يتبنى مركز التكوين المهني صالح لبصير، ببلدية عين سمارة بقسنطينة، استراتيجية لتأهيل أفراد من ذوي الهمم، قصد استغلال طاقاتهم وفك عزلتهم و تسهيل إدماجهم في الحياة العملية، عن طريق دورات توفر شهادات تسمح لهم بالبحث عن وظائف تتناسب مع واقعهم، حيث تخرج من المركز قبل أشهر، أول فوج من مرضى التريزوميا تلقوا تربصا في مجال البستنة، وقد استطاع بعضهم اليوم، دخول مجال العمل وافتكوا وظائف حققت لهم استقلالا ماديا. تنقلت النصر، إلى مركز التمهين صالح لبصير بعين سمارة، الذي فتح أبوابه لتلاميذ من المركز النفسي البيداغوجي للمعاقين ذهنيا بالمدينة الجديدة علي منجلي، للاستفادة من تكوين مدته ثلاثة أشهر في تخصص العناية بالحدائق والمنتزهات، بإشراف أستاذة مختصة ومُرافقة بيداغوجية، مع توفير مختلف الوسائل للقيام بالأعمال التطبيقية، التي تشكل نسبة 80 بالمائة من مسار التكوين، وحدثنا متربصون من فئة التريزوميا والإعاقة الذهنية قابلناهم هناك، عن تجربتهم و عن المهارات التي اكتسبوها خلال فترة التربص، كما أخبرونا عن آمالهم و أحلامهم، وكيف يتوقعون أن تمنحهم الشهادات فرصة للانخراط بشكل أكبر في المجتمع و الشعور بتقدير الذات. التزام تام واستعداد للتعلم وقد أوضحت الأستاذة وريدة زيود، المسؤولة عن تأطير فوج تريزوميا بمركز التمهين، بأن تخصص العناية بالحدائق والمنتزهات، من المجالات المهمة، التي تتجلى فوائدها في نواحي كثيرة معرفية وسلوكية وعلاجية، للفئة التي تعاني من تأخر أو إعاقة ذهنية. و أشرفت على تكوين فوجين، الأول ضم ثمانية متربصين من فئة تريزوميا لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، أما الفوج الثاني فشمل متربصين من فئة 18 سنة إلى 23 سنة، و عددهم 11 متربصا، منهم من يعاني من إعاقة ذهنية، حيث دامت فترة تكوين الفوج الثاني أربعة أشهر كاملة أبانوا خلالها عن التزام تام واستعداد للتعلم، رغم أن برنامج التكوين حدد بثمان ساعات أسبوعيا، وقد تحصل المتربصون في نهاية العملية التعليمية على شهادة تأهيلية عنت لهم الكثير. وشمل البرنامج عدة محاور حسبها، بداية بتحضير التربة، وتقنيات الزراعة كالتقليم والحرث والسقي، و إعادة زرع النبتة أو الشجرة وتقنيات السقي وطرق الغرس في أصيص، انطلاقا من وضع الحجارة إلى معالجة التربة واختيار النبات، وتحديد كمية الماء المستعمل في السقي، وكيفية تهيئة المساحة الخضراء المهملة، و إزالة الأعشاب الضارة ناهيك عن التعريف بأنواع الأسمدة، كالسماد العضوي والسماد الكيميائي، وكيفية الاستعمال والتعرف على الأدوات مثل الرفش والفأس والمرش. تعليم يعتمد على الذاكرة البصرية وقالت المشرفة، إن التعامل مع فئة خاصة وتعليمها مهارات ومعارف جديدة، ليس بالأمر السهل، إذ وجدت صعوبة نوعا ما في التواصل مع أفراد الفوج بداية، بسبب مشكل ضعف الذاكرة و صعوبة تذكر المعلومة، لهذا اعتمدت استراتيجية تعليمية خاصة ترتكز كما أوضحت، على المعاملة الجيدة وتهيئة الجو، وعلى تكرار المعلومة وتبسيطها قدر المستطاع، ناهيك عن الأعمال التطبيقية لترسيخ المعارف، مشيرة إلى أنها تعتمد على الجانب النظري بنسبة 20 بالمئة، بإتباع تقنية الرسم لشرح أشكال النبتات والأدوات التي تستعمل في الغرس، لأن الصورة وسيلة فعالة في الحفظ كونها تخاطب الذاكرة البصرية. فيما وظفت الشق التطبيقي بنسبة 80 بالمائة في العملية التعليمية ككل، إذ يطبق المتربص حسب وصفها، كل ما تعلمه ميدانيا ويشاهد مختلف مراحل نمو النبتة، مع الحرص في الأعمال التطبيقية على قيام كل متربص بتجربة فردية لترسيخ مختلف المهارات المكتسبة بشكل تسلسلي، فالهدف من التكوين يكمن في اكتساب مهارة تسهل إدماجه في منصب عمل، لتحقيق الاستقلالية المادية على حد تعبيرها. وعن اختيار البستنة تحديدا، قالت إنها مهارة مفيدة تفتح أفاق الشغل، وهو أيضا تخصص علاجي يطور القدرات العقلية، كما يكسب الثقة بالنفس، ويساعد على التخلص من سلوكيات سلبية ويعالج عدة مشاكل تعاني منها هذه الفئة، كالانطوائية والخجل والعزلة، حيث لاحظت كما أكدته لنا، اندماج المتربصين وتعودهم على بعضهم في ظرف أقل من 20 يوما، وتخلصهم من الشعور بالخوف، ما حسن من الجانب السلوكي بشكل ملحوظ خصوصا خلال فترة الاستراحة التي كانت فرصة للاحتكاك بين جميع المتربصين في المركز. وتؤكد المتحدثة، بأن تخصص البستنة في حد ذاته، له فوائد صحية ناجمة عن النشاط الفيزيائي الذي يقوم به المتربصون من خلال الحركة وعند القيام بالأشغال التطبيقية، حيث يخلص من مشكل السمنة الذي يهدد هذه الفئة بشكل كبير، ويسمح للجميع باكتساب ثقافة غذائية والاهتمام أكثر بالطبيعة و منتجاتها، وهو أمر مهم جدا كما قالت، مثمنة في ذات السياق الدور الكبير الذي يقوم به الأولياء، من خلال المرافقة الدائمة والتأطير الجيد ومؤكدة، أن منح فرص تكوينية أكبر لهذه الفئة، يسهل دمجها في الوسط المهني ويساعد على تغيير الذهنيات و تفكيك النمطية التي تشكل عائقا أمام هؤلاء الشباب. * المتربص يعقوب مبعوج غيرت وجه حديقة بيتنا بفضل التكوين يعقوب مبعوج، البالغ من العمر 18 سنة، هو أحد المستفيدين من تكوين تأهيلي في العناية بالحدائق والمنتزهات، ومن فئة ذوي الإعاقة الذهنية، تحصل شهر جانفي المنصرم، على شهادة تأهيلية من مركز التكوين المهني بعين سمارة، و أعرب في حديثه للنصر، عن تفاؤله بتحسن واقعه هو وغيره من المعاقين، بفضل فرص التكوين والاندماج في الحياة المهنية التي باتت متاحة ولو نسبيا أمامهم، لتصبح هذه الشريحة هي الأخرى مصدرا للإنتاج، و تعتمد على نفسها لتأمين قوت يومها ومستقبلها، عوض التركيز على الإعانة أو المنحة فقط، معتبرا فتح تخصص البستنة في مركز التكوين المهني، مبادرة جيدة، داعيا إلى تعميمها وتوسيعها لتشمل تخصصات أخرى، تساعد في تطوير المهارات وتجعل المتربص يشعر بنوع من التقدير الذاتي. وقال محدثنا، إنه ورغم محدودية فترة التكوين التي لم تتجاوز ثلاثة أشهر، إلا أنه تمكن من اكتساب مهارات عديدة في مجال البستنة وتهيئة المساحات المهملة، ونمت لديه الرغبة في العناية بحديقة بيته، أين قام بغرس أعشاب عطرية كالبقدونس و إكليل الجبل ونبتة الجيرانيوم والعطرشة، حيث يقوم بإعادة الأعمال التطبيقية في البيت لترسيخها في ذهنه، كما يحرص على الإتقان والعناية بكل نبتة، مردفا بأن فترة التكوين سمحت له بتكوين صداقات جديدة. سلوك ابني تغير بعد التحاقه بالمركز وقالت عواطف عيشور، والدة يعقوب، بأن التكوين الذي استفاد منه ابنها غذى ميوله نحو البستنة، وزاد رغبته في إقامة مزرعة وتربية الحيوانات، معربة عن حب ابنها للفضاءات الخضراء، وحلمه بإنجاز مشتلة لمختلف أنواع النباتات، مضيفة بأن المعاملة الجيدة التي حظي بها في المركز كانت أساس نجاح تكوينه. وأضافت، بأنه و إلى جانب المهارات التي اكتسبها يعقوب، فقد لمست تغيرا جذريا في سلوكه، مرجعة ذلك إلى المعاملة والثقة التي منحت له من المؤطرين، و التواصل الجيد مع باقي المتربصين في الورشة التي أشرفت عليها مُرافقة بيداغوجية، مؤكدة أن طاقم المركز بذل جهدا كبيرا لتوفير الجو المناسب لهؤلاء الشباب والمراهقين، وهو ما ترجمه حماس ابنها اليومي للذهاب إلى المؤسسة و الالتحاق بالورشة، ناهيك عن زيادة اهتمامه بالطبيعة و النباتات بشكل كبير جدا. * المتربص علاء الدين عبد الحق قمت بتجارب زراعية ناجحة وتحدث أيضا، علاء الدين عبد الحق، البالغ من العمر 19 سنة، وهو متربص من فئة تريزوميا، عما تعلمه في ورشة البستنة، حيث اكتسب تقنيات زبر الأشجار وكيفية السقي وتقنيات الإضاءة، وكيفية مراقبة النبتة، وأتقن استخدام الأدوات وطرق نزع الأعشاب وجمعها لإعادة خلطها بالتربة واستعمالها كسماد، وتمكن من الحصول على منتوج طبيعي. وعن أول عمل تطبيقي قام به، قال بأنه نجح رفقة معلمته في إعادة زرع شجرة الأروكاريا، وغرس نباتات في الأصيص وهي العطرشة والجيرانيوم والإكليل، كما قام بعدة تجارب في البيت، وهي غرس النعناع والبقدونس وشجرة الزعرور في حديقة بيت جدته، التي يعتبرها مكانه المفضل، وقال إن أهم ما تعلمه طوال فترة التربص هو الثقة بالنفس و الاعتماد على الذات. من جانبه، دعا والد علاء الدين، نبيل عبد الحق، إلى تمديد ساعات وفترة التكوين، وفتح تخصصات أخرى، تعود بالفائدة على المتربصين، وتخلصهم من الضغوطات النفسية التي يعيشونها، بسبب نمط عيشهم المحدود، موضحا بأن ابنه يقضي أغلب الأوقات في البيت وهو ما أثر عليه سلبا، غير أن التحاقه بالمركز غير سلوكه نحو الأحسن، ونمى لديه حافزا بتطبيق مختلف تقنيات الزراعة التي تم تعلمها، مردفا بأن التأطير الجيد في المركز والمرافقة العائلية أثرا إيجابا على طباعه، داعيا إلى تسهيل إدماج هذه الفئة في مجال الشغل، ومؤكدا بأن العراقيل البيروقراطية تحول دون ذلك، كإجبارية بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية، مطالبا بإعادة النظر في ملفات طلب الشغل. * مدير مركز المصدق سرغمة نسعى لفتح تخصصات جديدة تشمل العنصر النسوي قال مدير مركز التمهين المصدق سرغمة، بأن الدورة التكوينية تمت في إطار اتفاقية بين وزارة التكوين والتعليم المهنيين ووزارة التضامن الوطني، حيث تم تجسيد اتفاقيات محلية بين إدارة مركز التمهين صالح لبصير بعين سمارة، والمركز النفسي البيداغوجي للمعاقين ذهنيا بالمدينة الجديدة علي منجلي، الهدف منها تأهيل هذه الشريحة في اختصاصات لا تتطلب مهارات كبيرة. وأوضح، أن أول تجربة تمثلت في تخصص العناية بالحدائق والمنتزهات، الذي يدخل في شعبة الفلاحة، وقد انطلق التكوين في أكتوبر 2023، حيث تم استقبال 6 متربصين بداية استفادوا من تكوين نظري يشمل عدة مواضيع، منها كيفية التعرف على النباتات وتحضير التربة والتقليم والوسائل المستعملة، مع برمجة أعمال تطبيقية على مستوى مختلف المساحات الخضراء بالمركز، والتعرف على نوع التربة وطرق تخصيبها وغرس وقلع الأشجار، ليتم في الختام إجراء اختبار تطبيقي لتقييم المهارات المكتسبة. وعن الملاحظات المسجلة طوال فترة التكوين، أوضح أنها تمثلت في تغير سلوك المتربصين، و زيادة الاهتمام بالمساهمة الاجتماعية، مرجعا سبب اختيار هذا التخصص إلى كونه مطلوبا على مستوى الإدارات والمؤسسات العمومية، ولا يستوجب مكتسبات كبيرة، وهو ما يمكن ويسهل عملية الإدماج المهني والاجتماعي لذوي الهمم، من خلال احتكاكهم بباقي المتربصين وعمال المركز، وكذا إشراكهم في النشاطات التي تحتضنها المؤسسة. وقد تم حسبه، تكريم المتربصين عند تخرج أول دفعة، وذلك بحضور السلطات المحلية، مع توفير مناصب شغل للبعض وضمان منحة البطالة للبقية، كما تكفلت مديرية التشغيل بتوظيف المتخرجين الأوائل في الدفعة الثانية، وكشف سرغمة، عن سعيه لتنويع الاختصاصات، وتوسيع مجال التربص الميداني لتلاميذ المركز البيداغوجي، حيث ينتظر أن تبرمج تربصات في الخياطة كخطوة أولى، وهو ما يسمح باندماجهم اجتماعيا أكثر ويسعى المركز كذلك، لفتح تخصصات تكوينية لذوي الهمم في صناعة الحلويات والتفصيل و الخياطة لتشمل العملية العنصر النسوي.