السوق الأسبوعي بالخروب يقاوم رياح التغيير لا يزال السوق الأسبوعي ببلدية الخروب بقسنطينة يحافظ على مكانته كواحد من الأسواق التي تشهد إقبالا لا بأس به من قبل المواطنين والتجار على حدّ سواء، يقاوم تغيّر الأزمنة وتطوّر الفضاءات التجارية وظهور المراكز والمساحات الكبرى ، بالإضافة إلى التوسع العمراني للبلدية الذي حوّلها من منطقة كانت تُعرف بطابعها الفلاحي إلى منطقة حضرية كبرى. ويعد هذا السوق من العلامات المقاومة للتحوّل الذي يفرضه الاقتصاد المعولم الذي «ابتلع» الخصوصيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للشعوب والأمم، يُتيح للوافدين عليه من مختلف الشرائح لا سيما المتوسطة والهشة، كل ما لا يجدونه خارج أسواره غير المحصّنة التي بإمكانهم دخولها من أكثر من باب، إنّه، بالمختصر، صورة للنشاط الاقتصادي في طابعه الأول، البدائي، الذي اهتدى إليه سكان المنطقة في تدبير شؤونهم وتصريف حياتهم منذ بدايات «الاجتماع» على هذه الأرض التي عرفت وقائع تاريخيّة كبرى. السوق الأسبوعي ببلدية الخروب الذي يقع في وسط الحي الشعبي 20 أوت 1955 والمعروف بال«كومينال» أصبح يتوسط منطقة عمرانية بعد التوسع والنمو المتسارع الذي عرفته الخروب، ويبدو للزائر أن الزمن داخل السوق قد تجمّد بدليل أنه حافظ على طابعه البدائي، يحيط به سور ويمكن الولوج إليه عبر عدّة مداخل، ويقصده التجار والزوار يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، ويتميّز بتجارة المواشي إذ ينقسم إلى جزئين، بالإضافة إلى أنشطة أخرى مختلفة على غرار بيع الخضر والفواكه واللحوم، الألبسة المستعملة والجديدة، الحشائش والأعشاب مواد التنظيف، ويكثر فيه حتى ما يطلق عليهم تسمية «البزانسية» الذين يفترشون الأرضية لعرض ما لديهم من سلع أحيانا تكون قطعا تعدّ على أصابع اليد. ويمكنك أن تجد في هذا السوق ما لا يخطر على بال، من أرانب وديوك معروضة للبيع إلى قطع غيار وأجهزة ومعاطف أوروبية قد تكون خرجت من دوائر الموضة لكنّها لم تخرج من دائرة التداول. يقاوم التغيرات رغم بساطته ويعتبر السوق الأسبوعي قديما قدم حي «الكومينال»، إذ يرجع البعض من السكان نشأته إلى سنوات الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي، ويحافظ على رمزيته كواحد من أقدم الأسواق الأسبوعية التي لا تزال موجودة إلى اليوم، رغم بقائه على هيئته التي عُرف بها بحسب بعض التجار والسكان، إذ لم يخضع لعمليات تهيئة تواكب التطورات، حيث لا حظنا خلال جولتنا داخله أن أرضيته ترابية تتخللها العديد من الحفر والحجارة. وبحسب بعض التجار والمواطنين فإنّ السوق ظلّ على حاله، ولم يتغيّر إلا بشكل طفيف رغم مرور عقود من الزمن، حيث تمّ في وقت سابق إنجاز طريق إسمنتية تصل بابين من أبوابه لكن تدهور حالها مع مرور الوقت، كما تمّ تفريش الحصى على جزء من أرضيته بغية تحضيرها لإدخال نشاط بيع السيارات إلى السوق لكنّ العملية لم تتم، وتم تعبيد جزء من أرضيته لكنّها لم تستكمل الأشغال، كما يلاحظ على بعض المساحات الخاصة بأماكن التجار أنها معبّدة. كما تمّ فصل السوق إلى جزئين بسياج على شكل أعمدة حديدية لتستقل الجهة الخاصة ببيع المواشي عن بقيّة الأنشطة، كما تمّ وضع عدد من الأعمدة الكهربائية للإنارة خلال السنوات التي كان تجار «الجملة» يقصدونه للعمل، لكنها لم تكن كافية حسب عدد منهم، ما أدى بمعظمهم إلى الاستعانة بالبطاريات، ويزيد عن ذلك انتشار الأوساخ والفضلات. ويقاوم السوق كذلك التغيّرات التي شهدتها بلدية الخروب، من توسّع للنمط العمراني ما نتج عنه انتقال المئات من المواطنين إلى أقطاب سكنية أخرى، بالإضافة إلى استحداث طرق ومعابر تربطها بمناطق عمرانية مختلفة، قرّبت المسافات وسهُلت بفضلها عملية التنقّل والوصول إليها، لعلّ أبرزها المدينة الجديدة علي منجلي التي تضم عشرات المحلات العصرية وعددا من المراكز التجارية الكبرى، إذ أصبحت مركزا للتجارة بالولاية، زيادة على بروز المراكز التجارية الكبرى والمحلات الراقية التي تتماشى مع تطوّر العصر وتوفّر مختلف السلع من ماركات تجارية عديدة، فضلا عن ظهور أسواق أسبوعية في ولايات مجاورة اكتسبت شهرة خلال السنوات الأخيرة. تجّار ينشطون به منذ سنة 1984 يعدّ السوق الأسبوعي بالخروب ملتقى للتجار المتنقّلين والذين ينشطون على مستوى الأسواق الأسبوعية الشعبية، حيث التقينا بأحد السكان المحليين الذي ذكر لنا أنّه يزاول نشاط التجارة في مجال بيع الملابس الرجالية الجاهزة منذ سنة 1984، وهو دائم الحضور أسبوعيا منذ ذلك الوقت عليه، وأشار إلى أنّ سوق الخروب كان مقصد التجار من ولايات بعيدة حتى من غرب الوطن بالضبط من مستغانم ووهران، أما الآن فقد أصبح يقتصر الأمر في الغالب على من يقطنون بقسنطينة، فيما أوضح تاجر آخر أنّ مسايرة التطور التجاري الحاصل، من خلال الذهاب إلى المراكز التجارية وافتتاح محلات بها ليس في متناول الجميع، بسبب تكاليف الإيجار الباهظة، والتي تفرض حسبه حضورا دائما للتاجر بالمحل لتعويض ذلك، على عكس الأسواق التي تعدّ تكاليف «المكس» كما يطلق عليها ضئيلة بالمقارنة بها بالإضافة إلى حرّية الحضور أو الغياب. وتوقفنا عند تاجر يبيع «القشابية» أكّد لنا أنّه يعرف السوق منذ سنوات الخمسينيات، حيث أوضح أنّ المكان كان لفترة طويلة يقتصر نشاطه على يوم الجمعة، ثم توسّع ليشمل يوم الخميس أيضا لمدة عامين، بعدها أصبح ينشط لمدة ثلاثة أيام الأربعاء والخميس والجمعة عندما ضمّ نشاط بيع سلع «الجملة» أواخر التسعينيات، حيث يلتحق التجار ويزاولون نشاطهم من الساعة الثانية بعد الزوال إلى غاية العاشرة أو الحادية عشرة ليلا، فيما يبقى البيع بالتجزئة مستمرا، ثم بعد توقف تجار «الجملة»، حسب المتحدّث بسبب ظهور أصحاب المواقف غير الشرعية الذين يحصلون على إتاوات تعسفا، لتعود التجارة به يومي الخميس والجمعة، مشيرا أيضا إلى أنّ نشاطه لم يتوقّف حتى في زمن الثورة والكثير من الأسواق التي تغيّر توقيتها ما عداه هو الذي ظلّ معروفا بالنشاط يوم الجمعة. لاحظنا خلال تجولنا بالسوق يوم الجمعة زيادة معتبرة في عدد التجار الذين نصبوا خيمهم ومركباتهم منذ الصباح الباكر وكذا المواطنين، بالمقارنة مع يوم الخميس، كما وقفنا على إقبال كبير على الزاوية التي ينشط فيها تجار بيع الألبسة المستعملة الأصلية، حيث تقرّبنا من أحد التجار الذي أكّد أنّ الإقبال يرجع إلى انخفاض السعر، وهو ما يبحث عنه المواطنون، بالإضافة إلى جودة الألبسة وأصليتها، إذ بالإمكان الحصول على معطف بسعر 2000 دينار عند إحضار سلعة جديدة، في حين سيجدها تباع بالملايين في المحلات الراقية. وأضاف أنّ الإقبال قل في الآونة الأخيرة، بسبب غلق سوق الماشية على مستوى السوق، كإجراء وقائي من الحمى القلاعية اتّخذته السلطات، مشيرا إلى أنّه من المتعارف عليه في الأسواق كلّما امتلأ المكان زاد الإقبال والبيع بغض النّظر عن اختلاف الأنشطة. وذكر لنا محمد من عين البيضاء، الذي ينشط كتاجر متنقل عبر الأسواق منذ حوالي 30 سنة، أنّ البحث عن القوت هو ما يجعل حضوره مستمرا، لافتا أنّ المواطنين لا يزالون أوفياء للسوق، رغم تأثير غلق جهة بيع المواشي الذي أدى إلى تناقص الزوار، وأوضح المتحدّث أنّ اللاجئين إلى الأسواق الأسبوعية يستهدفون الأسعار المنخفضة التي تناسب دخلها، بالإضافة إلى توفر السلع مشيرا إلى أنّ السوق يتميّز بما سماه «التبزنيس» حيث تقصد فئة الأسواق بغرض شراء غرض بثمن مناسب لتعيد بيعه من جهتها محققة بعض الفوائد. الأسعار المنخفضة وتنوّع السلع تغري الزوار ينجذب زوار السوق وتغريهم الأسعار المنخفضة، ناهيك عن إمكانية وجود سلع لا تتوفّر في أماكن أخرى، خاصة فيما تعلّق بالإكسيسوارات، إذ أكّد مواطن وجدناه يتسوّق بين تجار بيع الألبسة المستعملة، أنّه يأتي من حين لآخر بغية الظّفر بقطع جيّدة بأسعار في المتناول، مؤكدا أنّ للأسواق حلاوة خاصة، إذ يقصدها المواطنون لتنوّع السلع الموجودة، لافتا أنّه يأتي أحيانا بغرض شراء سلعة فيجد نفسه قد اشترى سلعة أخرى لم تكن في الحسبان، على عكس المراكز الكبرى. وأوضح مواطن من بلدية عين عبيد التقينا به أنّه قدم بحثا عن حذاء لطفله، لعلّه يجد ما يناسبه خاصة من جانب السعر، لافتا أنّه يقصد السوق أحيانا نظرا لقربه، حيث يجد في الغالب المواطن ما يبحث عنه ويرضيه من ناحية الأسعار، إذ وقفنا خلال جولتنا عن أسعار تقدّر ب 2600 دينار بالنسبة للسراويل، وتصل القمصان إلى ألف دينار، وتترواح أسعار معاطف بين 2000 و3000دينار، وهذه الأسعار غير متاحة في المراكز التجارية والمحلات. وأثناء تجوالنا استوقفنا شخص يبحث عن شراء معطف، ليرتديه بالمستشفى كونه مقبلا على إجراء عملية حسب ما ذكره وسيركن هناك لبضعة أيام، فتوجّه إلى شخص يفترش الأرض ويعرض قطعا من الملابس المستعملة، قال إنّها تعود له ولأولاده يعيد بيعها لأنّ مقاسها أصبح صغيرا، فاتّفقا على سعر لمعطف ب 1500 دينار. مزايدة ثالثة خلال الأيام القادمة لتأجيره من جهتها أكّدت مصالح البلدية ممثلة في النائب المكلّف بالاستثمار موسى كرّاد، أنّ السوق الأسبوعي يعدّ رمزا، وبخصوص عدم تهيئته أرجع ذلك لطبيعة النشاط التجاري الذي يحتويه والمتعلّق ببيع المواشي، بالإضافة إلى كونه مؤجّرا في أغلب الفترات والبلدية في هذه الحالة لا تستطيع تهيئته للمؤجّر بحكم القانون، وأوضح المتحدّث أنّ مصالح البلدية تحضّر لإطلاق مزايدة ثالثة خلال الأيام المقبلة بغية تأجيره، على اعتبار أنّ مزايدتين سابقتين أسفرتا عن عدم جدوى، حيث تعمل البلدية على إثراء دفتر الشروط الذي سيكون جاهزا خلال أيام قليلة حسب المتحدّث والهدف هو استقطاب أكبر عدد من المزايدين، فيما ذكر رئيس البلدية مهدي أمين دعاس أنّ مصالحه تفكّر في إخضاعه لعملية التهيئة التي تمس عدّة جوانب، بالإضافة إلى تحويل سوق الماشية على مستواه إلى مكان آخر، مضيفا أنّ الجانب المتعلّق بالنّظافة يقع على عاتق الشخص الذي يستأجره.