الشريط المرسوم مشوار طويل في التعبير عن الذات والهوية كشفت فعاليات المهرجان الدولي للشريط المرسوم، الذي اختتم منذ أيام بالعاصمة، عن اهتمام جماهيري كبير، بما يعكس الشعبية التي لا يزال يحظى بها الشريط المرسوم في الجزائر وسط جمهور يتحدث لغتين، وبين مختصين يرون بأن القصة المصورة يجب أن تطبع أكثر وأن تخرج شخصياتها إلى الشاشة، على أن تحمل هذه الشخصيات هموم المجتمع، و أن تترجم الشخصية الجزائرية بحمولاتها الثقافية والفكرية، و تنقل إلى الورق تفاصيل البيئة، وأن يلاحق الرسامون المواضيع الجديدة التي تشغل بال المجتمع. إيناس كبير و الأكيد أن الرسوم التعبيرية حسب ناشطين في المجال، قد سارت جنبا إلى جنب مع الوجود الإنساني على أديم الأرض، وأخذت نصيبها من تأثير التطوّر على الحضارات، أين استعان بها البشر للتواصل مع البيئة التي يعيشون فيها، ووصف حياتهم، والتعبير عن مشاعرهم، وتخليد حروبهم وبطولاتهم. وقد بقيت دورة حياتها مستمرة، تتنوع تبعا لكل بيئة ثقافية واجتماعية نشأت في خضمها، كما تحصلت على عدة تسميات، لاسيما الأدب المرسوم أو السرد المرسوم، وأبدع الرسامون في استغلال قدرة رموزها على التماهي بين الأفكار والكلمات في طرح مسائل عويصة في حياة الفرد والمجتمع باستعمال الأسلوب الهزلي، من خلال شخصيات كارتونية تتحدث عن طريق الفقاعات. سرديات تؤرخ للبشرية عبر الأزمان يقول الكاتب والمتخصص في تاريخ الشريط المرسوم الجزائري، لزهاري لبتر، بأن بعض المؤخرين حاولوا العثور على مصادر الأشرطة المرسومة عن طريق البنية غير المباشرة من أصول تعود إلى العصور البعيدة لتاريخ المغامرة الفنية الإنسانية، التي مهدت لظهور الأشرطة المرسومة في هيئتها الحالية، فيما يرى المؤرخ «جيرار بلانشار»، في كتابه بانوراما الشريط المرسوم، بأن الإحاطة بتاريخ الفن التاسع يجب أن لا تقصي مرحلة زمنية عن أخرى، وقد وصفها بالرحلة الحقيقية التي تعود بالزمن إلى عصر الكهوف بحثا عن مرجعية هذا الفن التعبيري وصولا إلى الوقت الحالي. أما في العصر الحديث، فذكر لبتر، بأن الأدب المرسوم بدأ يؤسس لنفسه سنة 1897 في أمريكا، عبر صفحات يومية «نيويورك جورنال» عندما نشرت شخصية «الطفل الأصفر»، أول مرة للرسام «وليام راندولف هيرست» حسب ما تم التأريخ له، كما عرج صاحب كتاب «بانوراما الشريط المرسوم الجزائري» للحديث عن تاريخ الشريط المرسوم في الجزائر، وأشار إلى أنه بدأ في مرحلة متقدمة جدا مباشرة بعد الاستقلال وقد كانت مجلة «آمقيدش» التي نشرتها الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سابقا سنة 1969، أول مشروع جزائري مختص في فن الأدب المرسوم وقد انفتحت شهية الفنانين لتقديم شخصيات كثيرة عبر صفحاتها، أشهرها «مقيدش» للرسام الكبير أحمد هارون، و«ريشة» للرسام «منصور عموري»، و «بوزيد وزينة» للرسام «سْليم». وما تزال ريشة رسامي القصة المصورة تتطرق إلى كل المواضيع باختلاف أنواعها حسب لبتر، فنجد الرسام يرمي بشخصياته وسط مغامرات تسجل فيها بطولات وتتغلب على الشر، ويوظف قواه الإبداعية في الخيال العلمي، وتستفز ألغازه البوليسية مخيلة القارئ فتلبسه قبعة المحقق ليبدأ استكشافها عبر صوره وكلماته، فضلا عن تناوله للقصص الرومانسية والفكاهة. وأضاف لبتر، بأن تنوع أوجهه جعل منه منصة لجذب جمهور واسع من الأطفال إلى البالغين، معتمدا على اللغة المرئية والمكتوبة في السرد القصصي، الذي يتم تقديمه في تسلسلات من الصور، تسمى مربعات منظمة في لوحات، يمثل كل مربع لحظة معينة في القصة ويمكن أن يحتوي على شخصيات وديكورات ونص، ويتخذ الشريط المرسوم لنفسه أدوارا مختلفة في التعبير عن مختلف القضايا كغيره من الفنون، وفقا لما أفاد به الكاتب، فيأتي ترفيهيا أو تعليميا، إلى جانب تقديمه لإسهامات في الجانب البيداغوجي فيحمل على كاهله مهمة التربية والتعليم. حلبة فنية أدبية تتصارع فيها بلاغة الصورة مع الكلمة ويتزاوج الشريط المرسوم، بحسب ما تطرقت إليه الرسامة والمنتجة سلمى مناعي، مع كل الفنون الأدبية كالشعر والرواية، فضلا عن السرد القصصي، لهذا فمن السهل أن يترجم الرسام الأحداث التي يتخيلها الكاتب في رواياته إلى لغة بصرية تتغلب فيها الصورة على النص، وأضافت بأن هذه التقنية تسهل مرحلة الإنتاج على الرسام فيمكنه بذلك أن يستلهم من أعمال سابقة أو ينتج أخرى أصلية. كما يندمج مع ميادين أخرى كالصحافة والسيناريو، وأضافت في هذا الصدد، بأن الإشهار السمعي البصري في أصله شريط مرسوم قبل أن يصل إلى مرحلة الإخراج التلفزي، وهو ما ذهبت إليه الرسامة ريم مختاري، منوهة إلى أن الإنتاجات السينمائية أيضا لاسيما الوثائقيات والأفلام، تعتمد في بدايتها على الرسم لسرد المشاهد واللقطات. ثنائية الدال والمدلول وعن بنيته التعبيرية، أفادت المنتجة والرسامة سلمى مناعي بأنه يركز على الرسالة البصرية، أكثر من اللفظية فيستخدم كلمات جد مختصرة لإيصال أفكاره، إلى جانب أسلوب الرسم الذي يتميز به كل رسام، وخصوصية التعبير عن طريق الشخصيات، والخطوط المستعملة فضلا عن رمزية الألوان وكيفية توظيفها، من جهة أخرى قالت مناعي، بأن الشريط المرسوم يستعين بثنائية الدال والمدلول، فهو يولي قيمة كبيرة للرموز خصوصا المستوحاة من البيئة التي يعيش فيها الرسام أو التي يقتبسها من الثقافات الأخرى للتأثير على القارئ، وتشكيل الرسالة بطريقة تساعده على إخفاء أفكاره فيها. وأوضحت، بأن القصة المصورة يمكن أن تتخلى عن التعبير اللفظي في إيصال المعنى الحقيقي، ويحمل عنها الرسم الصامت هذه المهمة، فيتقمص القارئ دور الشخصية الرئيسية في القصة ويرى نفسه داخل تفاصيل أحداثها، فيستعمل خياله لاستقراء الصورة حسب السياقات التي اختارها الرسام لها. وقد وصفت مناعي الشريط المرسوم بأنه ابن بيئته، يتطور مع تطور وسائلها الاتصالية وتفكير أفرادها، لذا فقد قدمت تكنولوجيا الإعلام والاتصال مخرجات جديدة على غرار «الميمز» وهي صور ساخرة يصحبها تعليق يصف الموضوع أو الموقف، والأيقونات التعبيرية المستخدمة في المحادثات الإلكترونية. وحسب الرسامة، فإن القصة المصورة استفادت أيضا من تطور الطباعة، في البعد الجمالي والاقتصادي، فزادت الخيارات أمام الرسام للألوان التي يريد التعبير من خلالها، بعد أن سيطر عليها اللون الأبيض والأسود في بدايتها، كما قفزت فوق الصعوبات التي تتولد عن مرحلة النشر، إذ وفر «الويب» عدة مواقع وتطبيقات يمكن للفنان الاستعانة بها لمساعدته في الوصول إلى القارئ، لاسيما التعريف بهذه الثقافة، وتوفير مراجع للتغذية البصرية للمواهب والمبتدئين. كما أن هذا الفن جاء متخلصا من أية قاعدة تكبح حريته، وشرحت الرسامة ريم مختاري، ذلك بأنه خاضع لاختيارات الفنان وحده، والتي تعبر عن أفكاره وشخصيته، فضلا عن الأساليب التي يختارها في عملية التأثير، فأحيانا يختار ألوانا زاهية للقصص السعيدة، وتارة يكتفي بالأبيض والأسود ليعبر عن المآسي والأحزان، فضلا عن اتباعه لمختلف الحركات الفنية. ويختلف الشريط المرسوم عن فن الكاريكاتير في هذه الجزئية وفقا لما أشارت إليه مختاري، فهذا الأخير تسيطر عليه السخرية والأسلوب الهزلي، بينما يعبر الأول عن القصة التي يعالجها باختلاف نوعها، وأحيانا يقتبس منه في تكوين الشخصيات، وأرجعت الرسامة الخلط بينهما إلى بداياتهما عندما تعوَّد القراء على وجودهما على صفحات الجرائد إلى جانب الرسومات التي تعوض الصورة في المواضيع الصحفية. الشريط المرسوم فن إبداعي لا مقلد وفي حديثهما عن توجه الشباب الجزائري نحو الشريط المرسوم، قالت الرسامتان بأن هناك شبابا كثرا يعتمدون اليوم على المدارس العالمية في التغذية البصرية وخصوصا «المانغا» الياباني فضلا عن ثقافات الشعوب الأخرى، وهو ما لوحظ خلال المهرجان الدولي للشريط المصور «فيبدا» الذي أُقيم مؤخرا في العاصمة، ، لكنهم يغفلون حسبهما، عن أن الفن التاسع ينقل حكايات الناس ويعبر عن الهوية والثقافة التي جاء منها، لذا فعلى الفنان أن يتخلى عن المحاكاة عند إتقانه لهذا الفن ويتوجه نحو ابتكار أسلوب تعبيري خاص به، يتطرق من خلاله إلى الأوضاع التي يعيشها ويسرد قصصا عن الناس الذين تجمعه بهم بيئة واحدة، فمن غير المعقول أن يطالع القارئ قصصا لا يجد ما يربطه بها. لو تخرج شخصيات السلاسل الجزائرية إلى الشاشة وأضافتا، بأن الساحة الثقافية الخاصة بالشريط المرسوم في حاجة إلى ثورة على التوجهات الفنية، ولا ينج ذلك إلا من خلال التحول نحو النشر الورقي، فضلا عن اعتماد الشريط المرسوم في الأنشطة المدرسية، واعتماد الإنتاج السمعي البصري في إخراج بعض شخصيات السلاسل المصورة الجزائرية إلى الشاشة من خلال الرسوم المتحركة. كما نصحتا الرسامين الشباب بتنويع قراءاتهم، لأن الأدب المصور عالم كبير، و لا يمكن حسبهما، حصره في نوع واحد أو مدرسة تعبيرية، فضلا عن إثراء أساليب التعبير من خلال اكتساب معارف في تاريخ الفن والهندسة والسينما، وهي الوسيلة التي تساعد في توسيع الخيال. * الكاريكاتيري مقداد عميروش التاريخ الجزائري مصدر مهم لاستلهام القصص المصورة استحوذت قصص الأبطال الخارقين على جزء كبير من طفولة الرسام الكاريكاتيري مقداد عميروش، وقد وجد في التاريخ الجزائري خزانا للأبطال الخارقين الحقيقيين، من مجاهدين وشخصيات ثورية، و وفر له مساحة لتطوير مهاراته في هذا الجانب والبحث عن قصص أصلية مستوحاة من الواقع، ما مكنه من الظفر بالمرتبة الثانية في المهرجان الدولي للشريط المرسوم، عن قصته المصورة التي تناولت شخصية أحمد باي التاريخية. يقول الرسام الكاريكاتيري عميروش مقداد، بأنه كان يستمتع برسم شخصيات مستوحاة من «المانغا» اليابانية، وأفلام الكرتون العالمية، إلى جانب تخيل أصدقائه في الثانوية كأفراد يملكون قوى خارقة فيعيد تجسيدهم في قصص قصيرة مصورة، فمنذ صغره توجه نحو الرسم وبدل جهدا لإتقان هذه الهواية، وقد وفر له الشريط المرسوم أرضية لإطلاق العنان لخياله، وعلى عكس أقرانه لم يكتف بالمشاهدة فقط بل لطالما استحوذت عليه فكرة صناعة قصته الخاصة، وبحسب ما قاله عميروش للنصر، فقد اختار لها أن تكون حول بلده الجزائر، وانطلق من تساؤل «ماذا لول لم تحتل فرنساالجزائر»، فرآها أكثر تطورا، ورائدة في مختلف المجالات. و وجه اهتمامه نحو ثراء التاريخ الجزائري بأسماء لأبطال حقيقيين، يرى الرسام العصامي، بأن قصصهم الخارقة والحقيقية في الدفاع عن الوطن والتضحية من أجل الحرية، يجب أن تُروى ويصل صداها إلى كل العالم فقرر أن يتخصص في الشريط المرسوم التاريخي، وعبر في هذا السياق «يجب على القصص المصورة الجزائرية أن تضع بصمتها سواء في نوعية الرسم، أو الاعتماد على الثقافة الجزائرية من ناحية اللباس التقليدي، فضلا عن المغامرات التي تكون بلمسة جزائرية خالصة، فلا نكون مجرد مستهلكين للثقافة الغربية والمانغا اليابانية». ويعتبر الكاريكاتيري الذي يملك في جعبته حوالي 20 قصة مصورة، قصة شخصية أحمد باي التاريخية، من بين أهم الإنجازات التي قدمها في ميدان الشريط المرسوم، كما يطمح إلى رفع التحدي إلى مستوى أعلى، وإخراج فيلم آنيمي بلمسة جزائرية، إلى جانب العمل على مشاريع خاصة في الشريط المرسوم، تتناول قصصا مستوحاة من الواقع الجزائري، وهي مغامرات تتناول شخصيات مثل بوعمامة، ولمقراني، والشيخ الحداد فضلا عن الأمير عبد القادر، و يأمل في أن يجد فرصة لطبعها ونشرها. أما فيما يخص توجه الشباب الجزائري نحو الشريط المرسوم، فأوضح « بأن هناك ولعا بالمانغا اليابانية والكوميكس الأمريكي، فيما يجب عليهم الاهتمام أكثر بالثقافة الجزائرية لأن الشباب هو الوقود الذي يحرك عجلة الثقافة، والمساهمة في نشر التراث وهو ما يعود بالفائدة علينا ماديا وثقافيا»، وأضاف، بأن توفير الإمكانيات التي تساعدهم في نشر وطباعة أعمالهم، سيكون مكسبا مهما خصوصا في الجانب الاقتصادي، وقد اعتبر عميروش الفعاليات والمهرجانات الدولية المختصة في القصة المصورة فرصة لإظهار القدرات الفنية التي يتمتع بها الفنانون الجزائريون، وجمع المواهب لتبادل التجارب لتطوير مهاراتهم.