تصدّرت مختلف مساجد الجزائر خلال رمضان هذا العام المشهد الجزائري بمختلف تجلياته؛ الدينية والثقافية والتضامنية والصحية وغيرها، حيث تجندت مختلف مؤسسات المسجد من أئمة ولجان دينية وسبل الخيرات منذ بداية هذا الشهر لتنخرط بقوة في المشهد الاجتماعي والإعلامي. فعلاوة على ما سطرته ونفذته خلال شهر رمضان من دروس ومحاضرات وندوات أسبوعية ويومية، فقد فتحت أبوابها للمتطوعين لجمع مئات آلاف قفف رمضان؛ وظلت توزعها تباعا أسبوعا بعد أسبوع على المحتاجين ليقضوا شهر رمضان بمعية إخوانهم المسلمين دون حاجة وافتقار، كما عمدت الكثير منها إلى فتح مطاعم للرحمة تستقبل الفقراء وعابري السبيل،وتوزع يوميا مئات الوجبات الساخنة، وقد وجدت المساجد في ثقة المواطنين فيها فرصة لاستقطاب مثل هكذا تبرعات، ما جعلها تنخرط في مسعى مختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة بالجانب الاجتماعي على غرار وزارة التضامن والهلال الأحمر وجمعيات المجتمع المدني، وتعزز هذا التضامن بفتح أبواب المساجد لاستقبال زكاة الفطر تحسبا لتوزيعها على الفقراء والمساكين ممن تعرف لجان المساجد أحوالهم المادية. كما أن المساجد انخرطت بقوة في المشهد الثقافي والتربوي من خلال تلك المسابقات التي نظمتها وظلت تقيمها وتتابعها يوميا عبر مساجد البلديات والولايات؛ سواء تعلق الأمر بمسابقات حفظ القرآن الكريم التي استقطبت إليها جمهرة مشاركين فاجأوا المنظمين لاسيما من صغار السن من البنين والبنات، الذين أكرم الفائزون منهم في احتفالات ليلة القدر، أو مسابقات أخرى أبدعت المساجد في اقتراحها، ومنها مسابقة الخطيب الصغير ومسابقة أحسن مؤذن صغير ومسابقات ثقافية أخرى، وما يلاحظ أن المساجد ركزت في مثل هكذا أنشطة على فئة الصغار والشباب ممن تمدرس معظمهم في المدارس القرآنية، وهو ما يبشر بمستقبل واعد لهذا الجيل بخلاف ما يسوقه البعض من تخوفات على الأجيال القادمة. كما فتحت المساجد أبوابها لندوات متخصصة يوجه من خلالها المشاركون إرشادات على غرار قطاع الصحة وقطاع الحماية المدنية؛ بل إن الأئمة انفتحوا عن الكثير من مؤسسات المجتمع وأطروا ندوات بها؛ على غرار المراكز الثقافية والإذاعات المحلية والمراكز الاجتماعية ودور العجزة، وبعض المقرات الرسمية، ولم ينسوا فئة الأيتام والمحتاجين الذين خصوهم بمبادرات خاصة؛ على غرار الختان الجماعي وكسوة العيد، وقد أسهم انخراط المساجد في نشر أنشطتها عبر فضاءات التواصل الاجتماعي في تعميم الأنشطة وظهور منافسة شريفة بينها. وبهذا فإن المساجد أعطت انطباعا عاما أن المجتمع يتجه نحو التدين الأصيل الذي ورثه منذ قرون، وطبع علاقاته الاجتماعية وشكل اسمنتا مسلحا يربط الجزائريين، وهي تنتقل تدريجيا من الدور التقليدي الذي تقوم به في توفير أجواء لأداء الصلاة والخطب إلى التوجه للمجتمع وشرائحه، وهو ما يجعها أكثر تأثيرا وحضورا وأكثر استيعابا لحاجات المجتمع ومتطلباته، وتسهم مع مؤسسات الدولة في التنمية الثقافية والاجتماعية الى جانب التنمية الدينية والتربوية.