الجانب الإخباري، يوجد «النصر بودكاست» كأولى تجربة من نوعها في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة في الجزائر، حيث يناقش مواضيع متنوعة مع ضيوف من مختلف المجالات والتخصصات. وتوصلت دراسة تفصيلية حول البودكاست في الجزائر، أعدها الدكتور طه عرباوي المتخصص في البحوث العملياتية، و زبير عامر، المهندس في الإعلام الآلي والروبوتات الصناعية، ظهور أكثر من 150 بودكاست جزائري منذ سنة 2020، وقد بدأ معظمها خلال ذروة جائحة كورونا، غير أن العديد منها توقف في 2021، حيث أن نسبة البرامج التي صمدت إلى غاية سنة 2022 لم تتعد 47 بالمئة.