وضعت المظاهرات الحاشدة التي عمت مختلف العواصم والمدن الكبرى، الإعلام الغربي المنحاز للكيان الصهيوني والحكومات الغربية في حرج غير مسبوق، كما كشفت وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعلات أطياف وفئات واسعة في المجتمع الغربي، زيف القيم وازدواجية المعايير الغربية و السقوط المدوي لهذه الدول و لوسائل الإعلام الكبرى في الغرب. مع استمرار العدوان الهمجي الصهيوني على قطاع غزة على مدى أكثر من شهر، تواصلت الفعاليات والمظاهرات الضخمة التي خرجت في العديد من مدن العالم، مناصرة لغزة وتنديدا بالمجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني والمطالبة بوقف هذا العدوان . وكشفت هذه المظاهرات التي اجتاحت العالم واستقطبت العديد من الهيئات والفعاليات والشرائح والفئات المختلفة في الغرب، عن اتساع في الهوة بين الشعوب والضمائر الحية والأحرار في العالم وبين الحكومات والساسة و صناع القرار في هذه الدول والتي قضت من خلال سياستها الداعمة للكيان على آخر ادعاءاتها المعهودة حول القيم والمبادئ الإنسانية والحرية وحقوق الإنسان وهي الشعارات التي وصلت إلى هذه النهاية المحتومة، بعد انحطاط وزيف الرواية الغربية الداعمة للمحتل المجرم. و اتضحت هذه السقطة الحضارية الغربية منذ الوهلة الأولى لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي ، حيث سارعت الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى نجدة ودعم الكيان المتغطرس والذي ظهر مشلولا في بضع لحظات أمام مجموعة من المقاومين البواسل. وفي تحرك لقي استنكار الأحرار في العالم، رمى الغرب بكل ثقله السياسي والدبلوماسي والعسكري من أجل استعادة الكيان لزمام المبادرة والخروج من الصفعة والصدمة التي عاشها ومن ثمة تفادي انهياره، خصوصا بعد التخبط والشك الذي انتابه بفعل العملية البطولية التي نفذتها المقاومة. والواقع أن هذا السلوك الغربي، كان له ارتدادات وتفاعلات لا مثيل لها في الداخل على مستوى هذه الدول و قد عبرت المظاهرات الحاشدة، بشكل واضح وكشفت إفلاس المنظومة الغربية و التي دخلت بشكل واضح إلى جانب المحتل في حرب عقائدية ودينية ضد الشعب الفلسطيني والأبرياء في قطاع غزة المحاصر . ورغم محاولات وسائل الإعلام الغربية المؤيدة للغطرسة الصهيونية، تضليل الرأي العام العالمي من خلال نقل أخبار وروايات مغلوطة حول ما يجري في الواقع على أرض غزة، لم تصمد هذه الأكاذيب التي يغذيها الكيان بدوره، أمام صدقية ونصاعة الصورة التي تناقلتها بعض وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات والفضائيات والفيديوهات التي انتشرت في العالم، مبرزة حجم الدمار والمأساة الإنسانية وحرب الإبادة والتهجير القسري ضد السكان في غزة، فضلا عن التحقيقات الصحفية والأدوات و مواقع التأكد من الأخبار والتي كشفت ادعاءات بعض وسائل الإعلام وزيف الصورة التي حاول البعض الترويج لها بخصوص ما يقوم به الاحتلال والذي واصل سياسة الأرض المحروقة وحرب الإبادة و قصف المنازل والمستشفيات والمدارس واستهداف سيارات الإسعاف والنازحين والصحفيين، حيث استشهد 48 صحفيا منذ بداية العدوان. بالمقابل خرجت العديد من الأصوات المنددة عبر العالم لكشف الأكذوبة الغربية والتي تتهاوى مع مرور الأيام، سيما بعد فشل المؤسسات والمنظمات الدولية في القيام بدورها في مثل هذه الحالات و على رأسها الأممالمتحدة ومجلس الأمن بالنظر إلى الفيتو الأمريكي وذلك ما اعتبره الكيان ضوء أخضر، يضاف إلى الحشد والدعم العسكري الرامي إلى تحقيق الخطط الدنيئة للصهيونية في المنطقة. ورغم التضييق على المتظاهرين في الدول الغربية التي تتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان والحرية ومحاولاتها منع التظاهرات المؤيدة للحق الفلسطيني، فقد فشلت إلى حد بعيد وخسرت المعركة في الداخل، بعدما تفطنت الجماهير في الغرب إلى خطورة الوضع وبالتالي انحازت إلى المنطق والحق في حين اهتزت صورة الحكومات وتضررت إلى حد لا يمكن ترميم هذا الصدع الذي أحدثه طوفان المقاومة. و قد أصبح المسار والرصيد السياسي لبعض القادة في الغرب ومنهم من هو مقبل على الانتخابات وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن على المحك بعد نفور الشعوب من السياسات العدوانية والمتعجرفة لمسؤولين انخرطوا في دعم العدوان الصهيوني، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتدادات وانعكاسات غير متوقعة. ونشير إلى المظاهرة الحاشدة والتي شارك فيها الآلاف بالعاصمة الأميركية واشنطن مؤخرا للمطالبة بوقف الحرب على غزة، حيث استنكروا السياسات الداعمة للكيان الصهيوني وبدور الرئيس جو بايدن، وقد سار المتظاهرون في شوارع واشنطن ولوحوا بالأعلام الفلسطينية، كما رددوا هتافات من بينها «بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الإبادة». وقالت أماندا أيزنهاور (24 عاما) التي قدمت إلى العاصمة من فرجينيا، إن «السماح بإزهاق هذا العدد الكبير من الأرواح البريئة أمر مرفوض، ولا نستطيع اعتبار ذلك نزاعا متكافئا». وأضافت «إنها وصمة تصيب تاريخنا ولا يمكنني القبول كمواطنة أن تمول الضرائب التي أدفعها هذا الأمر». من جهتهم، كان مشاركون في مسيرة بلندن للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني قد طالبوا بوقف إطلاق النار، واتهموا حكومة بلادهم بالتواطؤ في جرائم الحرب التي يقوم بها الكيان الصهيوني . وهو نفس المشهد الذي عم في العديد من العواصم والمدن الغربية في الأيام الأخيرة ومنها العاصمة الفرنسية باريس . وأمام تزايد هذا الغضب الشعبي، فقد سارعت بعض الدول إلى مراجعة حساباتها والتعديل من مواقفها السابقة المؤيد للكيان بشكل غير محدود وهذا بعد الجنون الذي أصاب الاحتلال و اقترافه مجازر كبرى في غزة، لذلك بدأت النبرة تتغير على وقع صمود الغزاويين و تمكسهم بالبقاء على أرضهم ورفض كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية.