(الشعب) هي قواسم مشتركة في احتفالية الجزائريين بحلول السنة الأمازيغية «يناير».. عادات، تقاليد وطقوس واحدة في مختلف جهات الوطن، تظهر بحق تمسك الجزائريين وتجيب عن السؤال الكبير أيُ موقع يحتله «يناير» في الموروث الثقافي الوطني. «الشعب» ترصد الاحتفال ب«يناير» في عدة ولايات.. «يناير» تاريخ عريق ورمز حضاري خالد يحتفل الجزائريون ككل سنة برأس السنة الأمازيغية المصادفة ل12 من شهر جانفي، وسيحيون سنة 2965 باستحضار العادات والتقاليد والقيام بعدة طقوس تختلف من منطقة لأخرى، كون هذه المناسبة توارثوها أبا عن جد ومازالوا يحافظون عليها لأنها تعكس الثقافة والهوية الأمازيغية والتاريخ العريق لسكان شمال إفريقيا. يناير أو الفاتح من الشهر.. تعود الجذور التاريخية والأصلية ليناير حسب العديد من الباحثين والمؤرخين ل«الشعب» إلى 950 سنة قبل الميلاد، حيث كان أمازيغ المغاربة تحت حماية ووصاية الملك ششناق، الذي أخذ على عاتقه تخليص الشعب المصري من همة فرعون رمسيس الثالث الذي انشأ تحالفا مع الرومان في عهد مصر القديمة، والذي كان يستهدف أمازيغ شمال إفريقيا، حيث أعلن الحرب ضده، وقد كانت هذه الحرب مكسبا وانتصارا تاريخيا للملك ششناق، الذي كان في أول يناير الذي يصادف 12 جانفي من السنة الميلادية، وكان بذلك هذا التاريخ ميلاد الحضارة الأمازيغية وبداية رزنامتها الخاصة باعتمادها أول يناير بداية السنة الميلادية الأمازيغية. واستنادا لمحدثين فان كلمة يناير تنقسم إلى شقين، الشق الأول «ينا» وتعني الفاتح والشق الثاني «ير» تعني الشهر، مشكلة بذلك «الفاتح من الشهر» وهو أول يناير، وقد أطلقت عليه شتى التسميات منها «أمنزو يناير»، «أمنسي يناير»، «اخف اسقاس «وكلها تحمل نفس المعنى والدلالة، والذي دأب عليه أمازيغ المغرب بصفة عامة والجزائر بصفة خاصة ولاية تيزي وزو بصفة أخص، باعتماد تقاليد وأهازيج من التراث تعبر كلها عن الأمل والتفاؤل بعام مليء بالخيرات والبركة. تقاليد ومعتقدات خاصة واستنادا للسيدة يامينة القاطنة بمنطقة بترونة في العقد السابع، فإن الاحتفال بهذا اليوم يكون تبعا لعادات وتقاليد موروثة عن الأجداد تتزامن مع موسم الزرع والجني والتي تطلق عليها عدة تسميات في المنطقة منها «املالن، اظرف، امرظيل، احقان، ايزقزون ايورغن، ايقورانن وغيرها، حيث تستقبل العائلات القبائلية هذه المناسبة بنحر الأضاحي والذي تطلق عليها تسمية «اسفل» ونجد هذا التقليد خاصة عند ذوي الحال الميسور، إلا أن العادة التي طغت بصفة أكثر هي ذبح الديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة ونجد هذه العادات سارية في كل من أزفون، واقنون، افليسن، تيقزيرت، إلا أن هناك عائلات أخرى لا تشترط نوع الأضحية فالمهم أن تحتفل بهذه المناسبة. وحسب المعتقدات الاجتماعية السائدة في المجتمع القبائلي المهم إسالة الدماء التي من شأنها دفع الأرواح الشيطانية الشريرة عن المنزل وحماية أفراد العائلة من العين الحسود وترفع البلاء وتزيد من طول لعمر. وأشارت إلى أن العائلات تقوم في هذه المناسبة بحلق شعر الطفل الصغير في عامه الأول، حيث تخصص له أجمل الثياب داخل «جفنة» كبيرة لترمي من فوقه امرأة كبيرة في السن مزيجا من الحلويات والسكر الأبيض والمكسرات وهي رمز للحب والعيش الهنيء طوال حياته، فهم يمثلون الطفل بالشجرة التي تنمو وتترعرع بسرعة كلما قلمت أغصانها واعتني بها تكون فواكهها أطيب وأوفر وأجود، بدليل أن الأشجار المثمرة تقلم أغصانها في الفترة المتزامنة ليناير فهي رمز للاستقامة والأخلاق العالية والمكانة المرفوعة في المجتمع القبائلي، حسب «الحاج الحسين»، كما نجد بعض المناطق كمنطقة ايبودرارن ببني يني، وعين الحمام، واسيف في هذه المناسبة تأخذ الطفل الصغير إلى السوق وشراء رأس الثور باعتباره المرة الأولى التي يدخل فيها السوق، وكما تعمد بعض العائلات التي لها حقول للأشجار المثمرة إلى قطف أول ثمرة في هذه الشجرة رمز للحظ الوفير والحياة المترفة والأمنيات المحققة، كما نجد النساء في هذا اليوم يقمن بقطف غصن من عشبة برية ذات زهور صفراء تسمى «اوزو» ويستعملونها على شكل كحل للزينة. الكسكس الطبق الأساسي احتفالا بهذه الليلة المميزة تقوم المرأة القبائلية عشية يناير بتحضير أشهى الأطباق التقليدية التي تشتهر بها منطقة القبائل لم له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها على مدار السنة الجديدة، وتنوع الأطباق والمأكولات يعكس الرزق والأرباح الكثيرة وجني محصول وفير خلال المواسم الزراعية، ويعد طبق الكسكس طبقا لا يخلوا منه أي بيت قبائلي في هذه المناسبة، إذ يلعب دورا رئيسيا في مائدة يناير العائلية مرفوقا بلحم الأضحية من الخروف أو الديك الممزوج بالخضر والحبوب الجافة، كما ترفقه بعض من الفواكه المجففة كالتين اليابس أو التمر، كما توضع إلى جانب هذا الطبق أطباقا تقليدية أخرى والتي تصنع بالعجائن خصيصا لمثل هذه المناسبات مثل «السفنج، لمسمن، احدور، البغرير، ثيغرفين لم لها من معان توحي بالتمسك بالموروث الثقافي الأصيل للأجداد والتي تعد من أطيب الأكلات التقليدية التي أبدعت وتفننت فيها المرأة القبائلية، حسب المعتقدات الاجتماعية لبعض المناطق. التخلف عن عشاء يناير يعد فأل سيء فهو رمز للفقر والبؤس فمثلا قرية افرحونن بعين الحمام يعتقدون أن العائلة التي تتخلف عن العشاء حسب السيد «محمد.ع» سيكون منزلها على مدار السنة عش للنمل. يناير رمز لموسم زراعي وفير يكون يناير في منطقة القبائل دلالة على حلول فصل الشتاء وبرودة الطقس وما يحمله من مشاهدة طبيعية التي عادة ما ترسمها الثلوج بحلتها البيضاء التي تغطي قمم جبالها، ما يعكس مناظر وصورا جميلة رسمتها الطبيعة كجبال جرجرة والمناطق المجاورة لها كعين الحمام، بني يني، ايفوذرارن، واسيف وغيرها، إلى جانب ذلك تعد هذه المناسبة بمثابة بشرة خير للفلاحين كون أن غزارة الأمطار والثلوج الكثيفة خلال يناير يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في الوديان وكذا ارتواء أراضيهم الفلاحية ما يؤدي إلى ارتفاع مردودية إنتاجهم الفلاحي، وفي هذا السياق تضيف الجدة فاطمة التي تبلغ من العمر 97 سنة والتي صادفناها ونحن نتجول في احدى القرى بتيزي وزو ووقفنا عندها لنستفسر عن هذه المناسبة أضافت في هذا السياق قائلة أن يناير يوحي بالتقلبات الجوية من برودة للطقس وغزارة للأمطار حيث قالت «أند أبظن ومان ننياير اذياوض يتيج أن غشث» أي أنه إذا كان شهر يناير ذو أمطار غزيرة فان شهر أوت ترتقب فيه حرارة مرتفعة، كما سردت لنا رواية بأسلوب تهكمي يرويها جيل لأخر، عن العجوز التي خرجت في أخر يوم ليناير لما رأت شروق الشمس والحقول خضراء فأخرجت ماشيتها لترعي فرحة بنهاية هذا الشهر قاسي البرودة مستبشرة، بحلول فصل الربيع قائلة ليانير «تزثخ أمي نيار اغيذنيو افغن اقنديازو افغن أين ثفغيض اثدشدض شديثيد» إلا أن يناير ألامه كلام هذه العجوزة فترجي فورار الذي هو شهر الموالي له قائلا له «أمي فورار ارضلي ايض اذواس آذ مسخاغ لعجوزة مثساس» فاجابه فورار قائلا «ارظلغاخ سبعيام ابوظان ابوسان» أريني ماستفعل بها وخلال هذه السبعة أيام التي سلفها فورار ليناير لم تقف الثلوج والأمطار عن النزول وانتهيت مدخرات هذه العجوزة من الغذاء ما سبب في وفاتها في اليوم السابع لفورار وتعرف هذه الفترة بمنطقة القبائل ب»امرظيل تمغارث». لقاء حميمي بين أفراد العائلة في هذا اليوم حسب «الجدة فاطمة» تتبادل الزيارات بين الأهل والأقارب وتتناول العشاء على مائدة مشتركة تلم بجميع أفراد العائلة، حيث في هذه المناسبة تقوم ربة البيت بتحضير عشاء يناير، إذ كانت العائلات تخزن مواد غذائية في داخل «افوفي» وهو عبارة عن مخزن من الطين يخبئ فيه القمح والشعير والحبوب الجافة، تحسبا لفصل الشتاء، حيث تأخذ مقدار من القمح والشعير وتقوم بطحنه بواسطة الطاحونة اليدوية إلى أن تتحصل على كمية من الدقيق لصناعة الكسكس، وبينما ينتظرون العشاء يقوم الجد أو الجدة بقص روايات وحكايات والتي تسمي «بثموشها» وهي كلها حكم تغذي العقل والفكر وتهيئ الكبار والصغار لفهم الحياة وتجاوز المواقف الصعبة، وإلى ذلك الحين يكون العشاء وضع على المائدة بعدها يجتمع الكل حولها في جو عائلي يسوده الطمأنينة والسكينة والاستقرار العائلي. أحلى الأمنيات والتهاني في هذه المناسبة يغتنم الفرصة سكان منطقة القبائل لتقديم أحلى الأمنيات والتهاني بين الأهل والأقارب، حيث خلال هذا اليوم تقوم العائلات عبر مختلف نواحي الولاية مثل واد عيسي ارجون، عين الحمام وغيرها بإحياء أفراح عديدة كتحليق شعر الطفل الصغير الذي لا يتعد عمره سنة، يرمز إلى الاستقامة والأخلاق العالية في حياته، وكما نجد عادات أخرى سارية عبر مختلف جهات ولاية تيزي وزو كقرية اقاوج، اغيل بوشن، ثلا عثمان، ارجون، حيث يقومون بأخذ هذا الطفل إلى السوق لأول مرة مكشوف الوجه ويشتري له رأس الثور أين يتم دعوة الأهل والأقارب لإقامة عرس بهذه المناسبة أين يلتقي الأحباب فيما بينهم والكل يتمنى للأخر أن تتحقق أمنياته وأن تكون السنة سنة مليئة بالأمنيات والمفاجآت السارة، وكما يعد رمزا للتسلية واللعب والمرح بالنسبة للفتيات الصغيرات وهن يلعبن بدمياتهن بعقد قرانها تجسيدا لما يعرف بعدة مناطق ب«ثسليث بونزار»، كما أن في هذه المناسبة العائلات التي تملك أشجارا مثمرة في حقولها، يقوم الأطفال الصغار لأول مرة بقطف ثمار الشجرة رمزا للخير والبركة. إلا أن الاحتفال بيناير لا يقتصر فقط على منطقة القبائل بل هو احتفال تقوم به معظم العائلات الجزائرية فنجد منطقة الشرق الجزائري في ليلة يناير تقوم ربة البيت بتنظيف منازلهم ويقطفون عشبه برية تسمى «اوزو» لتجميل منازلهم، متمنين أن يعود عليهم العام بالصحة والبركة قائلين «انقافل اسقاس اجذيذ اسوذم اجذيذ»، وكما نجد سكان الغرب الجزائري كولاية تلمسان يحيون هذا اليوم بطهي مختلف أنواع الحلويات وترتدي المرأة اللباس التقليدي التلمساني الأصيل. أما في الجنوب الجزائري فنجد ولاية ورقلة تستقبل يناير في جو بهيج وأجواء من الفرحة والسرور، حيث الكل يرتدي ملابس جديدة من طفل ورجل وامرأة ومع وضع الحنة للنساء والأطفال ويتبادلون الزيارات فيما بينهم وتحضير مختلف الأطباق التقليدية التي تشتهر بها المنطقة.