معظم الشباب يأخذهم الانشغال بالتجارة وانعدام الحس البيئي من البستنة وتصرفهم عن التمتع بجمال الطبيعة وسحر ملامسة ترابها، لكن بعض الشبان ممن أغرموا بالنباتات، وممن كان لهم الحظ في الالتحاق بمراكز التكوين المهني قرروا العودة إلى أحضان الطبيعة لممارسة مهنة قديمة قدم تاريخ الانسان. بفضل البستنة يستطيع الفرد أن يعمل مطمئنا بعيدا عن حسابات عالم التجارة التي استقطبت السواد الأعظم من شباب اليوم، فطالما كانت الحديقة الغناء رئة تتنفس منها البيوت ومصدرا للأوكسجين تتيح محيطا طبيعيا نقيا ما أحوجنا إليه في زمن التلوث الصناعي.. هي أفكار تبناها بعض الشبان ليزرعوا بذلك آمالا تعد بإعطاء اهتمام أفضل وأكبر للبيئة مستقبلا. "رضا عمارة'' واحد من هؤلاء الشبان، (يتربص حاليا بمركز التكوين المهني لبرج منايل).. يروي قصته: ''كنت أعمل في مجال البناء، لكن لم أجد متعة في ممارسة هذه المهنة، لأن ميولاتي كانت تجذبني دوما نحو الطبيعة للاحتكاك بجمال أزهارها، فقررت الالتحاق بمركز التكوين المهني لأدرس تخصص البستنة منذ دورة فيفري المنصرم" "رضا'' الذي شارك في صالون المهن والحرف المنظم ببومرادس، يختبر مؤهلاته حاليا بالعمل في مشتلة بعد أن تعلم كيفية غرس الزهور والاعتناء بها والتعرف إلى مختلف أصنافها.. ويقول: ''شاركت في المعرض لأعلم الزوار بأن برج منايل هي مدينة الورود، ولأنقل رسالة الى أقراني مفادها أن العمل في المحيط الطبيعي يمنح راحة البال." الشاب ''سيد علي دوار'' كان يعشق منذ طفولته الطبيعة وغرس الزهور، فلم يكن غريبا أن يلتحق بمركز التكوين المهني لدراسة تخصص البستنة.. الآن وقد تعلم تقنيات العمل في المشتلة، بدأ بغرس أشجار الزيتون، وصرح ل''المساء'' بأنه على أتم الاستعداد للعمل في الطبيعة التي تمنح شعورا رائعا بالفرح مقابل الصبر الكثير لأداء مهمة الغرس والاعتناء بالنباتات والتفنن في صنع الأحواض المائية وغيرها من أوجه الإبداع التي اقتحمت الحدائق. ووجه الشاب ''سيد علي'' في كلمته نداء إلى الشباب مفاده: ''احتكوا بالطبيعة لتغيروا جو حياتكم بدلا من أن تتقوقعوا في دائرة التجارة." أما ''نبيل بومشوال'' الذي كان منهمكا في مراقبة نموذج لوادي جميل صنعه ليشارك به في الصالون، يقول إنه استوحى الفكرة عندما كان جالسا ذات مرة رفقة أصدقائه بالقرب من أحد الوديان، حيث لفته جماله المستمد من الحجر الصخري.. وسرعان ما خطرت بباله فكرة صنع واد مشابه له، وحينئذ انفجر أصدقاؤه ضحكا من باب السخرية، لكن نبيل صمم على تجسيد الفكرة، فتحولت إلى حقيقة جميلة تستقطب الأنظار في صالون المهن والحرف. وعن سر إصراره كشف أنه ما هو إلا إسقاط للحب الذي يكنه للمناظر الطبيعية، والذي يحمله على الاحتكاك بهذا العالم الجميل، حيث يجد الهدوء النفسي، بعيدا عن عمل الورشات وضجيجها. "مصطفى إسلام حمريوي'' الذي يميل بدوره إلى الطبيعة يتمنى لو أن كل الشباب يدرسون تخصص البستنة على غراره.. وميله للطبيعة سرعان ما بدأ يتجسد على أرض الواقع، حيث غرس شجرة أمام العمارة التي يقطن بها.. وعن ذلك أشار إلى أنه استجاب إلى رغبته في مشاهدة المناظر الطبيعية واستنشاق الهواء النقي، مبرزا أنه يستنكر كافة السلوكات المعادية للبيئة. وبابتسامة كشف عن أمنيته قائلا: ''أتمنى أن تكون لدي فيلا محاطة بالنباتات''. ومن جانبها أوضحت الأستاذة ''تاريكات''، تعمل بمركز التكوين المهني لبرج منايل'',''2 أن هذا الأخير بات يشهد إقبالا ملحوظا على تخصص البستنة من كلا الجنسين، حيث أن المقبلين على التربص في هذا المجال هم غالبا ممن لديهم ميولات للتعامل مع الطبيعة. وأردفت: ''نحن من جهتنا نشجع الشباب على الاحتكاك بالطبيعة من خلال ترسيخ فكرة التعامل مع النبات على أنه كائن حي يجب الاعتناء به للوصول إلى غاية إلقاء نظرة جميلة على المحيط، وهو ما من شأنه أن يحث جيل الغد على المحافظة على مختلف الأصناف النباتية النادرة، وبالتالي تكوين جيل أكثر اهتماما بالطبيعة." ويبدأ تجسيد هذه الأهداف، بحسب الأستاذة تاريكات، بالحرص على تحضير الجانب النفسي للمتربصين للتفاعل مع الطبيعة، مؤكدة أنها تلمس اهتماما ملحوظا وسط شباب اليوم، والذي لا ينقصه سوى التوجيه، مما يزرع الأمل في تكوين جيل ذي حس بيئي. وفي هذا الصدد ذكرت مديرة مركز التكوين المهني لبرج منايل ''''2 نعيمة بن يحيى ل ''المساء'' أن الكثير من الشباب يقصدون المركز بحثا عن تخصصات مختلفة، لكن سرعان ما يغيرون آراءهم بعد أن يتولى بعض مهندسي وأساتذة المركز تعريفهم بتخصص البستنة والفوائد التي يمكن جنيها من خلال ممارسة هذه المهنة، وبالتالي يتوجهون نحو دراسة هذا التخصص. ضعف الثقافة البيئية يكرس اعتقاد الأرض رمز للفقر وبحسب مديرة المركز، فإن جهل العديد من الشباب الراغبين في التكوين لأهمية هذا التخصص منشأه الاعتقاد السائد، والذي مفاده أن الأرض رمز للفقر، وبالتالي لا يمكن أن تكون مصدرا جيدا لكسب الرزق. ولفتت الانتباه إلى أن جيل اليوم تنقصه الثقافة البيئية، حيث أن نقص المعلومات يغيّب في ذهن الكثيرين الفوائد الكثيرة التي يمكن جنيها، بدليل أن عدة شبان اختاروا هذا التخصص وأنشأوا مشاتل وصاروا أصحاب مشاتل بأتم معنى الكلمة بعد أن تمكنوا من توفير عدة مناصب شغل، وأضافت أنه من ضمن الروائع التي يمكن أن يتفنن المختصون في البستنة في صنعها أحواض البستان التي يمكن أن تعود على صانعها بفائدة قدرها مليون سنتيم على سيبل المثال، وكذا الجدار النباتي الذي يشكل تواجده تحفة طبيعية داخل الشقق. وختمت السيدة نعيمة بن يحيى حديثها متفائلة: ''إن المعطيات المسجلة في مراكز التكوين المهني تعطي أملا كبيرا في تغيير ذهنية شباب اليوم وحثه نحو العودة إلى خدمة الأرض، فكل ما تحتاجه هذه الفئة برأيي هو التوجيه، لأن الإنسان بطبعه يحب الطبيعة."