وضع العدوان الصهيوني الهمجي على الشعب الفلسطيني في غزة الإعلام الغربي أمام اختبار تاريخي حقيقي، و كشفه على طبيعته وعلى حقيقته دون تجميل أو قناع، لتعرف كل شعوب العالم مدى التزام هذا الإعلام بآداب وأخلاقيات المهنة و نقل الحقيقة كما هي. ولعل ما تعرفه الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أسبوعين تعتبر من أكبر الأحداث التي عرت الإعلام العالمي عموما والغربي خصوصا، ووضعته على المحك أكثر من أي أحداث أو حروب أخرى في العقود الأخيرة، ذلك لأن كل الأمور واضحة تماما، فالضحية واضح والجلاد بيّن كقرص الشمس في كبد السماء، والعدوان والتعدي والظلم والوحشية واضحة أيضا. و اتضح بعد أسبوعين من التدمير والعدوان الوحشي الهمجي على الشعب الفلسطيني وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المنازل والمستشفيات على رؤوس من فيها، أن الكثير من وسائل الإعلام في العالم وفي الدول الغربية على وجه أدق، لا علاقة لها بالموضوعية والمهنية ونقل الحقيقة كما هي، ولا هي ملتزمة بالحياد الذي تفرضه مثل هذه الأحداث، وأن ما كانت تدعيه في هذا المجال مجرد كذب وتزييف وضحك على الشعوب. بل وأكثر من ذلك فإن دم الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يسيل بغزارة يوميا في غزة وغيرها أكد أن الكثير من وسائل الإعلام العالمية والتي توصف بالكبيرة وبخاصة في الدول الغربية متصيهنة بعمق ولا تغطي فقط على الحقيقة. ويتجلى هذا التصهين ليس فقط في غض النظر عن الجرائم التي يقترفها الاحتلال الصهيوني يوميا بل أيضا في إجراء المقارنات التي لا تليق بين الضحايا والجلادين، و إنكار بشكل تام حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه، وإعطاء بالمقابل الضوء الأخضر للاحتلال في ما يسمونه "حق الدفاع عن النفس" ولو على حساب الآلاف من الأرواح البريئة. لقد أبرزت الأيام الماضية أن الإعلام في فرنسا وبريطانيا وأمريكا و ألمانيا وغيرها من الدول الغربية كان منحازا بصورة واضحة للجانب الإسرائيلي في عدوانه الظالم على الشعب الفلسطيني، يعطي الحق للمعتدي وينكره عن الضحية ، يصور الصهيوني على أنه ضحية ويغض الطرف عن الضحايا الحقيقيين الذين يموتون يوميا بالمئات، وتدمر منازلهم ومستشفياتهم. و أكثر من هذا وضعت مختلف محطات الأخبار المعروفة في الغرب نقل الأخبار الكاذبة والمزيفة والمعلومات المضللة ضمن أولوياتها وفي صدارة عناوينها، بل وأعطت لنفسها حق إدارة الحرب والعدوان الوحشي الصهيوني على الشعب الفلسطيني وممارسة التضليل الذي تريده الدوائر السياسية و مخابر صناعة القرار في بلدانها وبما يتناسب مع أهدافها المعلنة والخفية. بالمقابل تسكت هذه المحطات سكوتا مطبقا على كل ما يقترفه الجيش الصهيوني من جرائم ضد الإنسانية ومن تنكيل و إبادة ممنهجة ضد الشعب الأعزل في غزة وفي أراضي محتلة أخرى، بل و تنصب نفسها حاكما أخلاقيا على العالم، توزع الحق والباطل وكما تشاء وتفسر القانون الدولي على هواها، و تقسم الضمير الإنساني كما يحلو لها. وهي تعمل في هذا الاتجاه على شيطنة كل ما هو عمل مقاوم وتصفه دون حسيب أو رقيب وبعيدا عن الجانب القانوني "بالإرهاب"، وتنكر بذلك على بقية الشعوب الحق في الحياة وتحرير الأرض وبناء الدولة والحق في الحرية و الكرامة. ولم يسلم حتى رئيس أكبر دولة في العالم وهي الدولة الأكثر دعما للدولة الصهيونية، جو بايدن، نفسه من دعاية الإعلام الغربي عندما راح يصدق مزاعم وأكاذيب الإعلام الغربي التي روجت بأن عناصر من المقاومة الفلسطينية راحوا يقتلون أطفالا إسرائيليين ويقطعون رؤوسهم، قبل أن تتراجع الإدارة الأمريكية عن ذلك وتفند هذه المزاعم. كما راحت وسائل إعلام أمريكية وغربية أخرى تتحدث عن مزاعم باغتصاب المقاومين لنساء إسرائيليات وعن فظائع أخرى هي في الحقيقة ترتكب يوميا من طرف العدو الصهيوني. وهكذا راح الإعلام الغربي الذي فضل ألا يرى إلا بعين واحدة وفي اتجاه واحد يختلق الأكاذيب و ينشر التضليل و قد صب جام غضبه على الفلسطينيين والعرب عموما، ووصل الأمر ببعضهم إلى حد تقسيم البشرية بين متحضرين وبرابرة متوحشين. فمنذ بدء العدوان الصهيوني على غزة والإعلام الغربي لا يراعي أبسط قواعد المهنية في ممارسة العمل الإعلامي وانخرط بكل قوة في المعركة ضد الفلسطينيين والعرب منحازا بشكل لم يسبق له مثيل ليسقط بذلك سقوطا مهنيا وأخلاقيا لم يعرفه منذ ظهور وسائل الإعلام. إلياس -ب