يحل اليوم العالمي لحرية التعبير هذا العام، والجزائر تجدد منظومتها القانونية الخاصة بالإعلام لتواكب التطورات الحاصلة في عالم الصحافة والاتصال، ولعل الأبرز في قانون الإعلام الجديد هو استحداث مجلس آداب وأخلاقيات المهنة الذي يعتبر ركيزة أساسية في ممارسة العمل الصحفي والإعلامي. إعداد : بن ودان خيرة بموجب أحكام مشروع النص القانوني، ينشأ مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي و يتشكل من 12 عضوا، 6 منهم يعينهم رئيس الجمهورية من بين الكفاءات والشخصيات والباحثين ذوي خبرة فعلية في المجال الصحفي و 6 الآخرين ينتخبون من بين الصحفيين والناشرين المنخرطين في المنظمات المهنية الوطنية المعتمدة، كما ينص مشروع القانون على أن كل خرق لقواعد آداب وأخلاقيات مهنة الصحافة يعرض مرتكبيه إلى عقوبات تأديبية يحددها ويأمر بها المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي. وفي هذا الإطار، رصدت النصر آراء بعض الأساتذة المختصين في الإعلام والاتصال عبر جامعات مختلفة من الوطن، والذين ثمنوا قرار إنشاء هذا المجلس بالنظر للدور المحوري الذي سيلعبه في ترقية المهنة ونشر الوعي المجتمعي. الدكتور بن دريس أحمد جامعة وهران2 أخلاقيات مهنة الصحافة تساهم في رفع وعي الجمهور قال الدكتور بن دريس أحمد من جامعة وهران2، إن مجالس أخلاقيات الصحافة و وسائل الإعلام السمعية البصرية، تهدف إلى تعزيز الممارسات الأخلاقية والمسؤولة، وضمان احترام حقوق الأفراد والمجتمعات المتأثرة بالمحتوى الإعلامي، ومن مهام هذه المجالس كذلك تطوير وتحديث مبادئ الأخلاقيات والمعايير التي يجب على وسائل الإعلام احترامها، والعمل على توعية الصحفيين والمنتجين الإعلاميين بأهمية الالتزام بهذه المعايير. و أوضح أن هذه المجالس تعمل على مراقبة الصحافة ووسائل الإعلام ومعاقبة المخالفين للمعايير الأخلاقية والقوانين، كما تقدم النصح والإرشاد للمتلقين وأيضا تتلقى شكاوى الجمهور بشأن المحتوى الإعلامي، وتعمل على التحقق من صحتها و اتخاذ الإجراءات المناسبة في حال ثبتت الانتهاكات، مبرزا أنه في ظل هذه المعايير الأخلاقية، يستفيد الجمهور بشكل كبير من وجود مجالس أخلاقيات الصحافة و وسائل الإعلام، من خلال ضمان الحصول على الأخبار والمعلومات التي تنشرها وتبثها مختلف وسائل الإعلام، بدقة وموضوعية، أي معلومات موثوقة وصحيحة، مما يساهم في رفع مستوى الوعي العام، حيث يمكن لمجالس الأخلاقيات، التأكد من تضمن الأخبار والمعلومات تحليلاً وتقييمًا عادلًا ومتوازنًا للموضوعات المختلفة، ويمكن للجمهور أن يتعلم من ذلك ويتمكن من تطوير مستواه في الفهم والتحليل. وأردف الدكتور بن دريس، أن مجالس الأخلاقيات تحرص على الحفاظ على حقوق الأفراد من خلال ضمان حفاظ الصحافيين على الخصوصية والكرامة الإنسانية للأشخاص و تحقيق حمايتهم من أي انتهاكات محتملة، وبالتالي تحسين العلاقة والثقة بين الجمهور ووسائل الإعلام وذلك عن طريق ضمان تقديم المعلومات والأخبار بشكل موضوعي ودقيق وبأعلى مستوى للأخلاقيات وللمهنية. وأشار المتحدث، أن مبادئ الأخلاقيات و المعايير التي يجب على وسائل الإعلام احترامها، ترتكز على ضرورة تحري الصدق والدقة في تقديم المعلومات وتجنب نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، و احترام خصوصية الأفراد وعدم نشر أي معلومات خاصة بشأنهم دون موافقتهم، إلى جانب اعتماد الشفافية وتوضيح أي تعارض محتمل للمصالح أو الانحيازات السياسية، مع احترام الحقوق والحريات الأساسية، وعدم تحريض الجماهير على العنف و الكراهية، كما يجب على وسائل الإعلام التنوع في التغطية الإعلامية وتمثيل جميع الفئات والأصوات المختلفة في المجتمع في كنف الحفاظ على الحيادية وعدم التحيز. و اعتبر المتحدث أن مجالس أخلاقيات الإعلام التي هي هيئات مستقلة، يجب أن تتكون من خبراء وأكاديميين وشخصيات من المجتمع المدني، بهدف الحفاظ على المعايير وتوفير مساحة للتفاعل بين المتلقين والمنتجين لتحسين محتوى الإعلام، مشيرا أنه في العديد من الدول يتم تحديد مهام و اختصاصات مجالس وقد تشمل هذه المهام مراقبة محتوى الإعلام، وتلقي الشكاوى والبلاغات المتعلقة بانتهاك مبادئ الأخلاقيات، وإصدار التوصيات والتوجيهات للمنتجين والإعلاميين، و يتم تعزيز دور هذه المجالس بقوانين الإعلام المختلفة، حيث يتم تحديد العقوبات المناسبة للمنتهكين لمبادئ الأخلاقيات والمعايير الإعلامية، مردفا أن المخالفات التي يتابعها مجلس أخلاقيات الصحافة تختلف من بلد لآخر، وتعتمد على المعايير الأخلاقية والقوانين التي تسري في كل دولة و هناك بعض المخالفات الشائعة منها نشر الأخبار الزائفة أو غير الموثوقة، الإساءة للأشخاص أو المؤسسات أو الجماعات الدينية أو العرقية أو الثقافية، و كذا التحريض على الكراهية أو التمييز العنصري أو الديني أو الثقافي، إلى جانب الإثارة الزائفة للرأي العام أو نشر الشائعات، و الاختلاف بين الحقائق وما يتم نشره في الصحافة، و كذلك الإساءة للخصوصية الشخصية للأفراد أو العائلات واستخدام الصور أو الفيديوهات دون الحصول على موافقة الأشخاص الذين يظهرون فيها، وأيضا إثارة الفتنة وتأجيج النعرات والتحريض على العنف. الدكتور عكوباش هشام جامعة سطيف 2 المدونة الأخلاقية يجب أن تتوافق و المكونات التاريخية والثقافية يرى الدكتور هشام عكوباش من جامعة سطيف 2، أن هناك مبادئ عامة تخص ممارسة العمل الصحفي تتناسب مع كل الدول مهما كان تاريخها، ثقافتها والقيم التي تحكمها، وفي ذات وقت يمكن لكل دولة أن تكون لها مدونات أخلاقية تضمن الاتزان في العمل الصحفي وتنسجم مع طبيعة المنظومة السياسية والاجتماعية لها وتاريخها وثقافتها. وتأسيسا، لهذا وفق المتحدث، فإن صياغة أي مدونة أخلاقية في السياق الوطني لا يمكنها أن تغفل أو تتجاوز المبادئ التي تحكم الدولة الجزائرية ومكوناتها التاريخية والثقافية، موضحا أنه في مقدمة هذه المبادئ والتي كرسها الدستور صراحة، نجد الدين الإسلامي، اللغة العربية، اللغة الأمازيغية، التاريخ السياسي والثقافي للدولة الجزائرية، ومن خلال هذه الأرضية يمكن صياغة بعض البنود لأخلاقيات العمل الصحفي في بلادنا، منها، مثل ما يضيف، أنه يجب على الصحفي أن يلتزم بمبادئ الدين الإسلامي وأن لا يتعرض بالإساءة لتعاليمه، و أن يستخدم اللغات الوطنية ويعمل على ترقيتها، ويحترم القيم الوطنية وفق مبادئ 1 نوفمبر 1954 الراسخة وأن يحترم الرموز التاريخية للدولة الجزائرية وأن لا يتعرض لها بالإساءة. من جهة أخرى، قال الدكتور عكوباش، أنه على الصحفي أن يحترم الموروث الثقافي المادي واللامادي للجزائر ويعمل على ترقيته، وأنه على المؤسسات الإعلامية مهما كانت طبيعتها أو سياساتها، أن تحافظ على أصالة المجتمع وثقافته وعدم استغلال المرأة في الإعلانات التجارية المصورة التي تمس بكرامتها بما لا يتوافق مع طبيعة المجتمع الجزائري، وأيضا عدم استغلال الطفولة في الأعمال المصورة بما لا يتوافق مع طبيعة المجتمع الجزائري. و أضاف أنه على الصحفي أن يتجنب نشر أو بث مادة إعلامية تحمل مشاهد العنف والتحريض عليه، وتجنب المشاهد الخادشة للحياء بما يتوافق مع طبيعة المجتمع الذي هو بحاجة لمادة إعلامية تحترم الذوق العام وتعمل على ترقيته داخل المجتمع الجزائري. كما ركز الدكتور عكوباش على أن الأسس العامة لأخلاقيات العمل الصحفي تتمثل عموما في ضمان حق المواطن في الحصول على المعرفة بدون قيود أو حواجز وفي حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات أيضا دون قيود ووفق المبادئ المنصوص عليها قانونا، إلى جانب حقه في الحفاظ على سرية مصادر المعلومات و حقه في حرية التعبير وإبداء الرأي دون قيد أو شرط في إطار المبادئ المنصوص عليها قانونا، كما يجب عليه أن لا يثير النعرات الطائفية، أو العنصرية أو التعصب لجهة معينة بما يهدد التماسك الاجتماعي واللحمة الوطنية، و أن يلتزم بعدم نشر كل ما من شأنه تهديد الأمن الوطني والوحدة الوطنية وكل ما هو مرتبط بالدفاع الوطني. معتبرا أنه يجب على الصحفي كذلك، الالتزام بمبدأ الموضوعية في تغطيته للأحداث والتعليق عليها، وأن يلتزم الصدق في نقله للأخبار سواء في محيطه الداخلي أو الخارجي، والامتناع عن نشر أي معلومات من شأنها أن تحط من قدر الإنسان أو تنقص من اعتباره أو تسيء إلى كرامته وسمعته. الدكتور بوعمامة العربي جامعة مستغانم ميثاق الأخلاقيات ترسيخ لقيم السلم و الاستقرار اقترح الدكتور بوعمامة العربي من جامعة مستغانم، أن يلائم ميثاق أخلاقيات المهنة الصحفية الجديد في بلادنا، البيئة الإعلامية الجديدة والذكاء الاصطناعي، وأن تكون تركيبة المجلس ممثلة لكل المؤسسات الإعلامية وبنسب متوازنة و تتمحور مهمتها حول ثلاثة أهداف رئيسية، الأولى حماية الجمهور من الانزلاقات، ثانيا حماية الصحفيين، وثالثا لعب دور الوسيط بين الاثنين. و أوضح أن الهدف من مجالس أخلاقيات المهنة، هو ضبط مواثيق شرف للمؤسسات الإعلامية والاعلامين وتحديد أخلاقيات مهنة الصحافة و التي هي في الأصل الضوابط الأخلاقية التي تؤطر ممارسة مختلف مراحل إنتاج المادة الإعلامية وتحفظ للمهنة شرفها ونبلها، وتمنع وقوع انزلاقات غير مهنية سواء في علاقة الصحفي بالمادة الخبرية ذاتها أو في علاقته بمصادر الخبر أو بجمهوره أو بمسؤوليه وزملائه داخل المؤسسة. مردفا أن مجلس أخلاقيات المهنة هو سلطة معنوية تجاه الصحفيين، بحيث تضبط الجانب الأخلاقي وتقدم تقارير دورية حول مدى احترام أخلاقيات الصحافة مع مراعاة الحق في التعبير، وأن مسؤولية الإعلام تتضمن حدودا على الصحفيين يجب أن يفرضوها على أنفسهم، مشيرا إلى أن الواجبات المهنية يمكن فرضها إذا توفرت جميع الشروط المحددة من أجل استقلالية الصحافي، منوها بدور الإعلام في التصدى للطائفية والابتذال والتشويه، من خلال الدفاع عن القيم العليا وحق المجتمع في المعرفة ويبث طاقات إيجابية لدى الجمهور، تمنحه القدرة على الرقي والتحضر والعمل بإيجابية، ولذلك فدور الإعلام، يضيف ذات المتحدث،محوري في شبكة التواصل الإنساني مما يمكنه من أن يصبح عاملا مهما في تحقيق الاستقرار والسلم. و أكد بوعمامة العربي أن إستيعاب القائمين بالاتصال في المجتمع لنسق القيم السائد وما يرتبط به من مقومات ثقافية وحضارية، هو السبيل الأنسب لتوظيف الإعلام بشكل إيجابي يرتقي بسلوك الفرد والجماعة نحو تحضر فعلي وأصيل، "فالإعلام في عصر تعدد المصادر لا يجب أن يبقى مصدرا أو ناقلا بل يجب أن يبني منظومة قيم قادرة على تلبية تطلعات المجتمع الحديثة من جهة وتجسيد ذاته الحضارية" وفق المتحدث. وأوضح الدكتور بوعمامة، أن استخدام وسائل الإعلام في التربية والثقافة لإنتاج النمط الحضاري في إطار المنتوج القيمي للمجتمع، من شأنه أن يساهم في مواجهة المد الإعلامي المعولم والقيم الوافدة التي لا يمكن مقابلتها إلا بمنظومة إعلامية حاملة لقيم المجتمع ومتكاملة من حيث الهياكل والوظائف والرؤى، مستندا في هذا إلى مقولة أحد المختصين " نحتاج إعلامًا يحمي عقولنا وقيمنا ويساعد في حفظ نسيجنا الاجتماعي"، كون الإعلام هو أحد أهم مصادر التنشئة الاجتماعية والذي يجب أن يناط بمسؤولياته في حماية المجتمع وتطوير قدرات أفراده على مواجهة الأزمات والضغوط والاحباطات النفسية، وفي الوقت ذاته تغذية الشعور و الرقي والتحضر الفكري والسلوكي. الدكتور برقان محمد جامعة وهران 2 التعتيم الإعلامي درء للفتنة أحيانا قال الدكتور برقان محمد من جامعة وهران 2، أنه إلى جانب الالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة و اعتبار أنه لكل مواطن الحق في معرفة الحقائق كاملة غير مشوهة وغير موجهة، فإنه يمكن اللجوء أحيانا إلى التعتيم الإعلامي حفاظا على توازن مكونات السيادة الوطنية و درءا للفتنة وإبعادا للفوضى. ودعا الدكتور برقان لضرورة تحري الدقة والأمانة والنزاهة وعدم المبالغة في نقل الأحداث، بما يسمح بتقديم الأخبار بعيدا عن كل تحيز لطرف على آخر، وأيضا إلزامية الفصل بين الخبر والتعليق انطلاقا من قاعدة "الواقع مقدس والرأي حر" وأن يتم نشر فقط المعلومات التي يعرف مصدرها، كما دعا أيضا لضرورة التحقق من صدقية مصادر الأخبار قبل الهرولة إلى السبق الصحفي لعدم نشر الأخبار الزائفة أو التركيز على وقائع ثانوية والتعتيم على الوقائع الرئيسة. وأوضح المتحدث، أنه على الصحفي تحري الموضوعية ولو على حساب السياسة الإعلامية للمؤسسة التي يعمل فيها، وأن ينقل الخبر كما هو وليس كما يريده هو أن يكون، بالإضافة لإلزامية احترام القوانين عند البحث عن تفاصيل الأخبار وتفادي المساس بالحياة الشخصية للمواطنين والمثل العليا للبلاد، وكذا احترام رموز الدولة من أي قدح، وعدم التعرض بالسب والشتم والتجريح للمقدسات الدينية للأمة الإسلامية وحتى للأمم الأخرى والعمل على الحفاظ على ثوابت الأمة وتفادي إشعال النعرات الجهوية في تغطية الأحداث أو أثناء التعليق عليها.