الوقت.. وهو يتسرب بين أصابعنا؛ يشعرنا بذلك الزخم الكثيف من العفوية ، والتمحل اللذيذ، في سريانه السريع صوب فجوات مفتوحة على كشف الوردة ، وهتف الأغاني المبحوحة على شرفات الرمل، وسطوح المخيال ، ونثر الدروب الضيقة على حواف سموات لا أفق لها، ولا موانىء لنذهب إلى أنهار الريح، وينابيع الصمت ، وقهر اللغات وهي تكشط شفاف الرعاة ..وتطل على فواجعنا التي في سبات الطوى.. سموتُ إلى ظلها.. دمدم الوقت، واستخفّت بي جهات الصفصاف ، غبش الليالي التي في كمون الماء، وسرديات النص، آن شروده في ثبج المعنى ، ولوغوس الجميلات؛ وهن يمرحن على شواطىء الزرقة ، ولازردية الازرقاق..يلوحن للآتين من مدن الدم، وقرى الغياب..ينثرن فتنة الجسد ، وعبق الرقص ، ورغد المآتي التي في سطوع اللغات.. كانت تخيط الظل.. توشح الدمع، تغني للحيارى المتعبين.. تقول الذي في نسيج الآهات، عروة الآه والميجنا.. نطق الدمع.. شاغبتني القرويات ، وهن على مرح في اللهو؛ وعلى سرور في دفق الصباحات، وزهو المساءات ..هناك قرب النهر الآتي من ضنك اللغة ، وصمت المواويل على جبل الريح.. سمتْ، وانتمتْ.. لم تعد من صفات الصهد، لا ، ولا من أباريق الموشح ، وهو يرتب نبراته، ويسري إلى مشاتي الغيم، وقرى الكهف ، ومحميات الماء..هناك عند سفوح الرعد ، ومكامن الرغد، ونهايات الشطح .. عولتُ على برقها.. وعلى زقوها..طارت، وغارت، وانتبهت لمخيال الشّهد..كنا على مصاطب من نشوة القطن، وعلى صبوة من لفح أغاني الرعاة، وهم يسحبون الغابات ، ويمرحون على بسط العشب، ورمل النهر الذي ينبع من جبال الصوفية ..قرب مغارات الدم، شهق النصوص التي في متون الطواسين.. سقط الرمح.. لم تعد قصيدتي على موعد في الهبوب، وعلى منتجع من سهول الرقص، وتهدج الصبايا عند متحف الغابة، وهي تحتفي بقدوم الظلال..ونساء المساءات التي في دفوف الصخب.. لم أعد من رحلة المرايا.. ومن شغف الصبايا، ومن صدمة الوقت ، ونزف الذاكرة.. نهبتني القصيدة..سقطتُ عند حافة النبر، قرب سفح المطر.. كان الليل على مرمى حجر.. كنتُ على سارية الحلم.. على ناصية من لغات السمر.. على مركب من دم الموتى.. وهم يسرجون الظلال.. يرددون مقطّعات الصبر.