ركز متدخلون في فعاليات يوم دراسي بعنوان «يناير.. طقوس وممارسات»، نظمه المتحف الوطني أحمد زبانة بالشراكة مع مركز البحث العلمي والتقني في علم الانسان الاجتماعي والثقافي بوهران، على إبراز الطقوس والممارسات المرتبطة بالاحتفال بيناير و التي يشترك فيها كثير من الجزائريين. و أجمع مختصون، أن يناير بأبعاده الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية، هو تراث شعبي يجمع كل الجزائريين و أن بعض الطقوس مشتركة بين كل مناطق الوطن، رغم اختلاف الخصوصيات من منطقة إلى أخرى، ومن هذا المنطلق كان إحياء "يناير" مناسبة موحدة عبر ربوع البلاد كلها، ترسم أجمل صورة لوحدة الجزائريين. بن ودان خيرة الباحثة نجاة لحضيري الممارسة الاتصالية "حفظت" توارث طقوس يناير أوضحت الدكتورة الباحثة نجاة لحضيري، في مداخلتها الموسومة «يناير كممارسة اتصالية»، أن الفرد يسعى إلى ضبط للزمن وفق رزنامة متماشية مع خصوصية الطبيعة و البيئة التي يعيش فيها، إذ يعتبر يناير بداية الموسم الفلاحي و يتسم بممارسة عادات وتقاليد متوارثة عبر أجيال متعاقبة، تشمل تحضيرات مختلفة وفق عادات وطقوس تعكس التبرك بالمناسبة، بوصفها فرصة التكافل الاجتماعي و تحضير الأطباق والتزين بالحلي وتنظيف أعتاب المنازل والمطابخ وطلاءها، والاجتماع حول الحكايات الشعبية لمحاكاة الماضي، كما يعد يناير، فرصة لتحقيق الاتصال والتواصل بين المجتمعات الغابرة والحالية من خلال ممارسة عاداتها وتقاليدها و رمزيتها المادية والمعنوية. وهي ظاهرة وممارسة تحييها العائلات، تم توارثها عبر عدة طرق منها المحاكاة والممارسات والكتابة حول الموضوع، و كلها تعابير اتصالية تساعد على الاحتكاك مع الآخر وتبادل الأفكار ولا تزال في الوقت الراهن مجتمعات عديدة تحتفل بيناير و تحتفظ بكل طقوسه ورمزيته ودلالاته. و يدخل يناير، ضمن نسق ثقافي بكل ما يحمله من دلالات ورموز تترجم في سلوكيات وأفعال تنم عن عادات وتقاليد ضاربة في عمق التاريخ رمزيا، أما سلوكيا وفكريا فهو مجموعة من المعتقدات والعادات وممارسات لطقوس حينا ولعادات معينة حينا آخر، سواء من طرف الفرد داخل عائلته أو من طرف جماعة، لذلك فهو ضمنيا جزء من أشكال الاتصال. كما يعبر عن جزء من الثقافة المتوارثة و يجسد يناير بوصفه نمطا ثقافيا، مختلف التعبيرات الثقافية بوقعها الاحتفالي مع مختلف الممارسات القديمة متعددة الدلالات فلولا الاتصال لما وصلتنا المظاهر الاحتفالية والطقوس و الممارسات الاحتفالية التي تتم مع حلول يناير و لما عرف الإنسان بوجوده أصلا، فبفضل الاتصال بقي يناير محافظا على دلالاته ورمزيته المادية واللامادية. الباحثة سنوسي صليحة "الشرشم" والبوزلوف يجمعان قبائل بني سنوس وقالت الباحثة صليحة سنوسي، إن الاحتفال بيناير ظاهرة ثقافية اجتماعية تشمل كل مناطق الوطن منها بني سنوس الواقعة في أقصى جنوبتلمسان، وهي منطقة أمازيغية تجمع قبائل لها طقوس خاصة للاحتفالية. وأوضحت، أنه من رموز الاحتفال رمز "العبور" والذي يعني الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، ورمز التغيير والتجديد والمتجسد في ممارسة قص الشعر للأطفال وزبر الأشجار وكذا تجديد الأواني المنزلية ومن خلال هذه الممارسات كان المعتقد أنه يتم تجديد وتغيير القوة الروحية، أما التنظيف فيرمز إلى طرد الأرواح الشريرة وتجنب تناول الوجبات المالحة والحارة، كل هذا لاستقبال عام جديد بكل إيجابية. وأضافت المتدخلة، أنه في ليلة يناير تتناول الأسر "الشرشم» وهو خليط البقوليات مثل القمح و الحمص و الفول، وهي الأكلة الأكثر شعبية و انتشارا عبر كل ربوع الوطن، أما في اليوم الثاني، فتختص قبائل بني سنوس بتناول رأس الخروف "البوزلوف» ليبقى الجميع مرفوعي الرأس وفي مكانة عالية. الباحثة نسيمة حميدة أسطورة «العجوزة» و "قلب المناصب" تحد للطبيعة في تبسة يناير وأسطورة العجوزة يرتبطان كثيرا لاشتراكهما في معاني تحدي الطبيعة وهي من الأساطير التي يتوارثتها جزائريون ويتذكرونها مع بداية كل سنة أمازيغية مثلما قالت الباحثة نسيمة حميدة، مشيرة إلى أن هناك قصة شهيرة عن عجوز تحدت الطبيعة في فصل البرد وأخرجت عنزاتها لترعى بها رغم التحذيرات التي تلقتها من الذين يحيطون بها في القرية، ولكنها صممت على الخروج للرعي، وهذا ما أغضب «يناير» فاستعار يوما من فورار»شهر فيفري» وهو اليوم 12 من جانفي اليوم وقد كان معروفا بالفيضانات، وتقول الأسطورة أن يناير سلط هذا اليوم على العجوز التي ماتت هي و عنزاتها بسبب الصقيع والبرد و السيول. وأردفت المتحدثة أن هذه الأسطورة تعطي نظرة عن المجتمع و جانب من معتقداته التي لا يزال جزء منها قائما في منطقة تبسة، مثل «الكانون» المعروف ب "المناصب" و الذي ينصب عليه قدر الطعام. وفي الفترة ما بين العصر والمغرب، يتم قلب المناصب وإطفاء نار الكانون، بما يشير إلى قلب صفحة قديمة و الأمل في صفحة جديدة أفضل، وتعود هذه الممارسة لما يسمى ب «قرة الحسوم» التي تحدد طبيعة الفصل، فإما أن يكون ممطرا أو جافا، وتسمى أيضا "قرة غيلان"، حيث تذكر الأسطورة أن غيلان، هو رجل كان له قطيع كبير من الغنم وكان يرعى حتى جاءت فياضانات قوية وقضت عليه وعلى قطيعه. "آيراد" أبرز رموز التكافل الاجتماعي وفي منطقة بني سنوس دائما، يتميز الاحتفال بيناير بطقس تشترك فيه العديد من المناطق وهو «آيراد»، الذي تختلف القصص حوله و يتعلق الأمر باحتفالية تقام ليلة يناير، تخص كرنفالا لأشخاص يرتدون أقنعة لحيوانات الغابة، و يجمعون المواد الغذائية من البيوت، وإن لم يفتح أهل البيت بابهم حلت عليهم لعنة، ويروى هنا عن لبؤة كانت حاملا في ليلة باردة وكانت تعاني من الجوع وكادت أن تموت، فقررت حيوانات الغابة جمع ما تيسر من الأكل لها، وأن يجلب كل حيوان ما يجده في طريقه كي لا يغضب الأسد و يتركهم يعيشون في سلام. ويحكى أيضا عن شيخ كبيرا كان يلبس حصيرا من الحلفاء ويشده بقوة على خصره، ويحمل عصا ويتجول في شوارع قرية وبين البيوت ويجمع المواد الغذائية المختلفة طيلة النهار وهو تقليد لا يزال قائما. «العولة» .. موروث شعبي في طريقه للعودة بأم البواقي ولطالما ارتبطت الاحتفالات المخلدة لرأس السنة الأمازيغية بأم البواقي، بتنظيم صالون وطني للمنتجات محلية الصنع ذات البعد التراثي تحت شعار « العولة « وما يمثله التراث المحلي من تنمية اقتصادية مستدامة››. ووفق طارق صالحي، رئيس المنظمة الجزائرية للتراث والسياحة والصناعات التقليدية، فإن لتظاهرة عرفت هذه السنة، تنظيم الطبعة الثالثة لمسابقة أحسن طبق تقليدي «الرفيس» الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى عموم الجزائريين و تعتبر»العولة» موروثا شعبيا تسعى المنظمة لاسترجاعه والحفاظ عليه وتثمينه و هو مصطلح يطلق على كل مخزون غذائي طبيعي خال من أي إضافات ويخزن خاما أو بتحويله إلى مواد نصف جاهزة للاستهلاك، وقد تراجعت هذه العادات الغذائية في العقود الأخيرة مع بروز التجهيزات الكهرومنزلية إلى جانب تنامي ظاهرة عمل المرأة وهي عوامل عجلت باختفاء هذا الموروث الشعبي . و لم يكن البيت في القديم حسيه، يُقدر بقيمة الأشياء الموجودة داخله أو بطريقة هندسته بل كان يُقدر ب»العولة» التي تُخزنها ربة البيت تحسُباً لحلول فصل الشتاء أو وقت الحاجة، وترتبط العولة، بزمن الخير و التويزة، حيث كانت نساء الدوار يجتمعن في أحد البيوت للشُروع في إعداد الكُسكس المصنوع من حبوب القمح، وسط أجواء مُفعمة بالحماس و يرددن الأغاني الأكثر تعبيراً عن الثقافة المحلية لكل منطقة، و يعد الكسكس جزءاً مهما في ميراث «العُولة». وعندما تنتهي النسوة من إعداد « الكسكس أو العيش أو البركوكسي» ، يوضع داخل أكياس تسمى «المزاود» وتُرص جنبًا إلى جنب رفقة القمح، الذي يحصده الفلاحون في فصل الصيف وبجانب الخضر والفواكه الموسمية التي يتم تجفيفها كالطماطم والتين، إضافة إلى «الخليع» أو «القديد»، وهو عبارة عن كميات من اللحوم المجففة، كما يتم أيضا تخزين المواد التي تستخدم في التدفئة والطهو مثل «الوقيد» وهو روث الأبقار والبهائم المجفف. في الماضي، كانت العائلات تحترم «سيدة البيت» التي تحرص على توفر «العولة»، إذ يستعان بها في فصل الشتاء وفي المواسم، والمناسبات كالأعراس وحفلات الختان، ولم تغفل الأمثال الشعبية التي يزخرُ بها القاموس الشفوي الجزائري هذا التقليد، ومن أبرز الأمثال التي قيلت في هذا الشأن «حجار البلاء يتلقطوا نهار العافية» أو «دار بلا عولة من حظ الغولة»، أي أن المنزل الذي لا توجد فيه «خزنة الطعام» تلتهمه «الغولة» أو ما يصطلح عليه بالوحش، وقد توارث الأجداد و تداولوا مثلا شعبيا يقول « تجمبر كُول و قمبر»، أي أن الناس في القديم كانوا يجمعون العولة من البُقول الجافة، والكسكس و مُستلزمات اُخرى، يحتاجونها في البيت، خاصة خلال فصل يناير. وتعد هذه الأطباق التي اُبتكرت أيام الفقر والشدة، منافسة لأرقى الأطباق الحديثة والفخمة في الأعياد والمناسبات الدينية والولائم وتعتبر «المؤونة» في ذلك الزمن الجميل بمثابة الذهب والمجوهرات التي تمتلكها المرأة وتُخبئها لوقت الأزمات، وكان يستفيد منها كل زائر، فالكل له نصيب من «بيت المونة» الذي كان رمزا للتراحم والتلاحم الاجتماعي، ولتخزين المؤونة فنون عديدة إذ تخصص الأواني الفخارية لحفظ «العولة» وغالباً ما تترك المواد المحفوظة في أماكن مخصصة لها كانت تسمى سابقاً «بيت العولة» وهي غرفة بعيدة عن الرطوبة وكلّ مسببات التعفن الغذائي الذي قد يؤدي إلى تلف المواد المخزنة وتساعد «العولة» الأسر على ترشيد نفقات الطعام خصوصاً في فصل الشتاء، وفيه يستعان بالمؤونة المجففة والمعدّة صيفاً لإعداد أطباق تقاوم البرد والجوع بأقل كلفة ممكنة. و يلاحظ أن هناك عائلات عادت إلى هذا التقليد و استعماله على مدار السنة لغرض اقتصادي وغير ذلك إلى جانب أنّ الغذاء السليم يكسب الجسم مناعة وقدرة على مقاومة الأمراض.