تناول المشاركون في اليوم الدراسي: «يناير: طقوس وممارسات» الذي نظمه، المتحف الوطني أحمد زبانة بالشراكة مع مركز البحث العلمي والتقني في علم الانسان الاجتماعي والثقافي «كراسك وهران» رمزية العادات والطقوس والأساطير المتوارثة من جيل لآخر، من خلال المتخيل الاجتماعي والذاكرة الشعبية، خاصة في منطقة بني سنوس بتلمسان، وهرانوتبسة» بمناسبة الاحتفالات الوطنية برأس السنة الأمازيغية 2973. بعيدا عن الاحتفالية والفلكلور وترسيخ العادات والتقاليد، يؤكد الباحثون والمؤرخون «إدراك الإنسان منذ العصور القديمة أهمية الزمان ودوره في الحياة، لأنه وجد نفسه خاضعا لسطوته ولزوميته، حيث كانت المجتمعات الإنسانية تستدل عليه من خلال معطيات كونية مرتبطة بالتغيرات التي تطرأ على الكون ومظاهر الطبيعة، وحتى التغيرات البيولوجية التي يعيشها هو ذاته، فالنوم يدل على الليل والقمر يدل على الشهر، والحرث والزراعة والحصاد كلها عمليات تدل على السنة، وأصبح الزمان يحسب من خلال: الليل والنهار، دورات نمو النبات دورة القمر ودورة الشمس، لذلك ارتبطت هذه الدورات بالتقويم وحساب الزمن وشيئا فشيئا تطور هذا التقويم الذي خدم الزراعة، واقترن بطقوس وممارسات عبّرت عن عادات وتقاليد وأعراف المجتمع الإنساني، كما اقترن - التقويم بالجانب الاحتفالي الذي يعبر غالبا على المعتقدات الشعبية». وتشير الدراسات الأكاديمية إلى انتقال التقويم من شعبي إلى تقويم علمي كان مضبوطا، لكن هذا الأخير لم يستطع إلغاء التقويم الشعبي تماما، حيث لا تزال الكثير من الممارسات والطقوس والعادات مستمرة حتى اليوم، وإن كان قد حدث عليها تغيير إلا أنها لا تزال مستمرة على الأقل في شكلها الاحتفالي، في مقابل ممارسات جديدة تصنف كسلوك اقتصادي تظهر من خلاله ممارسات تجارية مناسباتية قائمة على قانون العرض والطلب، كما هو الحال في احتفالية يناير التي تشير في شق منها إلى السنة الفلاحية، وفي شق آخر تعطي تصورا للمخيال الاجتماعي والشعبي، بل وترسم ملامح لهويته وبذلك تتدخل في إثراء عناصر الموروث الثقافي اللامادي». عادات وتقاليد الاحتفال بيناير وانطلاقا من هاته التيمات تناول المشاركون من دكاترة وأساتذة مختصين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وباحثين مهتمين بالتراث الثقافي المادي واللامادي، من خلال مداخلات ومناقشات اليوم الدراسي «رمزيات طقوس وعادات وتقاليد الاحتفالية بيناير بمختلف مناطق الجزائر، خاصة تلك التي تتميز بالطابع الفلاحي، في محاولة منهم لتسليط الضوء على «تأثير التقويمات الشعبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع الجزائري مند القدم». تناولت الباحثة صايحة سنوسي في مداخلتها، إلى أن الاحتفالات بدخول السنة الأمازيغية في منطقة بني سنوس بتلمسان تحمل رمزية التغيير من صفة إلى أخرى، والعبور من سنة إلى أخرى، وأضافت الباحثة أن «قبائل ومجتمعات المنطقة عرفت منذ الأزل الاحتفالية ببداية السنة الفلاحية، والتي تحمل ميزات انتروبولوجية وثقافية واجتماعية تضرب جذورها عميقا في الماضي». وترمز الكثير من العادات المتبعة إلى طقوس للعبور والانتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة، وهي طقوس مرتبطة بحسب المتحدثة، بممارسة قص الشعر وزبر الأشجار، وتجديد الأواني، وهو رمز تجديد القوة الروحية، إلى جانب طقوس التطهير والتنظيف من أجل طرد الأرواح الشريرة واستقبال العام بالوفرة والخير من خلال تحديد أطباق الشرشم، الحريرة، الرشتة والفواكه والمكسرات.. ومن العادات المتوارثة بحسب ما أضافته الباحثة «الأهازيج المتنوعة والأمثال التي تحاكي الطقوس التي اعتمدها الفلاحون منذ القدم والتأقلم مع الظروف المناخية، وقساوة الشتاء واحترامهم لتوازن الطبيعة وفصولها والتعامل معها بحكمة. ويتجلى من احتفاليات منطقة بني سنوس ورموزها وطقوسها أن ليناير الكثير من الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتراثية وكلها مرتبطة بالأرض». أطباق شعبية لاحتفالية يناير يعد طبق الشرشم الذي يحضر بالفول والقمح والحمص من الأطباق المتميزة الملتصقة باحتفالية أهالي وهران بيناير، حيث يبدأ حسب د. مليحة حضرية دادوة «التحضير له ليلة أو ليلتين قبل يوم بداية السنة الجديدة.. ومن عادات المنطقة أيضا أن «يرتدي الاطفال الألبسة التقليدية، ويقدم في السهرة «المخلط»، وهو خليط من المكسرات والتمر والتين المجفف والحلويات والفواكه، توضع في طبق كبير من الحلفاء وتقسم في أكياس محاطة من القماش يقوم الاطفال بوضعها تحت المخدة واستخدامها في الصباح. معتقدات شعبية متواصلة.. عادت د. نسيمة حميدة من كراسك وهران في مداخلتها بعنوان «يناير بوابة السنة الفلاحية طقوس ومعتقدات شعبية بتبسة قديما: مقاربة أنتروبولوجية»، إلى طقوس التغيير والعبور التي تعتبر «تراثا مشتركا تتقاسمه كل المجتمعات التقليدية على مستوى زراعتها.» 25 وكشفت د.نسيمة حميدة في مداخلتها أن الانسان بمنطقة تبسة تعلم منذ القدم التأقلم مع بيئته ومع تغير الفصول وتعاقبها، فهو يعتبر الفترة من 25 ديسمبر الى13 جانفي، موسما زراعيا يتسم بالبرودة الشديدة، حيث يقوم الفلاحون بتغطية الاشجار التي بها براعم للحفاظ عليها من الجليد، ويقولون أن الأرض تعصر كل مائها.. وتلي هذه الفترة فترة الليالي السود التي يسودها ضباب كثيف، فتتشبع الأرض بالماء والأملاح ويقوم الفلاحون بغرس الفروع المزبورة وغرس الكثير من الأشجار والخضروات. وأضافت الباحثة أن من طقوس التغيير والتجديد في المنطقة «فتح وقلب واستخراج المؤونة من «المطامير» ويكون هناك التكافل الاجتماعي، حيث يتقاسم الناس الأكل فيما بينهم». وتحدثت د. نسيمة حميدة أيضا عن فترة «غرة العزرة»، وهي فترة تتغير فيها الأحوال الطبيعية من يوم إلى آخر، بين برد وريح ومطر وثلج وصقيع، كما تطرقت الدكتورة نسيمة حميدة إلى الاسطورة العجوزة التي يقدمها المتخيل الشعبي، وإلى رمزية قلب المناصب واطفاء «الكانون» في ليلة يناير، هو طقس عبور للانتقال من أجل إلى آخر وقلب صفحة قديمة للتخلص من كل سلبيات السنة الماضية، وطلب أكثر خصوبة وخيرات للسنة القادمة». ويتم بعدها تقول تغيير المناصب وطقس الاستعطاف، حيث نتحدث هنا عن «غرة غيلان» وتليها فترة «فورار» أو «غرة الحسوم»، فرمزية العرافة بأعواد نبتة الفيجل التي تربط لتجديد الطاقة وتعلق بالباب الخارجي. مكانة الأساطير في المخيال الثقافي ودائما في مجال الطقوس والمعتقدات تطرقت د. سميرة أم بوعزة ومديرة قصر الفنون والمعارض لتلمسان إلى مكانة الأساطير في المخيال الثقافي، وخاصة تلك المرتبطة باحتفالية يناير منها حكاية فتحة والعجوزة وإيراد وغيرها، والتي تستدعي دراستها كجزء من التراث الثقافي اللامادي بحسب المتحدثة كونها حكايات وظفت كثيرا كقصص ما قبل النوم، كانت ومازالت تحكيها الجدات للأحفاد. وفي سياق آخر، افتتحت بالمناسبة بالمتحف الوطني احمد زبانة سلسلة من المعارض تدوم إلى غاية نهاية الشهر الجاري، وهي معرض تحف من مجموعة الاثنوغرافيا لمتحف زبانة، معرض اللوحات الفنية (إبراء)) من تنظيم مركز المعارض والفنون تلمسان، معرض «مشاهد من الحياة اليومية» لشايلا بشير باحث في التراث الوهراني، إضافة إلى معرض لإصدارات مركز البحث العلمي والتقني في علم الانسان الاجتماعي والثقافي.