تُعد حرائق الغابات من الكوارث الطبيعية التي تتسبب في دمار واسع النطاق. تتميز هذه الحرائق بقدرتها الهائلة على تدمير النباتات والأشجار والحياة الحيوانية، وتترك خلفها آثاراً كارثية على البيئة والنظم البيئية. تعتبر الغابات بمثابة مخزون طبيعي للأكسجين ومصدرا حيويا للتنوع البيولوجي، حيث تساهم في حفظ التربة والحد من التصحر، وتعمل على تنقية الهواء واستقطاب الأمطار. ومع ذلك، تتعرض هذه الغابات لخطر الحرائق التي يمكن أن تنشأ بسبب عدة عوامل. تعد التغيرات المناخية واحدة من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى زيادة حدوث حرائق الغابات. إن فترات الجفاف المطولة وارتفاع درجات الحرارة يجففان النباتات والأشجار، مما يجعلها أكثر عرضة للاشتعال. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون التغيرات المناخية مسؤولة عن توسع نطاق الحشائش القابلة للاشتعال وتغير توزيع الأمطار، مما يسهل انتشار الحرائق بسرعة وبشدّة أكبر. وبالإضافة إلى العوامل المناخية، يلعب النشاط البشري دورًا هامًا في حدوث حرائق الغابات. قد يشمل ذلك الإشعال العمد أو غير العمد للنار، سواء كان ذلك نتيجة لأنشطة الزراعة غير المُحكمة أو إشعال النار للتخلص من النفايات أو حرق المزروعات القديمة. كما يسهم التعدي البشري على الغابات وعدم التصرف المسؤول في التحركات البشرية في زيادة احتمالية حدوث الحرائق. تتسبب حرائق الغابات في خسائر بشرية واقتصادية هائلة ويتضرر المواطنون في المناطق المجاورة للغابات من الحرائق التي تؤثر على قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة، وتتسبب في فقدان الغطاء النباتي وتدهور التربة. يُعد منع حرائق الغابات ومكافحتها أمرًا حيويًا للحفاظ على هذه الثروة والبيئة الطبيعية وتشمل استراتيجيات الوقاية والتدخل المبكر والرصد المستمر والتثقيف والتوعية بأهمية الحفاظ عليها وتجنب السلوكيات الخطرة. تتطلب دراسة هذا الخطر توفر البيانات المناسبة عبر حواسيب ذات معالجات قوية، برمجيات، وصور الأقمار الصناعية ذات الدقة المكانية والزمانية العالية والبيانات الميدانية، لمتابعة التغيير المكاني و الزماني للحريق، ولتلبية الحاجة الملحّة لمتابعته. وتعتمد استراتيجيات إدارة الطوارئ على جمع البيانات الخاصة بكل ما يتعلق بالمنطقة المستهدفة، وللقيام بهذه الاستراتيجية تستخدم التقنيات المتاحة في المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، حيث تُجمع البيانات عن طريق الصور الفضائية ويتم تحليلها باستخدام برامج الكمبيوتر لتحديد الخطر، والتنبؤ بأي تغيرات قد تحدث في المستقبل. كما نستخدم تقنيات المعلومات الجغرافية لإنشاء قاعدة بيانات ونستخرج خرائط ذات جودة عالية توضح المناطق التي تحتاج إلى اهتمام خاص بسبب تعرضها لخطر طبيعي ما، ولتحليل البيئة الطبيعية وتحديد الأنماط والاتجاهات التي تؤدي إلى انتشار هذا الخطر. يمكن أيضًا استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد مثل تقنيات الرادار والليزر وطائرات «درون» لتحليل البيانات والمعلومات ذات الصلة بهذه الأخطار. يمكن استخدام هذه التقنيات لتحديد المناطق المعرضة للخطر، وتحديد الأماكن التي يمكن أن تكون نقاط انطلاق. وتعد الخرائط أدوات مهمة في الحد من تأثير الكوارث الطبيعية بشكل عام وخطر حرائق الغابات بشكل خاص، لأنها توفر معلومات مهمة حول موقع وتوزيع الموارد الطبيعية والمجتمعات الضعيفة والبنية التحتية التي قد تكون معرضة للخطر أثناء اندلاع الحريق. وتعد المنصات الرقمية الخرائطية السحابية تكنولوجيا جديدة في تسيير هذا الخطر وقد أثبتت فعاليتها بشكل كبير جدا، حيث أصبحت كل الدول تعتمد عليها بشكل مباشر، وهنا سنطرح أمثلة على منصات دولية مفتوحة المصدر يمكن الاعتماد عليها في تسيير حرائق الغابات بمنطقتنا. المنصة السحابية الأمريكية الخاصة بمتابعة حرائق الغابات FIRMS هي منصة سحابية تابعة لوكالة «ناسا»، تستخدم لمتابعة ورصد حرائق الغابات والاندلاعات الحرارية حول العالم. تهدف إلى توفير معلومات دقيقة وفورية حول الحرائق للمساعدة في إدارة الخطر واتخاذ القرارات الاستراتيجية. تعتمد المنصة على بيانات الاستشعار عن بعد من مجموعة متنوعة من الأقمار الصناعية، مثل أقمار ناسا Terraو Aqua و MODISوVIIRS ، والتي تتيح رصد الحرائق والمناطق الحارقة من خلال تحليل الإشعاع الحراري والأشعة تحت الحمراء. تقوم FIRMS بتوفير خدمات مختلفة، منها: - توفير تحديثات دقيقة حول حرائق الغابات واندلاع النيران عبر العالم، وتقوم بتوليد تقارير وبيانات مفصلة تساعد الجهات المعنية في مراقبة الحرائق. - تقديم تنبيهات فورية عبر البريد الإلكتروني وتطبيقات الجوال للمستخدمين المهتمين بمراقبة حرائق الغابات، وذلك عند اكتشاف حرائق جديدة أو اندلاعات حرارية غير عادية. - توفير بيانات مكانية دقيقة تساعد الجهات المعنية في تحليل نطاق الحرائق وتأثيرها على المناطق المحيطة والموارد الطبيعية. تعد FIRMS أداة مهمة للمساعدة في مراقبة وإدارة الحرائق والمخاطر البيئية، وقد تم تطويرها بالتعاون مع وكالات ومؤسسات دولية ووطنية مختلفة. يمكن للباحثين والمسؤولين والجمهور العام الوصول إلى معلومات FIRMS عبر الإنترنت واستخدامها لأغراض المراقبة واتخاذ القرارات. نظام EFFIS السحابي الأوروبي لمتابعة حرائق الغابات: نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبية EFFIS هو نظام تابع للاتحاد الأوروبي يهدف إلى رصد وتحليل حرائق الغابات في أوروبا. تم إطلاقه في عام 1998 وتديره مفوضية الزراعة والتنمية الريفية التابعة للاتحاد الأوروبي. يعمل EFFIS على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بحرائق الغابات في البلدان الأعضاء للاتحاد الأوروبي، وكذا الدول المطلة على حوض البحر المتوسط ويوفر معلومات هامة للمساعدة في التصدي للحرائق وإدارتها بشكل فعال. يقدم النظام تحديثات دورية عن حالة الحرائق في أوروبا، ويقدم تحليلات وتوقعات حول تطورات الحرائق وتأثيراتها على الغابات والبيئة. تعتمد EFFIS على تكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بُعد لمراقبة الحرائق وتتبع توزعها وتحليل التغيرات في مساحات الغابات المتضررة. يُستخدم هذا النظام أيضًا لتقييم تأثيرات الحرائق على البيئة والتنبؤ بمخاطر الحرائق المستقبلية. يعتبر EFFIS أداة هامة لدعم سياسات الحماية من الحرائق وإدارة الغابات في الاتحاد الأوروبي، ويساهم في تحسين الاستجابة للحرائق والحد من تأثيراتها السلبية على البيئة والاقتصاد. منصة Google Earth Engine السحابية المرتبطة بالأقمار الصناعية: توفر مجموعة متنوعة من الأدوات والموارد للمساعدة في الوقاية من المخاطر الطبيعية. وتعتمد المنصة على البيانات الجيولوجية والجيوماتية المتوفرة على سطح الأرض والتي يمكن الوصول إليها عبر الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية. يمكن استخدامها لتحليل المخاطر الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات. وتستخدم هذه البيانات المتاحة على المنصة لإنشاء نماذج تنبؤية بالمخاطر الطبيعية وتحليل الأنماط الجيولوجية والمناخية لتحديد المناطق التي تحتاج إلى اهتمام خاص لتقليل المخاطر، كما تستخدم لتحليل التغيرات البيئية طويلة الأجل والتي يمكن أن تؤدي إلى المخاطر الطبيعية مثل التغيرات المناخية والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي. تستخدم البيانات المتوفرة لتحديد الأنماط والاتجاهات الطويلة الأجل والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. هناك طريقة جديدة للنّمذجة وحساب المساحة تم تطويرها بواسطة هذه المنصة، يستخدمها العديد من الباحثين حول العالم لدراسات الطوارئ. تستخدم هذه التقنية نفس المعادلات الرياضية والعديد من المعادلات الأخرى للإجابة على عملية اتخاذ القرار لمختلف الجهات الفاعلة. وقد استخدمنا هذه التقنية لمتابعة حرائق الغابات في جويلية 2021 في منطقة ذراع النقابة بغابة جبل الوحش بولاية قسنطينة، ما سمح لنا بنمذجة وحساب مساحة حرائق الغابات بقواعد بسيطة وبطريقة سريعة وتفاعلية من أجل تسهيل التنبؤ والرصد والمراقبة الزمانية المكانية للحرائق. بمعنى آخر، هذا العمل هو بداية لاقتراح نموذج يجعل من الممكن شرح تطور الحرائق ومتابعة انتشارها. الطائرات بدون طيار: قد أثبتت قيمتها في مجال متابعة ومكافحة حرائق الغابات. تمتلك هذه الطائرات القدرة على تقديم معلومات دقيقة وفورية لفرق مكافحة الحرائق وإدارة الموارد، وذلك عن طريق توفير رؤى جوية مفصلة وبيانات تحليلية مهمة في متابعة حرائق الغابات وخاصة بامتلاكها الكاميرات ومستشعرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والحرارية، للمساعدة في تحديد النقاط الساخنة والمناطق المعرضة لخطر الاحتراق، يمكن تلخيص أدائها في النقاط التالية: - التحليق فوق المناطق المعرضة للحرائق واكتشاف اندلاع النيران في مراحل مبكرة، وهذا يمكن من التدخل السريع والفعّال للحد من انتشار الحرائق. - التقاط صور جوية عالية الدقة وبيانات جيومكانية مفصلة تساعد في تحليل نطاق الحرائق وتقدير تأثيرها على البيئة المحيطة والمجتمعات. - استخدام تقنيات الاستشعار الحراري لتحديد مناطق الحرارة الشديدة والبؤر الساخنة داخل وحول مناطق الحرائق. - تحديد انتشار الدخان وتحركه، مما يساعد في توجيه التحذيرات واتخاذ القرارات بشأن إجلاء السكان المحليين. - متابعة جهود إطفاء الحرائق وتقييم فعالية الإجراءات المتخذة، والمساعدة في السيطرة على حرائق الغابات، باستخدام المواد الكيميائية أو المياه المثبطة للحريق للكشف عن الدخان وتحديد الموقع الدقيق للنيران. - إسقاط مواد كيمائية خطرة من الجو لإخماد أو إطفاء حريق، وهذه العملية أسرع وأكثر كفاءة من الطرق التقليدية لتقليل مخاطر فقدان الأرواح. - رسم خرائط التضاريس وتقديم معلومات في الوقت الفعلي عن انتشار الحريق. - مساعدة أطقم الإطفاء على فهم الموقف بشكل أفضل وتقييم المخاطر بدقة. - التحليق فوق المناطق ذات التضاريس الصعبة، مثل الغابات الكثيفة أو المناطق الجبلية. - تحديد مواقع مصادر المياه القريبة من مناطق الحرائق، مما يساعد في توجيه الجهود لتزويد فرق إطفاء الحرائق بالمياه. - تتبع تقدم الحرائق ورصد أي تغيرات في انتشارها، مما يساعد في توجيه استراتيجيات مكافحتها. - التحليق فوق المناطق المتضررة وتقديم صور دقيقة للأضرار والتدمير الناجم عن الحرائق، مما يساعد في تقييم الخسائر وتخطيط عمليات الإعادة التأهيل. - تحديد مناطق التركيز الأكبر للحرائق وأماكن توجيه الموارد والجهود بشكل أكثر فعالية. - تحسين التواصل والتنسيق بين الفرق المختلفة المشاركة في مكافحة الحرائق والجهات الإدارية. بشكل عام تُظهر هذه الاستخدامات العديدة للطائرات بدون طيار كيف يمكن أن تكون هذه التقنية قيّمة في تعزيز القدرة على مراقبة ومكافحة حرائق الغابات وتقديم دعم فعّال للجهود البشرية في هذا المجال كما تساهم في تحسين كفاءة استجابة السلطات لحرائق الغابات، وتقليل التأثيرات البيئية والاقتصادية السلبية لهذه الكوارث. ولا يزال استخدام الطائرات بدون طيار في الوقاية من حرائق الغابات والسيطرة عليها في مهدها. ومع تحسن التكنولوجيا، ستصبح أداة أكثر أهمية في مكافحة حرائق الغابات. إن تكنولوجيا الاستشعار عن بعد والجيوماتيك أداة فعالة تساعد على تسيير المخاطر فهي منصات تحليل جيوفضائية متعددة الاستخدامات يمكن استخدامها في تسيير المخاطر الطبيعية وخاصة خطر الحرائق ومن بين هذه الاستخدامات، تحليل المناطق المعرضة للخطر، مراقبة الأحوال الجوية، تحليل الغطاء النباتي، الكشف عن التغييرات البيئية وتحليل مخاطر التصحر. إن مواجهة هذا الخطر يتطلب تعاونًا بين كل القطاعات والمؤسسات وتعاونا دوليًا وجهودًا مشتركة للحد من تأثيرها السلبي والحفاظ على الغابات كموروث طبيعي قيم ومصدر للحياة والاستدامة.