يساهم المطبخ الجزائري بتنوعه في إثراء قائمة الأطباق عبر العالم، وذلك من خلال تقديمه بطرق مبتكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد قنوات الطبخ المتخصصة، التي يتابعها الملايين و تصنع نجومية رجال وسيدات، انتقلن من كونهن ربات بيوت بسيطات إلى عالم أوسع تمتزج فيه مقادير الطهي بمعايير أخرى تحكمها سوق الإعجاب والمشاهدات التي تصب في قالب واحد هو الربح عن طريق الإشهار أو الانتقال إلى الشاشة الكبيرة. ورغم أن للرجال نصيبا من القنوات على المنصة التفاعلية التي تحصي في الجزائر أزيد من 22.80 مليون مستخدم، إلا أن السيدات يهيمن على المجال تقريبا، وتحظى بعضهن بجماهيرية منقطة بل و تتربع على عرش المشاهدات على الموقع، على غرار أم وليد صاحبة قناة الطبخ الشهيرة، التي تعد من أول من أعادت تقديم دليل للطبخ الجزائري بطريقة مبسطة، لتحصد اليوم لقب الأكثر بحثا على يوتيوب خلال 2023، بحسب ما كشف عنه التقرير الرقمي السنوي لمستخدمي الإنترنت في الجزائر. التكنولوجيا تفتح كتب أسرار الطبخ بعيدا عن التكوينات والتخصص في هذا المجال، تسجل مواقع التواصل الاجتماعي حضورا لافتا لجزائريات ينافسن طهاة محترفين في الشهرة غالبيتهن ربات بيوت بسيطات صرن نجمات طبخ، حيث يوقع حضورهن اللافت عبر هذه المنصات، ويساهمن في إعادة بعث مختلف الوصفات التقليدية الجزائرية بما في ذلك وصفات صارت من الأرشيف ويتميزن عموما بطرقهن البسيطة و المبتكرة في تحضير الوصفات وتقديمها وشرح مراحل إعدادها، ناهيك عن اللمسة الإبداعية التي تضفي على الطبق نوعا من العصرنة و تجعله يبدو أشهى عبر إضافة مكونات أو تغييرها بأخرى. بعدما كان تناقل الوصفات يتم عبر المشافهة أو التدوين، وكانت أسرار بعض الوصفات حكرا على نساء منطقة تشتهر بها دون غيرهن من نساء الوطن، كسرت نجمات صفحات وقنوات الطبخ كل الحواجز، ومنحن تأشيرة مجانية لكل من ترغب في ولوج عالم الطبخ و تعلم أسراره، معتمدات على مبدأ البساطة، فصارت كل الوصفات الجزائرية متاحة، حيث بإمكان النساء في تيندوف أن يحضرن شباح السفرة القسنطينية، و يدق مهراس بوسعادة في عنابة، ويطبخ المثوم في وهران، وأصبحت بعض الأطباق التي كان يعتقد أن تحضيرها صعب ومعقد، سهلة و يمكن طهيها خارج المناسبات وفي وقت وجيز بفضل أفكار و حيل أو « تدبيرات». المطبخ الجزائري.. من المحلية إلى العالمية ولأن العالم الافتراضي عالم مفتوح لا حواجز فيه، فإن الكثير من الوصفات التقليدية الجزائرية قد أخذت شهرة واسعة، وذاع صيتها خارج حدود الوطن، إذ يتفنن صناع محتوى أجانب في تحضير الشخشوخة والكسكس والكسرة و غيرها من الوصفات، وذلك بعدما اشتهرت هذه الأطباق بفضل قنوات محلية على مواقع التواصل، و عن طريق الترويج الذي يقوم به مدونون ومؤثرون وصناع محتوى جزائريون ومن العالم، فلا أحد زار الجزائر إلا ووقع تحت سحر ولذة مطبخها العريق. وتؤكد السيدة ديلمي بثينة، صاحبة قناة «ثينا كويزين» الناشطة عبر يوتيوب وتيك توك وإنستاغرام، بأن لديها عددا مهما من المتابعين الأجانب خاصة من السعودية و مصر و فرنسا ومتابعين من أوروبا ولكن بدرجة أقل، مضيفة أن تعمدها أسلوب الترجمة للغة الفرنسية، ساهم في استقطاب متابعين أجانب، وهذا سعيا منها للتعريف بالمطبخ والوصفات الجزائرية على نطاق أوسع. وقالت الشيف نوال أويحيى، وهي طاهية شهيرة على يوتيوب، إن الاختلاط بالأجانب والأنشطة التي تقوم بها في السفارات والمشاركة في مختلف المهرجانات والمعارض، مكن من وصول الوصفات الجزائرية إلى أبعد نقطة في العالم، متحدثة عن تجربة مهرجان الأيادي الذهبية مع السفارة الهولندية، أين قدمت بنفسها عددا من الأطباق الجزائرية التقليدية أحبها كل من تذوقها، إلى جانب تجربة أخرى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أثبتت حسبها غنى وثراء وتميز المطبخ الجزائري الذي يصنع الحدث أينما حل. بساطة وبعد عن التكلف لطالما صنفت بعض الوصفات والأطباق الرئيسية، صعبة و كان تحضيرها مقتصرا على طاهيات محترفات أو أمهات وجدات، فتحضير طبق «تريدة الطاجين» أو «المحجوبة»، كان يشبه المشروع الكبير الذي يتم الإعداد له مسبقا بالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه العمل، إلا أن الحيل التي تنتشر اليوم في العالم الافتراضي قد سهلت المهمة على ربات البيوت، بفضل حلول بسيطة وبدائل عملية تختزل الوقت والجهد معا. وحسب الشيف نوال أويحيى، التي تدير قناة خاصة على اليوتيوب وتملك صفحات متنوعة عبر فيسبوك، فإن سر شعبية المطبخ الجزائري يكمن بالدرجة الأولى في لذة وثراء الأطباق و تنوعها، إذ يتميز دليل الطبخ المحلي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب بنكهات مختلفة، بعيدا عن التكلف و المبالغة واستخدام ما هو متوفر في المطبخ لتقديم وصفات نباتية أحيانا ودسمة أحيانا أخرى، ناهيك عن المعجنات التي تحضر منزليا. وقالت، إنها وبوصفها واحدة من الناشطات في المجال، تسعى دائما إلى تبسيط فكرة الطبخ لمتابعيها وتشجيعهم على التجربة، من خلال تقديم وصفات بمكونات متوفرة في كل بيت، واقتراح بدائل للمكونات المكلفة وتعويضها بما هو متاح وفي المتناول، لتقدم بذلك حلا بسيطا لتحضير أكلة تقليدية محبوبة بأقل جهد وتكلفة، ولعل هذا الجانب من البساطة هو ما يحبه متابعوها في المحتوى الذي تقدمه، وذلك بحسب ما تبينه التعليقات. للابتكار نصيب تنتشر حاليا الكثير من الوصفات العصرية والمبتكرة بطريقة تتلاءم وخصوصية المجتمع الجزائري، خاصة الوصفات التي تسمى بالسريعة مثلما تقول «ثينا كويزين» التي أوضحت أنها تسعى دائما لمسايرة تطورات العصر، خاصة فيما يتعلق بالسرعة و الفعالية، ولأن الجميع لا يحب مشاهدة فيديوهات طويلة، فإنها تفضل تقديم محتوى لا يتعدى 4 إلى 5 دقائق على الأكثر، مؤكدة أن المتابع يمل وبالتالي لا يجب إرغامه على الانتظار طويلا لمشاهدة النتيجة النهائية للوصفة، وهذا ما يفسر انتشار الفيديوهات القصيرة أو « الريلز» التي صارت موضة مؤخرا. كما تحدثت صاحبة القناة عما وصفته بالابتكار في الوصفات العصرية وذلك من خلال تقديم أكلات يعتبرها البعض « تدبيرة»، لأنها تطهى مما هو موجود في المطبخ أو الثلاجة وفي وقت قصير دون الحاجة للتسوق وقد تصنف هذه الوصفات على أنها جديدة نوعا ما وغير مألوفة لكنها لذيذة وعملية، حيث تعمل محدثتنا كما عبرت، على تقديم أفكار تمزج فيها بين خصوصية المطبخ الجزائري وما يتوفر في الأسواق من مكونات على اختلافها للحصول على وصفة سريعة، عادة ما تصبح « ترند» أو أكثر ما يبحث عنه المتابعون. كما أن معظم مسيرات الصفحات حسبها، يحرصن على تقديم وصفات سريعة التحضير ولا تتطلب وقتا وبمكونات بسيطة لتلبية حاجة الموظفات وربات البيوت اللواتي ينشغلن عن الطبخ بمهام كثيرة أخرى، لأن هذا المحتوى مطلوب ورائج جدا. الصورة واللعب على المصطلحات يصنعان الفرق «أسرع وصفة»، «كيكة بدون بيض» وعناوين أخرى مميزة يستعملها مسيرو مختلف قنوات وصفحات الطبخ من أجل استقطاب الجمهور، وهو ما تؤكده السيدة بثينة، التي قالت إن الجمهور يمل من الوصفات المعقدة ويبحث عن كل ما هو بسيط، وبذلك يكون التركيز منصبا عادة على اختيار المتاح من المكونات لإعداد طبق لذيذ بسرعة، وتقديمه للمتابعين كفكرة مبتكرة باستخدام عناوين جذابة للترويج، مثل « وصفة في دقائق، وصفات بسيطة، حلوى بدون بيض وغير ذلك»، لأنه وللعلم كما أوضحت، تعد هذه الوصفات مطلوبة جدا من قبل الجميع. يأتي كذلك الاهتمام بجانب التصوير الإبداعي ليتمم العملية الترويجية، لأن الشهية تتأثر بشكل ومنظر الطبق، ولذلك يعتمدن حسب المتحدثة، على تقنيات حديثة للتصوير و يستعملن تجهيزات جد متطورة للحصول على الصورة المثالية القادرة على إثارة اهتمام المتابع أو المشاهد ودفعه إلى فتح رابط المشاهدة و إتمام الفيديو للأخير. و قالت صاحبة قناة «ثينا كويزين»، إن أكثر ما تركز عليه في عملها هو تقديم صورة جميلة تعكس حقيقة ولذة الوصفة، وهذا ما ترى بأنه يصنع الفرق في الفيديوهات ويجلب المشاهدين، كما أن للإضاءة دورا مهما أيضا.