حديقة الأمير عبد القادر .. متنفس السطايفية للهرب من صخب المدينة تعرف حديقة الأمير عبد القادر بوسط مدينة سطيف إقبالا كبيرا من طرف السطايفية بمختلف فئاتهم هربا من صخب الشوارع و ازدحامها و بحثا عن الهدوء ، فرغم توفر عاصمة الهضاب على حظيرة واسعة للتسلية المعروفة " بسييتيفيس لاند" و التي تحتوي على كل المرافق الضرورية إلا أن زوارها يقتصرون على الوافدين من المناطق و الولايات المجاورة و المغتربين صيفا لأنها تشهد عزوفا شبه تام من أبناء المدينة بالنظر إلى المظاهر السلبية الكثيرة الموجودة بها على غرار نقص الأمن و التصرفات اللاأخلاقية و المخلة بالحياء أحيانا و هو ما جعل من حديقة الأمير عبد القادر (أورليون سابقا)المتنفس الوحيد لأبناء سطيف. تعود نشأة هذه الحديقة الخلابة إلى العهد الاستعماري، حينما كانت السلطات الفرنسية سنة 1883 بصدد تهيئة المكان لبناء مستشفى حيث تم العثور على آثار رومانية قيمة تم نقلها بمحاذاة مكان البناء للحفاظ عليها ، ليقوموا بعدها بغرس بعض الأشجار من حولها،و شيئا فشيئا تحول الموقع إلى حديقة عرفت باسم حديقة "أورليون " في سنوات الأربعينيات،لتأخذ في التطور تدريجيا ، و هي الآن تحتل مساحة ثلاثة هكتارات و تضم ما يفوق ثمانين نوعا نباتيا من بينها فصائل نادرة لا توجد في مكان آخر بسطيف. فضاء للمسنين والتلاميذ بحثا عن الهدوء و أنت تتجول بين جنباتها ،يشد انتباهك العدد الكبير من المسنين الذين يفضلون هذا المكان الجميل للراحة أو تصفح الجرائد،كما أن هناك من يتخذ لنفسه زاوية هادئة تحت ظل شجرة لأخذ قسط من النوم بعيدا عن ضوضاء الشارع و روتين المنزل،فيما يفضل عدد كبير منهم تبادل أطراف الحديث و استرجاع ذكريات الماضي أو التحسر على أيام الصبا التي كانوا يقضون خلالها جل أوقاتهم في التجوال عبر الجبال و الغابات ،ليكتفوا اليوم بهذا الركن الصغير وسط هذه الحديقة. كما تعرف الحديقة إقبالا كبيرا من طرف تلاميذ الأقسام النهائية خاصة المترشحين لشهادة الباكالوريا الذين يتخذون منها في آخر الموسم الدراسي فضاء مفتوحا للمراجعة الجماعية بالنظر إلى توفر عامل الهدوء الذي كثيرا ما ينعدم حتى في البيت ،إضافة إلى جمال المكان الذي يمنح الراحة النفسية و الاسترخاء مما يساعد على التركيز و القدرة على استيعاب ما يراجعونه من معلومات،و كذا التخلص من ضغط الدراسة و الامتحانات. أورليون ...ملاذ السطايفيات لتجنب المضايقات في ظل افتقار مدينة سطيف إلى المرافق الترفيهية و الثقافية كالمكتبات و قاعات المطالعة و انعدام قاعات الشاي الخاصة بالجنس اللطيف ،تلجأ الكثير من السطايفيات إلى حديقة الأمير عبد القادر لقضاء بعض الوقت مع الصديقات أو حتى قراءة صحيفة أو كتاب،بينما تفضل الموظفات و الطالبات تناول الغداء جماعيا وسط هذه المساحة الجميلة بعيدا عن زحمة المطاعم و محلات الأكل الخفيف في مثل هذا الوقت ،و ما شجع الفتيات على المجيء إلى هذه الحديقة دون غيرها هو توفر الأمن بداخلها ،حيث يقوم أعوان أمن البلدية بتمشيط أرجائها ذهابا و إيابا سهرا على راحة زوارها و تأهبا للتدخل في حال تعرض أي منهم للمضايقة خاصة النساء ،حيث يتميز هذا المكان بالاحترام و منع دخول المنحرفين ،كما يتم إخراج أي شخص يقدم على تصرف غير لائق و هو ما لا يتوفر في أماكن أخرى بهذه المدينة التي تتعرض فيها حواء أينما حلت لمضايقات تحرمها متعة التنزه. وخلال فصل الصيف تعج "أورليون" مساء بالعائلات التي تتوافد عليها للاستجمام و الفسحة بعد يوم حار مصحوبة بالأطفال الذين يطلقون العنان لحيويتهم و ألعابهم و هم يركضون بين أشجارها . رغم كل الإجراءات المتخذة من قبل القائمين على حديقة الأمير عبد القادر لتوفير كامل شروط الراحة للوافدين إليها،و رغم عشرات اللافتات المعلقة في كل مكان للحث على الالتزام بقواعد الحفاظ على هذه الجنة الفاتنة إلا أن هناك من لا يحترم آداب الزيارة،حيث يقوم الكثيرون برمي بقايا الأكل و الأكياس و القارورات البلاستيكية و غيرها من الفضلات على الأرض و داخل المساحات الخضراء بالرغم من توفر حاويات القمامة متسببين في تشويه هذا الجمال النادر،بالإضافة إلى إقدام البعض الآخر و خاصة الأطفال على قطف الأزهار و اقتلاع النباتات غير آبهين بالأذى الكبير الذي يلحقونه بها في ظل نقص الوعي و انعدام ثقافة الحفاظ على الطبيعة و حماية المحيط ،زيادة على تلفظ بعض الشباب بألفاظ نابية كثيرا ما تحرج زوار الحديقة خاصة العائلات على الرغم من حرص أعوان الأمن على نهرهم وحتى إخراجهم ،و في أحيان أخرى حتى بعض الأعوان يتصرفون بأسلوب غير لائق مع زوار الحديقة خاصة الفتيات مع أنها مظاهر معزولة و نادرة الحدوث . مصالح البلدية تسعى لجعلها حديقة بيداغوجية أكد رئيس مكتب المساحات الخضراء ببلدية سطيف أن مصالحه تسعى لتحسين الخدمة و تطوير الحديقة نحو الأفضل ؛ حيث يتم التفكير في جعلها حديقة بيداغوجية من خلال وضع ملصقات على الأشجار و النباتات للتعريف بها و بأنواعها و كذا وضع لافتات تدل على الآثار المتواجدة بها قصد تمكين الزائر من أخذ فكرة عن قيمة ما تحتويه و من ثمة الحفاظ عليها،إضافة إلى إنشاء مشتلة صغيرة للشجيرات و وحدة لإنتاج الأسمدة العضوية من بقايا النباتات مما سيجعل منها متحفا في الهواء الطلق و ليس مجرد مكان للتنزه. "أورليون" تشكل نموذجا إيجابيا لترقية المساحات الخضراء و زرع الثقافة البيئية عبر مدننا التي تفتقر كثيرا إلى مثل هذه الأماكن الجميلة و المفيدة ،و حافزا للقائمين على هذا المجال من أجل تدارك الوضع و العمل على تغيير هذا الواقع الذي جعلنا اليوم نعيش في مجمعات إسمنتية ضخمة تخلو من روح الجمال ولمسة الطبيعة.